للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَسْتَمْتِعُ بِهَا سَيِّدُهَا، مَا دَامَ حَيًّا فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ» . رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ رُوَاتُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ وَقَدْ قَامَ الْإِجْمَاعُ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ بَيْعِهَا وَاشْتُهِرَ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ خَطَبَ يَوْمًا عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ فِي أَثْنَاءِ خُطْبَتِهِ: " اجْتَمَعَ رَأْيِي وَرَأْيُ عُمَرَ عَلَى أَنَّ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ لَا يُبَعْنَ، وَأَنَا الْآنَ أَرَى بَيْعَهُنَّ. فَقَالَ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ: رَأْيُك مَعَ رَأْيِ عُمَرَ ". وَفِي

ــ

[حاشية البجيرمي]

مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ امْتِنَاعُ التَّمْلِيكِ بِسَائِرِ أَنْوَاعِهِ. فَإِنَّهُ إمَّا اخْتِيَارِيٌّ أَوْ قَهْرِيٌّ وَالِاخْتِيَارِيُّ إمَّا بِمُعَاوَضَةٍ أَوْ بِغَيْرِهَا فَأَشَارَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى التَّمْلِيكِ الِاخْتِيَارِيِّ بِمُعَاوَضَةٍ بِقَوْلِهِ: لَا يُبَعْنَ وَبَدَأَ بِالْبَيْعِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ الْغَالِبُ فِي إزَالَةِ الْمِلْكِ وَإِلَى التَّمْلِيكِ الِاخْتِيَارِيِّ بِغَيْرِ مُعَاوَضَةٍ بِقَوْلِهِ: وَلَا يُوهَبْنَ وَذَكَرَهَا عَقِبَ الْبَيْعِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي التَّمْلِيكِ الْمُطْلَقِ وَأَشَارَ إلَى الْقَهْرِيِّ بِقَوْلِهِ: وَلَا يُورَثْنَ وَأَخَّرَهُ عَنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ لِتَعَلُّقِهِ بِالْمَوْتِ وَهُمَا بِالْحَيَاةِ السَّابِقَةِ عَلَيْهِ وَقَدْ اشْتَمَلَ صَدْرُ الْحَدِيثِ عَلَى مَا أَشَرْنَا إلَيْهِ مِنْ الْإِشَارَةِ إلَى مَنْعِ كُلِّ مَا يُزِيلُ الْمِلْكَ وَاشْتَمَلَ عَجْزُهُ عَلَى مَا لِلسَّيِّدِ مِنْ الْوَطْءِ وَمُقَدِّمَاتِهِ وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: يَسْتَمْتِعُ بِهَا سَيِّدُهَا مَادَامَ حَيًّا وَبِالْجُمْلَةِ فَاشْتَمَلَ هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى مَا يَمْتَنِعُ عَلَى السَّيِّدِ وَمَا يَجُوزُ لَهُ وَاشْتَمَلَ أَيْضًا عَلَى بَيَانِ مَا حَصَلَ لِأُمِّ الْوَلَدِ بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ مِنْ فَكِّ قَيْدِ الرِّقِّ عَنْهَا بِمَوْتِ سَيِّدِهَا وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: فَإِذَا مَاتَ فَهِيَ حُرَّةٌ اهـ. وَإِعْرَابُ الْحَدِيثِ أُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ مُبْتَدَأٌ وَمُضَافُ إلَيْهِ لَا يُبَعْنَ لَا نَافِيَةٌ كَذَا قَالَ بَعْضُهُمْ وَصَوَابُهُ نَاهِيَةٌ وَيُبَعْنَ فِعْلٌ مَبْنِيٌّ عَلَى السُّكُونِ لِاتِّصَالِهِ بَنُونَ النِّسْوَةِ وَهِيَ نَائِبُ فَاعِلٍ فِي مَحَلِّ رَفْعٍ وَهُوَ خَبَرٌ عَنْ أُمَّهَاتُ وَقَوْلُهُ: وَلَا يُوهَبْنَ وَلَا يُورَثْنَ مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ وَإِعْرَابُهُ كَإِعْرَابِهِ وَقَوْلُهُ: يَسْتَمْتِعُ بِهَا سَيِّدُهَا جُمْلَةٌ فِعْلِيَّةٌ لَا مَحَلَّ لَهَا مِنْ الْإِعْرَابِ. قَوْلُهُ: (لَا يُبَعْنَ) أَيْ لِغَيْرِ أَنْفُسِهِنَّ وَكَذَا الْهِبَةُ.

قَوْلُهُ: (يَسْتَمْتِعُ بِهَا سَيِّدُهَا) جُمْلَةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا وَاقِعَةٌ فِي جَوَابِ شَرْطٍ مُقَدَّرٍ تَقْدِيرُهُ مَاذَا تَصْنَعُ بِهَا. فَإِنْ قُلْت هَلْ يَصِحُّ جَعْلُهُ خَبَرًا عَنْ قَوْلِهِ: أُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ إلَخْ. قُلْت: نَعَمْ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُطَابَقَةَ مَوْجُودَةٌ لِأَنَّ أُمَّهَاتُ وَإِنْ كَانَ جَمْعًا لَكِنْ إضَافَتُهُ إلَى مَا فِيهِ أَلْ الْجِنْسِيَّةُ أَبْطَلَتْ مِنْهُ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ. وَيَقْرُبُ مِنْهُ قَوْلُهُمْ: الْخَبَرُ قِسْمَانِ وَنَحْوُهُ. وَاعْلَمْ أَنَّ عَدَّهُمْ جَمْعَ الْمُؤَنَّثِ السَّالِمِ مِنْ جُمُوعِ الْقِلَّةِ مَحَلُّهُ مَا لَمْ يَقْتَرِنْ بِأَلْ أَوْ يُضَفْ وَإِلَّا كَانَ مِنْ جُمُوعِ الْكَثْرَةِ وَلَعَلَّ النُّكْتَةَ فِي إفْرَادِ قَوْلِهِ: يَسْتَمْتِعُ وَالْجَمْعِ فِيمَا قَبْلَهُ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ حُكْمَ مَنْعِ الْبَيْعِ وَالْإِرْثِ وَالْهِبَةِ عَامٌّ لِكُلِّ أَحَدٍ وَأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ مُفَوَّضٌ لِأَمْرِ السَّيِّدِ أَيْ لِلسَّيِّدِ الِاسْتِمْتَاعُ إنْ أَرَادَ لَا أَنَّ ذَلِكَ مُتَعَيِّنٌ عَلَى كُلِّ سَيِّدٍ إذْ قَدْ يَبِيعُهَا لِلْخِدْمَةِ وَنَحْوِهَا قَالَهُ بَعْضُهُمْ. وَقَالَ ح ل: إنَّمَا أَفْرَدَ فِيهِ وَجَمَعَ فِيمَا قَبْلَهُ.

لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاسْتِمْتَاعُ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ اهـ كَلَامُهُ. وَلَعَلَّ مُرَادَهُ الِاسْتِمْتَاعُ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الْوَطْءُ. وَإِلَّا فَيُمْكِنُ التَّمَتُّعُ بِغَيْرِهِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ وَقِيلَ: إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ إفْرَادُ ضَمِيرِ الْجَمْعِ الْمُؤَنَّثِ وَجَمْعُهُ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ} [التوبة: ٣٦] الْآيَةَ لَكِنَّ الْأَفْصَحَ فِي جَمْعِ الْكَثْرَةِ الْإِفْرَادُ وَفِي جَمْعِ الْقِلَّةِ الْجَمْعُ وَشَاهِدُهُ قَوْله تَعَالَى {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: ٣٦] فَمِنْهَا رَاجِعٌ لِلِاثْنَيْ عَشَرَ شَهْرًا وَهُوَ جَمْعُ كَثْرَةٍ فِي الْمَعْنَى وَفِيهِنَّ رَاجِعٌ لِلْأَرْبَعَةِ وَهُوَ جَمْعُ قِلَّةٍ فِي الْمَعْنَى وَأُمَّهَاتُ هُنَا جَمْعُ قِلَّةٍ لِأَنَّ جَمْعَ الْمُؤَنَّثِ السَّالِمِ مِنْ جُمُوعِ الْقِلَّةِ.

قَوْلُهُ: (مَا دَامَ حَيًّا) فَإِنْ قُلْت: مَا فَائِدَةُ هَذَا مَعَ أَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ خَاصٌّ بِالْحَيَاةِ. قُلْت: أُجِيبَ بِأَنَّهُ تَوْطِئَةٌ لِقَوْلِهِ: فَإِذَا مَاتَ وَبِأَنَّ الْفِعْلَ لَمَّا كَانَ نَكِرَةً مَعْنًى لَا عُمُومَ لَهُ قَيَّدَهُ بِمَا ذَكَرَهُ لِإِفَادَةِ التَّعْمِيمِ.

قَوْلُهُ: (رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ) نِسْبَةٌ إلَى دَارَ قُطْنَ اسْمُ مَحَلَّةٍ بِبَغْدَادَ وَالنِّسْبَةُ إلَيْهَا عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ إذْ الْقِيَاسُ الدَّارِيُّ أَوْ الْقُطْنِيُّ. وَأَمَّا النِّسْبَةُ إلَى الْكَلِمَتَيْنِ مَعًا فَهِيَ شَاذَّةٌ كَمَا بَيَّنَهُ النُّحَاةُ قَالَ الشِّهَابُ الْخَفَاجِيُّ وَرَاؤُهُ مَفْتُوحَةٌ وَبَعْضُهُمْ يُسَكِّنُهَا وَالْأُولَى أَوْلَى.

قَوْلُهُ: (ابْنُ الْقَطَّانِ) نِسْبَةٌ لِدَارِ الْقُطْنِ بِبَغْدَادَ. قَوْلُهُ: (عَلَى الْمِنْبَرِ) أَيْ مِنْبَرِ الْكُوفَةِ. قَوْلُهُ: (عَبِيدَةُ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَقَوْلُهُ: السَّلْمَانِيُّ بِسُكُونِ اللَّامِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا نِسْبَةٌ إلَى سَلْمَانَ حَيٌّ مِنْ الْعَرَبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>