للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّهُ يَدْفَعُ بِهِ الْغُرْمَ عَنْ نَفْسِهِ وَبِجِرَاحَةِ مُوَرِّثِهِ قَبْلَ انْدِمَالِهَا لِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ كَانَ الْأَرْشُ لَهُ وَلَوْ شَهِدَ لِمَوْرُوثٍ لَهُ مَرِيضٍ أَوْ جَرِيحٍ، بِمَالٍ قَبْلَ الِانْدِمَالِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ. وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ وَاَلَّتِي قَبْلَهَا أَنَّ الْجِرَاحَةَ سَبَبٌ لِلْمَوْتِ النَّاقِلِ لِلْحَقِّ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْمَالِ. وَاحْتَجَّ لِمَنْعِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ فِي ذَلِكَ وَأَمْثَالِهِ. بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَدْنَى أَلا تَرْتَابُوا} [البقرة: ٢٨٢] وَالرِّيبَةُ حَاصِلَةٌ هُنَا. بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلَا ظِنِّينٍ» وَالظِّنِّينُ الْمُتَّهَمُ (وَ) لِهَذَا (لَا) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (دَافِعٍ عَنْهَا) أَيْ عَنْ نَفْسِهِ (ضَرَرًا) كَشَهَادَةِ عَاقِلَةٍ بِفِسْقِ شُهُودِ قَتْلٍ يَحْمِلُونَهُ مِنْ خَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ وَشَهَادَةِ غُرَمَاءِ مُفْلِسٍ بِفِسْقِ شُهُودِ دَيْنٍ آخَرَ ظَهَرَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُمْ يَدْفَعُونَ بِهَا ضَرَرَ الْمُزَاحَمَةِ.

تَتِمَّةٌ: (لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مُغَفَّلٍ) لَا يَضْبِطُ أَصْلًا وَلَا غَالِبًا لِعَدَمِ الْوُثُوقِ بِقَوْلِهِ: أَمَّا مَنْ لَا يَضْبِطُ نَادِرًا وَالْأَغْلَبُ فِيهِ الْحِفْظُ وَالضَّبْطُ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ قَطْعًا لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَسْلَمُ مِنْ ذَلِكَ وَمَنْ تَعَادَلَ غَلَطُهُ وَضَبْطُهُ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَمَنْ غَلَبَ غَلَطُهُ وَلَا شَهَادَةَ مُبَادِرٍ بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ لِلتُّهْمَةِ وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ يَأْتِي قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ» فَإِنَّ ذَلِكَ فِي مَقَامِ الذَّمِّ لَهُمْ وَأَمَّا خَبَرُ مُسْلِمٍ: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهُودِ الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا» فَمَحْمُولٌ عَلَى شَهَادَةِ الْحِسْبَةِ وَهِيَ مَأْخُوذَةٌ مِنْ الِاحْتِسَابِ وَهُوَ طَلَبُ الْأَجْرِ فَتُقْبَلُ سَوَاءٌ أَسَبَقَهَا دَعْوَى أَمْ لَا سَوَاءٌ أَكَانَتْ فِي غَيْبَةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ أَمْ لَا وَهِيَ كَغَيْرِهَا مِنْ الشَّهَادَاتِ فِي شُرُوطِهَا السَّابِقَةِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَمَحِّضَةِ كَصَلَاةٍ وَزَكَاةٍ وَصَوْمٍ بِأَنْ يَشْهَدَ بِتَرْكِهَا وَفِيمَا لِلَّهِ تَعَالَى فِيهِ حَقٌّ مُؤَكَّدٌ

ــ

[حاشية البجيرمي]

امْتِنَاعِ إثْبَاتِ الْوَصَايَا بِشَهَادَةِ بَعْضِهِ، بِأَنَّ سَلْطَنَةَ الْوَصِيِّ أَقْوَى وَأَتَمُّ وَأَوْسَعُ مِنْ سَلْطَنَةِ الْوَكِيلِ. وَكَذَا لَا تُقْبَلُ بِشَهَادَةِ بَعْضِ الْوَكِيلِ بِدَيْنٍ لِلْمُوَكِّلِ. وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَصْدِيقَ: فَرْعِهِ مَثَلًا كَمَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَبِ وَابْنِهِ فِي وَاقِعَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَوْ ادَّعَى الْإِمَامُ شَيْئًا لِبَيْتِ الْمَالِ قُبِلَتْ شَهَادَةُ بَعْضِهِ بِهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَيْسَ لِلْإِمَامِ. وَمِثْلُهُ نَاظِرُ وَقْفٍ أَوْ وَصِيٌّ ادَّعَى شَيْئًا لِجِهَةِ الْوَقْفِ أَوْ لِلْمُوَلَّى عَلَيْهِ، فَشَهِدَ بِهِ بَعْضُ الْمُدَّعِي لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ بِخِلَافِهَا، بِنَفْسِ النَّظَرِ وَالْوِصَايَةِ. اهـ. س ل.

قَوْلُهُ: (قَبْلَ انْدِمَالِهَا) : أَمَّا بَعْدَ الِانْدِمَالِ فَتُقْبَلُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ شَرْحُ الرَّوْضِ.

قَوْلُهُ: (كَانَ الْأَرْشُ لَهُ) الْمُرَادُ بِهِ الدِّيَةُ.

قَوْلُهُ: {وَأَدْنَى أَلا تَرْتَابُوا} [البقرة: ٢٨٢] أَيْ أَبْعَدُ مِنْ عَدَمِ الرِّيبَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَتَى كَانَ رِيبَةً امْتَنَعَتْ الشَّهَادَةُ. قَوْلُهُ: (وَالظَّنِينُ الْمُتَّهَمُ) . قَالَ تَعَالَى: {وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} [التكوير: ٢٤] أَيْ بِمُتَّهَمٍ.

فَرْعٌ: لَوْ كَانَ لِشَخْصٍ عَلَى آخَرَ دَيْنٌ جَاحِدٌ لَهُ فَلَهُ أَنْ يُحِيلَ بِهِ شَخْصًا وَيَدَّعِيَ الْمُحْتَالُ عَلَى الْمُحَالِ عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ، وَيُقِيمَ الْمُحِيلُ شَاهِدًا لَهُ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ. وَلَا يُقَالُ: إنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ جَرَّتْ نَفْعًا فَلَا تَصِحُّ لِأَنَّ الدَّيْنَ انْتَقَلَ لِلْمُحْتَالِ اهـ خ ض.

قَوْلُهُ: (يَحْمِلُونَهُ) أَيْ بَدَلَهُ.

قَوْلُهُ: (وَالضَّبْطُ) مُرَادِفٌ قَوْلُهُ: (وَمَنْ تَعَادَلَ غَلَطُهُ) أَيْ غَفْلَتُهُ.

قَوْلُهُ: (وَلَا شَهَادَةُ مُبَادِرٍ) وَلَوْ فِي مَالِ يَتِيمٍ أَوْ زَكَاةٍ أَوْ كَفَّارَةٌ أَوْ وَقْفٍ أَوْ غَائِبٍ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ بَلْ يَنْصِبُ الْقَاضِي مَنْ يَدَّعِي ثُمَّ يَطْلُبُ الْبَيِّنَةَ وَلَا تَحْتَاجُ إلَى حُضُورِ خَصْمٍ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّاهِدِ مَعْرِفَتُهُ بِفُرُوضِ الصَّلَاةِ وَالْوُضُوءِ مَثَلًا إذَا لَمْ يُقَصِّرْ فِي التَّعَلُّمِ بِأَنْ أَسْلَمَ قَرِيبًا أَوْ كَانَ فِي شَاهِقِ جَبَلٍ وَلَا يَضُرُّ تَوَقُّفُهُ فِيهَا، إذَا أَعَادَهَا جَازِمًا بِهَا اهـ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَقَوْلُهُ فِيهَا: أَيْ فِي الشَّهَادَةِ الْمُعَادَةِ أَيْ لَمْ يَرْضَ بِإِعَادَتِهَا خَوْفًا مِنْ رَدِّهِ كَمَا رَدَّ أَوَّلًا.

قَوْلُهُ: «خَيْرُ الْقُرُونِ» أَيْ أَهْلِ الْقُرُونِ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ: الْقَرْنُ بِوَزْنِ فَلْسٍ الْجِيلُ مِنْ النَّاسِ قِيلَ ثَمَانُونَ سَنَةً وَقِيلَ سَبْعُونَ قَالَ الزَّجَّاجُ الَّذِي عِنْدِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الْقَرْنَ أَهْلُ كُلِّ مُدَّةٍ كَانَ فِيهَا نَبِيٌّ أَوْ طَبَقَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ سَوَاءٌ كَثُرَتْ السُّنُونَ أَوْ قَلَّتْ قَالَ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي» يَعْنِي أَصْحَابَهُ «ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» يَعْنِي التَّابِعِينَ «ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» أَيْ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ عَنْ التَّابِعِينَ.

قَوْلُهُ: (فِي حُقُوقِ اللَّهِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>