للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رِوَايَةٍ: مَعَ الْجَمَاعَةِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ رَأْيِك وَحْدَك. فَقَالَ: اقْضُوا فِيهِ مَا أَنْتُمْ قَاضُونَ فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُخَالِفَ الْجَمَاعَةَ فَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ بَيْعِهَا نُقِضَ حُكْمُهُ لِمُخَالَفَتِهِ الْإِجْمَاعَ، وَمَا كَانَ فِي بَيْعِهَا مِنْ خِلَافٍ بَيْنَ الْقَرْنِ الْأَوَّلِ فَقَدْ انْقَطَعَ وَصَارَ مُجْمَعًا عَلَى مَنْعِهِ وَمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ جَابِرٍ: «كُنَّا نَبِيعُ سَرَارِينَا أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَيٌّ لَا يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا» أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ وَبِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتِدْلَالًا وَاجْتِهَادًا فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ مَا نُسِبَ إلَيْهِ قَوْلًا وَنَصًّا وَهُوَ نَهْيُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ كَمَا مَرَّ وَيُسْتَثْنَى مِنْ مَنْعِ بَيْعِهَا بَيْعُهَا مِنْ نَفْسِهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ عَقْدُ عَتَاقَةٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَهَا بَعْضَهَا أَنَّهُ يَصِحُّ وَيَسْرِي إلَى بَاقِيهَا، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ بَعْضَ رَقِيقِهِ وَأَنَّهُ إذَا كَانَ السَّيِّدُ مُبَعَّضًا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوَلَاءِ وَهَذَا ظَاهِرٌ، وَإِنْ لَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ وَمَحَلُّ الْمَنْعِ إذَا لَمْ يَرْتَفِعْ الْإِيلَادُ، فَإِنْ ارْتَفَعَ بِأَنْ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَالْمُحَدِّثُونَ عَلَى التَّحْرِيكِ اهـ. مُغْرِبٌ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مِنْ التَّابِعِينَ.

قَوْلُهُ: (اقْضُوا) بِكَسْرِ هَمْزَةِ الْوَصْلِ عِنْدَ الِابْتِدَاءِ مِثْلُ امْشُوا لِأَنَّ عَيْنَهُمَا فِي الْأَصْلِ مَكْسُورَةٌ. وَإِنَّمَا ضُمَّتْ لِمُنَاسِبَةِ الْوَاوِ وَالْأَصْلُ اقْضِيُوا وَامْشِيُوا سُكِّنَتْ الْيَاءُ لِلِاسْتِثْقَالِ.

ثُمَّ حُذِفَتْ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ وَضُمَّتْ الْعَيْنُ لِمُجَانَسَةِ الْوَاوِ، وَلِتَسْلَمَ مِنْ الْقَلْبِ يَاءً وَإِنْ شِئْت قُلْت اُسْتُثْقِلَتْ الضَّمَّةُ عَلَى الْيَاءِ فَنُقِلَتْ مِنْهَا إلَى مَا قَبْلَهَا بَعْدَ سَلْبِ حَرَكَةِ مَا قَبْلَهَا وَحُذِفَتْ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ فَالضَّمَّةُ عَلَى الْإِعْلَالِ الْأَوَّلِ مُجْتَلَبَةٌ لِلْمُنَاسَبَةِ، وَعَلَى الثَّانِي مَنْقُولَةٌ شَرْحُ التَّوْضِيحِ. فَأَنْتَ قُلْت: كَيْفَ سَاغَ لِعَلِيٍّ أَنْ يُخَالِفَ الْإِجْمَاعَ الْمُنْعَقِدَ فِي زَمَنِ عُمَرَ بَعْدَ مُوَافَقَتِهِ عَلَيْهِ وَاتِّفَاقُهُمْ مَعْصُومٌ مِنْ الْخَطَأِ لِأَنَّ الْأُمَّةَ الَّذِينَ مِنْهُمْ الْمُجْتَهِدُونَ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ مِمَّا صَرَّحَ بِهِ الْحَدِيثُ. وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ عَلِيٌّ يَرَى اشْتِرَاطَ انْقِرَاضِ الْعَصْرِ فِي عَدَمِ جَوَازِ مُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ أَيْ وَقَدْ خَالَفَهُ قَبْلَهُ. وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الِانْقِرَاضُ. وَأَجَابَ عَمِيرَةُ: بِأَنَّ هَذَا إجْمَاعٌ سُكُوتِيٌّ وَهُوَ ظَنِّيٌّ يَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ.

قَوْلُهُ: (فَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ أُخَالِفَ الْجَمَاعَةَ) لَعَلَّ لَهُ مُسْتَنَدًا آخَرَ غَيْرَ هَذَا. فَلَا يُنَافِي أَنَّهُ مُجْتَهِدٌ. قَوْلُهُ: (سَرَارِينَا) التَّسَرِّي لُغَةً وَشَرْعًا أَنْ يَطَأَهَا وَيُنْزِلَ فِيهَا وَيَمْنَعَهَا الْخُرُوجَ وَهُوَ جَمْعُ سُرِّيَّةٍ نِسْبَةٌ إلَى السِّرِّ وَهُوَ الْجِمَاعُ وَالْإِخْفَاءُ لِأَنَّ الْمَرْءَ كَثِيرًا مَا يَسْتُرُهَا عَنْ زَوْجَاتِهِ وَضُمَّتْ السِّينُ لِأَنَّ الْأَبْنِيَةَ قَدْ تُغَيَّرُ فِي النِّسْبَةِ كَمَا قَالُوا فِي النِّسْبَةِ إلَى الدَّهْرِ دُهْرِيٌّ وَجَعَلَهَا الْأَخْفَشُ مِنْ السُّرُورِ لِأَنَّهُ يُسَرُّ بِهَا اهـ. مِنْ الْمُنَاوِيِّ الْكَبِيرِ عَلَى الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ بَلْ ذَكَرَ مَعَهُ سَرَارِيُّنَا. قُلْت لِأَنَّ أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ قَدْ يُطْلَقْنَ عَلَى غَيْرِ الْعَاقِلِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ. قَوْلُهُ: (وَالنَّبِيُّ) حَالٌ.

قَوْلُهُ: (وَبِأَنَّهُ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ قَوْلُهُ: (اسْتِدْلَالًا) أَيْ اسْتِدْلَالًا مِنْ جَابِرٍ لِنِسْبَتِهِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَوْلُهُ وَاجْتِهَادًا أَيْ اجْتِهَادًا مِنْهُ فِي نِسْبَتِهِ لَهُ.

قَوْلُهُ: (وَاجْتِهَادًا) أَيْ أَنَّهُمْ اجْتَهَدُوا فِي أَنَّهُ أَقَرَّهُمْ لِكَوْنِهِ فِي زَمَنِهِ أَيْ ظَنُّوا ذَلِكَ بِالِاجْتِهَادِ. قَوْلُهُ: (وَنَصًّا) عَطْفُ خَاصٍّ عَلَى عَامٍّ لِأَنَّ الْقَوْلَ يَكُونُ نَصًّا وَظَاهِرًا أَيْ الْقَوْلُ الْمَذْكُورُ مَنْسُوبٌ لِلنَّبِيِّ يَقِينًا فَيُقَدَّمُ عَلَى مَا يُنْسَبُ إلَيْهِ اجْتِهَادًا وَمَحَلُّ الِاحْتِيَاجِ إلَى ذَلِكَ الْجَوَابُ إنْ قُرِئَ يَرَى بِالْيَاءِ وَضَمِيرُهُ لِلنَّبِيِّ أَمَّا إذَا قُرِئَ بِالنُّونِ رَاجِعٌ لِلْأَحَدِ الْمَفْهُومِ مِنْ السِّيَاقِ.

قَوْلُهُ: (وَيُسْتَثْنَى مِنْ مَنْعِ بَيْعِهَا إلَخْ) عِبَارَةُ غَيْرِهِ وَيَحْرُمُ بَيْعُهَا أَيْ وَلَا يَصِحُّ وَلَوْ لِمَنْ تَعْتِقُ عَلَيْهِ وَتَقَدَّمَ صِحَّةُ كِتَابَتِهَا نَعَمْ يَصِحُّ بَيْعُهَا مِنْ نَفْسِهَا. كَمَا مَرَّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ عَقْدُ عَتَاقَةٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ بَاعَهَا بَعْضَهَا صَحَّ وَسَرَى إلَى بَاقِيهَا وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهَا مِنْ سَيِّدِهَا الْمُبَعَّضِ اهـ ق ل. عَلَى الْجَلَالِ لِأَنَّهُ لَيْسَ أَهْلًا لِلْوَلَاءِ وَجُمْلَةُ مَا اسْتَثْنَاهُ عَشْرُ مَسَائِلَ لَكِنْ عَبَّرَ فِي بَعْضِهَا بِالِاسْتِثْنَاءِ وَبَعْضِهَا بِصُورَةِ الِاسْتِئْنَافِ تَسَمُّحًا وَآخِرُ الْعَشَرَةِ مَسْأَلَةُ الْمُفْلِسِ وَمِنْ جُمْلَةِ الْمَمْنُوعِ الْوَصِيَّةُ بِهَا سَوَاءٌ أَوْصَى بِهَا لِنَفْسِهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تُمْلَكُ إلَّا بِالْمَوْتِ وَهِيَ تَعْتِقُ بِالْمَوْتِ فَلَا يَتَأَتَّى تَمَلُّكُهَا الْوَصِيَّةَ وَكَذَا لِغَيْرِهَا أَيْضًا وَمِنْ الْمَمْنُوعِ وَقْفُهَا أَيْضًا.

قَوْلُهُ: (بَيْعُهَا مِنْ نَفْسِهَا) أَيْ لِنَفْسِهَا وَلَا بُدَّ مِنْ الْقَبُولِ وَمِثْلُ الْبَيْعِ الْهِبَةُ ثُمَّ إنْ أَرَادَ: الْعِتْقَ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْقَبُولِ وَإِنْ نَوَى التَّمْلِيكَ احْتَاجَ إلَى الْقَبُولِ فَوْرًا.

قَوْلُهُ: (عَقْدُ عَتَاقَةٍ) أَيْ عَقْدٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْعِتْقُ فِي الْحَالِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَلِذَلِكَ لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ وَكَذَا لَا يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الشَّرْطِ لِلْمُشْتَرِي وَلَا لِلْبَائِعِ أَيْضًا كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَحَلِّهِ فَرَاجِعْهُ وَكَذَلِكَ لَا رُجُوعَ لَهَا عَلَى سَيِّدِهَا أَيْضًا فِيهِ بِالْأَرْشِ إذَا اطَّلَعَتْ عَلَى عَيْبٍ فِيهَا اهـ شَيْخُنَا. قَوْلُهُ: (وَيَسْرِي إلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>