لِعَبْدِهِ: افْرَغْ مِنْ عَمَلِك وَأَنْتَ حُرٌّ. وَقَالَ: أَرَدْت حُرًّا مِنْ الْعَمَلِ لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا وَيَدِينُ وَلَوْ قَالَ: اللَّهُ أَعْتَقَك عَتَقَ أَوْ أَعْتَقَك اللَّهُ فَكَذَلِكَ. كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخَيْنِ. وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ أَنْتَ حُرٌّ مِثْلَ هَذَا الْعَبْدِ وَأَشَارَ إلَى عَبْدٍ آخَرَ لَهُ لَمْ يَعْتِقْ ذَلِكَ الْعَبْدُ كَمَا بَحَثَهُ النَّوَوِيُّ لِأَنَّ وَصْفَهُ بِالْعَبْدِ يَمْنَعُ عِتْقَهُ وَيَعْتِقُ الْمُخَاطَبُ فَإِنْ قَالَ: مِثْلَ هَذَا، وَلَمْ يَقُلْ: الْعَبْدِ، عَتَقَا كَمَا صَوَّبَهُ النَّوَوِيُّ. وَإِنْ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ إنَّمَا يَعْتِقُ الْأَوَّلُ فَقَطْ.
وَلَوْ قَالَ السَّيِّدُ لِرَجُلٍ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ عَبْدِي حُرٌّ عَتَقَ بِإِقْرَارِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُخَاطَبُ عَالِمًا بِحُرِّيَّتِهِ لَا إنْ قَالَ لَهُ: أَنْتَ تَظُنُّ أَوْ تَرَى، وَالصَّرِيحُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ لِإِيقَاعِهِ كَسَائِرِ الصَّرَائِحِ لِأَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْهُ غَيْرُهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَلَمْ يَحْتَجْ لِتَقْوِيَتِهِ بِالنِّيَّةِ، وَلِأَنَّ هَزْلَهُ جِدٌّ كَمَا مَرَّ فَيَقَعُ الْعِتْقُ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ إيقَاعَهُ، أَمَّا قَصْدُ الصَّرِيحِ لِمَعْنَاهُ فَلَا بُدَّ مِنْهُ لِيَخْرُجَ أَعْجَمِيٌّ تَلَفَّظَ بِالْعِتْقِ وَلَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهُ. ثُمَّ شَرَعَ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ الْكِنَايَةُ بِقَوْلِهِ. (وَ) يَقَعُ الْعِتْقُ أَيْضًا بِلَفْظِ (الْكِنَايَةِ) وَهُوَ مَا احْتَمَلَ الْعِتْقَ وَغَيْرَهُ كَقَوْلِهِ: لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْك لَا خِدْمَةَ لِي عَلَيْك أَنْتَ سَائِبَةٌ أَنْتَ مَوْلَايَ وَنَحْوَ ذَلِكَ كَأَزَلْتُ مِلْكِي أَوْ حُكْمِي عَنْك لِإِشْعَارِ مَا ذُكِرَ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ مَعَ احْتِمَالِ غَيْرِهِ وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ (مَعَ النِّيَّةِ) أَيْ لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةٍ وَإِنْ احْتَفَّ بِهَا قَرِينَةٌ لِاحْتِمَالِهَا غَيْرَ الْعِتْقِ فَلَا بُدَّ مِنْ نِيَّةِ الْعِتْقِ التَّمْيِيزَ كَالْإِمْسَاكِ فِي الصَّوْمِ. تَنْبِيهٌ يُشْتَرَطُ أَنْ يَأْتِيَ بِالنِّيَّةِ قَبْلَ فَرَاغِهِ مِنْ لَفْظِ الْكِنَايَةِ كَمَا مَرَّ ذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ بِالْكِنَايَةِ وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ يَا سَيِّدِي هَلْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
نَحْوُ بَاعَك اللَّهُ، حَيْثُ كَانَ كِنَايَةً لِضَعْفِهَا بِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهَا بِالْمَقْصُودِ بِخِلَافِ دِينِك. اهـ. شَرْحُ م ر. وَقَوْلُهُ: بِعَدَمِ اسْتِقْلَالِهَا.
أَيْ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مَعَهَا مِنْ الْقَبُولِ فَهُوَ عَلَى قَاعِدَةِ أَنَّ كُلَّ مَا اسْتَقَلَّ بِهِ الْإِنْسَانُ إذَا أَسْنَدَهُ لِلَّهِ كَانَ صَرِيحًا وَمَا لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ الْإِنْسَانُ كَالْبَيْعِ إذَا أَسْنَدَهُ لِلَّهِ كَانَ كِنَايَةً. وَقَدْ نَظَمَ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ:
مَا فِيهِ الِاسْتِقْلَالُ بِالْإِنْشَاءِ ... وَكَانَ مُسْنَدًا لِذِي الْآلَاءِ
فَهْوَ صَرِيحٌ ضِدُّهُ كِنَايَهْ ... فَكُنْ لِذَا الضَّابِطِ ذَا دِرَايَهْ
قَوْلُهُ: (ذَلِكَ الْعَبْدُ) أَيْ الْمُشَارُ إلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (إنَّمَا يَعْتِقُ أَوَّلُ فَقَطْ) ضَعِيفٌ.
قَوْلُهُ: (لَا إنْ قَالَ لَهُ أَنْتَ تَظُنُّ أَوْ تَرَى) أَيْ إنَّ عَبْدِي حُرٌّ. فَلَا يَعْتِقُ وَيُفَارِقُ الْأُولَى بِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ حُرًّا فِيهَا لَمْ يَكُنْ الْمُخَاطَبُ عَالِمًا بِحُرِّيَّتِهِ وَقَدْ اعْتَرَفَ بِعِلْمِهِ وَالظَّنُّ وَنَحْوُهُ، بِخِلَافِهِ. قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَنْبَغِي اسْتِفْسَارُهُ فِي صُورَتَيْ تَظُنُّ وَتَرَى وَيُعْمَلُ بِتَفْسِيرِهِ شَرْحُ الرَّوْضِ مَرْحُومِيٌّ. فَإِنْ قَالَ مُرَادُهُ بِالظَّنِّ وَالرُّؤْيَةِ الْعِلْمُ عَتَقَ وَإِلَّا فَلَا.
قَوْلُهُ: (وَالصَّرِيحُ لَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ لِإِيقَاعِهِ) لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ قَصْدِ اللَّفْظِ لِمَعْنَاهُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ.
قَوْلُهُ: (أَمَّا قَصْدُ الصَّرِيحِ) مُحْتَرَزُ قَوْلِهِ: لِإِيقَاعِهِ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ مَا احْتَمَلَ إلَخْ) وَعِبَارَةُ ق ل: وَأَمَّا أَنْتَ ابْنِي أَوْ بِنْتِي أَوْ أَبِي أَوْ أُمِّي وَهَذَا ابْنِي أَوْ أَبِي وَهَذِهِ أُمِّي أَوْ بِنْتِي فَتَعْتِقُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَلَوْ فِي خَوْفٍ مِنْ مَكْسٍ بِشَرْطِ إمْكَانِهِ حِسًّا وَإِنْ عُرِفَ نَسَبُهُ. وَقَالَ شَيْخُنَا: إنْ أَرَادَ بِذَلِكَ الْمُلَاطَفَةَ فَلَا عِتْقَ صَرِيحًا بَلْ هُوَ كِنَايَةٌ اهـ.
قَوْلُهُ: (لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك) أَيْ لِكَوْنِي أَعْتَقْتُك وَيَحْتَمِلُ لِكَوْنِي بِعْتُك وَمِنْهُ، مَا إذَا قَالَ لَهُ: وَهَبْتُك نَفْسَك نَاوِيًا الْعِتْقَ. فَيَعْتِقُ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ أَوْ نَاوِيًا التَّمْلِيكَ، فَيَعْتِقُ إنْ قَبِلَ فَوْرًا وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر. وَلَوْ قَالَ: وَهَبْتُك نَفْسَك وَنَوَى الْعِتْقَ عَتَقَ وَلَمْ يَحْتَجْ لِقَبُولٍ أَوْ التَّمْلِيكِ عَتَقَ، إنْ قَبِلَ فَوْرًا كَمَا فِي مَلَّكْتُك نَفْسَك قَالَ سم: وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِرَقَبَتِهِ اُشْتُرِطَ الْقَبُولُ بَعْدَ الْمَوْتِ.
قَوْلُهُ: (مَعَ احْتِمَالِ غَيْرِهِ) أَيْ كَالْبَيْعِ وَالْوَقْفِ مَثَلًا.
قَوْلُهُ: (وَإِنْ اخْتَلَفَتْ) أَيْ وُجِدَتْ بِهَا قَرِينَةٌ بِأَنْ قَالَ الْعَبْدُ لِسَيِّدِهِ أَعْتِقْنِي. فَقَالَ: لَا مِلْكَ لِي عَلَيْك مَثَلًا. شَيْخُنَا.
قَوْلُهُ: (كَالْإِمْسَاكِ فِي الصَّوْمِ) . فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْعَادَةَ وَالْعِبَادَةَ وَلَا يُمَيَّزُ بَيْنَهُمَا إلَّا بِنِيَّةٍ. قَوْلُهُ: (يُشْتَرَطُ أَنْ يَأْتِيَ بِالنِّيَّةِ) :