فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ.
وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ عَلَيْكُمْ فِي غُسْلِ مَيِّتِكُمْ غُسْلٌ إذَا غَسَّلْتُمُوهُ» . رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَيُسَنُّ الْوُضُوءُ مِنْ مَسِّهِ.
(وَ) الثَّامِنُ (غُسْلُ الْكَافِرِ) وَلَوْ مُرْتَدًّا (إذَا أَسْلَمَ) تَعْظِيمًا لِلْإِسْلَامِ، وَقَدْ أَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ بِهِ لَمَّا أَسْلَمَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ؛ لِأَنَّ جَمَاعَةً أَسْلَمُوا، وَلَمْ يَأْمُرُهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْغُسْلِ، هَذَا إنْ لَمْ يَعْرِضْ لَهُ كُفْرِهِ مَا يُوجِبُ الْغُسْلَ، وَإِلَّا وَجَبَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْغُسْلُ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَالتَّيَمُّمُ. وَقَالَ الرَّحْمَانِيُّ: فَإِنْ يَمَّمَهُ سُنَّ لَهُ الْوُضُوءُ وَيَفُوتُ غُسْلُ غَاسِلِ الْمَيِّتِ إمَّا بِالْإِعْرَاضِ، أَوْ بِطُولِ الْفَصْلِ قَالَهُ بَعْضُهُمْ. وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: إنَّ الْأَقْرَبَ أَنَّهُ لَا يَفُوتُ بِطُولِ الْفَصْلِ. وَفِي ع ش عَلَى م ر. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَغْسَالَ الْمَسْنُونَةَ لَا تُقْضَى لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ لِلْوَقْتِ فَقَدْ فَاتَ أَوْ لِلسَّبَبِ فَقَدْ زَالَ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي غُسْلِ الْكُسُوفِ وَنَحْوِهِ. أَمَّا غُسْلُ غَاسِلِ الْمَيِّتِ وَالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ فَلَا يَظْهَرُ فِيهَا الْفَوَاتُ، بَلْ الظَّاهِرُ طَلَبُ الْغُسْلِ فِيهَا وَإِنْ طَالَ الزَّمَنُ خُصُوصًا، وَسَبَبُ الْغُسْلِ مِنْ الْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ احْتِمَالُ الْإِنْزَالِ، نَعَمْ إنْ عَرَضَتْ لَهُ جَنَابَةٌ بَعْدَ نَحْوِ الْجُنُونِ فَاغْتَسَلَ مِنْهَا اُحْتُمِلَ فَوَاتُهُ، وَانْدِرَاجُهُ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ اهـ. قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: وَلَوْ غَسَّلَ مَوْتَى فَقَدْ نَقَلَ الْمُنَاوِيُّ عَنْ ابْنِ الْمُلَقِّنِ أَنَّ الْأَوْجَهَ طَلَبُ غُسْلٍ وَاحِدٍ عَنْ الْمُتَعَدِّدِ؛ لِأَنَّ الْأَغْسَالَ الْمَنْدُوبَةَ تَتَدَاخَلُ، وَإِنْ نَوَى بَعْضَهَا اهـ. وَلَوْ تَعَدَّدَ الْغَاسِلُ سُنَّ الْغُسْلُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ حَيْثُ بَاشَرُوا كُلُّهُمْ الْغُسْلَ بِخِلَافِ الْمُعَاوِنِينَ بِمُنَاوَلَةِ الْمَاءِ أَوْ نَحْوِهِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ أَيْضًا بَيْنَ أَنْ يُبَاشِرَ كُلٌّ جَمِيعَ بَدَنِهِ أَوْ بَعْضَهُ كَيَدِهِ مَثَلًا، وَظَاهِرُهُ أَيْضًا أَنَّ الْحُكْمَ كَذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْمَوْجُودُ مِنْهُ إلَّا الْعُضْوَ الْمَذْكُورَ وَغَسَّلُوهُ وَهُوَ قَرِيبٌ كَمَا قَالَهُ ع ش عَلَى م ر. وَأَصْلُ طَلَبِهِ إزَالَةُ ضَعْفِ بَدَنِ الْغَاسِلِ بِمُخَالَطَةِ جَسَدٍ خَالٍ عَنْ الرُّوحِ.
قَوْلُهُ: (سَوَاءٌ أَكَانَ الْمَيِّتُ مُسْلِمًا أَمْ لَا إلَخْ) لَوْ قَالَ: وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ كَافِرًا لَكَانَ أَخْصَرَ، وَأَوْلَى لِأَنَّ بَعْضَ أَئِمَّتِنَا قَالَ بِنَجَاسَةِ مِيتَةِ الْكَافِرِ بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا نَقَلَهُ شَيْخُنَا م د فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى التَّحْرِيرِ. قَوْلُهُ: (وَمَنْ حَمَلَهُ) أَيْ أَوْ مَسَّهُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: وَمَنْ حَمَلَهُ أَيْ أَرَادَ حَمْلَهُ لِيَكُونَ عَلَى طَهَارَةٍ، الْأَوْلَى بَقَاءُ الْحَمْلِ عَلَى حَالِهِ. قَوْلُهُ: (فَلْيَتَوَضَّأْ) أَيْ قَبْلَ حَمْلِهِ وَبَعْدَهُ. قَوْلُهُ: (وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ إلَخْ) وَهُوَ قَوْلٌ مَرْجُوحٌ لِلشَّافِعِيِّ أَيْضًا كَمَا قِيلَ بِوُجُوبِ غُسْلِ الْجُمُعَةِ.
قَوْلُهُ: (فِي غُسْلِ مَيِّتِكُمْ) وَقِيسَ بِمَيِّتِنَا مَيِّتُ غَيْرِنَا.
وَقَوْلُهُ: (غُسْلُ) أَيْ وَاجِبٌ.
قَوْلُهُ: (الْكَافِرِ) أَيْ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى.
قَوْلُهُ: (إذَا أَسْلَمَ) أَيْ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ، وَإِنَّمَا أَوَّلْنَاهُ بِذَلِكَ لِيَشْمَلَ الصَّغِيرَ التَّابِعَ لِأَحَدِ أُصُولِهِ أَوْ لِسَابِيهِ، كَمَا بَحَثَهُ سم الْعَبَّادِيُّ فِي شَرْحِهِ لِهَذَا الْمَحَلِّ، وَعِبَارَةُ الْعَلَّامَةِ الشَّوْبَرِيِّ وَيَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ تَبِعَ صَغِيرٌ أَحَدَ أُصُولِهِ وَلَوْ أُنْثَى فِي الْإِسْلَامِ أَمَرَهُ بِالْغُسْلِ إنْ كَانَ مُمَيِّزًا، وَغَسَّلَهُ إنْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ، وَكَذَا لَوْ تَبِعَ سَابِيهِ الْكَامِلَ؛ إذْ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِ كَالْأَصْلِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ كَامِلٍ لَا وَلِيَّ لَهُ فَفِي مَنْ يَأْمُرُ، أَوْ يُغَسِّلُ نَظَرٌ، وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ، فَالْمُسْلِمُونَ كَمَا فِي أَمْرِ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ بِالصَّلَاةِ وَضَرَبَهُ عَلَيْهَا قَالَهُ الشَّيْخُ. وَيُسَنُّ لَهُ أَيْضًا إزَالَةُ شَعْرِ جَمِيعِ بَدَنِهِ مِنْ رَأْسِهِ وَغَيْرِهِ لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد: «أَلْقِ عَنْك شَعْرَ الْكُفْرِ» اهـ. إلَّا لِحْيَةَ ذَكَرٍ، وَكَوْنُهُ بَعْدَ الْغُسْلِ أَوْلَى إنْ كَانَ مُحْدِثًا حَدَثًا أَكْبَرَ لِيَنْفَصِلَ الشَّعْرُ مِنْهُ وَهُوَ طَاهِرٌ مِنْ الْجَنَابَةِ أَوْ نَحْوِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحْدِثًا حَدَثًا أَكْبَرَ فَقِيلَ: الْغُسْلُ أَوْلَى لِيُزِيلَ مَاؤُهُ دَنَسَ أَثَرِ الشَّعْرِ، وَبِمَا تَقَرَّرَ يُجْمَعُ بَيْنَ كَلَامَيْنِ لِلْمُتَأَخِّرِينَ كَمَا فِي خ ض.
قَوْلُهُ: (وَقَدْ أَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) هُوَ فِي قُوَّةِ التَّعْلِيلِ، فَالْمَعْنَى وَلِأَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ كَمَا عَبَّرَ بِهِ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ وَغَيْرِهِ، وَالْمُرَادُ أَمَرَهُ بِالْغُسْلِ الَّذِي لِأَجْلِ الْإِسْلَامِ لِحَمْلِهِمْ الْأَمْرَ عَلَى النَّدْبِ لَا بِغُسْلِ الْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ لَا حَاجَةَ لِلْأَمْرِ بِهِ فَسَقَطَ مَا قِيلَ: إنَّ قَيْسًا كَانَ لَهُ أَوْلَادٌ، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَكُونَ جُنُبًا، فَالْأَمْرُ إنَّمَا كَانَ بِغُسْلِ الْجَنَابَةِ لَا بِغُسْلِ الْإِسْلَامِ كَمَا ذَكَرَهُ ق ل فِي حَاشِيَةِ التَّحْرِيرِ.
قَوْلُهُ: (هَذَا إنْ لَمْ يَعْرِضْ إلَخْ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ مَنْ عَرَضَ لَهُ ذَلِكَ كَفَاهُ غُسْلُ الْجَنَابَةِ عَنْ غُسْلِ الْإِسْلَامِ. قَالَ ق ل، وَغَيْرُهُ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يُطْلَبُ مِنْهُ غُسْلَانِ غُسْلٌ عَنْ الْجَنَابَةِ، وَغُسْلٌ لِلْإِسْلَامِ أَوْ يَنْوِيهِمَا مَعًا.
قَوْلُهُ: (وَإِلَّا وَجَبَ) قَالَ سم: وَكَانَ الْفَارِقُ بَيْنَ الْغُسْلِ وَالصَّلَاةِ حَيْثُ سَقَطَتْ عَنْهُ دُونَهُ قِلَّةُ الْمَشَقَّةِ فِيهِ لِعَدَمِ تَعَدُّدِهِ اهـ.
قَوْلُهُ: (قَدْ عُلِمَ) أَيْ مِنْ