يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ سَبُعٌ أَوْ عَدُوٌّ، وَمِنْ صُوَرِ التَّعَذُّرِ خَوْفُهُ سَارِقًا أَوْ انْقِطَاعًا عَنْ رُفْقَتِهِ.
(وَ) الشَّيْءُ الْخَامِسُ (إعْوَازُهُ) أَيْ الْمَاءِ أَيْ احْتِيَاجُهُ إلَيْهِ (بَعْدَ الطَّلَبِ) لِعَطَشِهِ أَوْ عَطَشِ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ كَمَا مَرَّ وَهُوَ مَا لَا يُبَاحُ قَتْلُهُ.
وَالشَّيْءُ السَّادِسُ (التُّرَابُ) بِجَمِيعِ أَنْوَاعِهِ حَتَّى مَا يُدَاوَى بِهِ (الطَّاهِرُ) الَّذِي (لَهُ غُبَارٌ) قَالَ تَعَالَى {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [المائدة: ٦] أَيْ تُرَابًا طَاهِرًا كَمَا فَسَّرَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ. وَالْمُرَادُ بِالطَّاهِرِ الطَّهُورُ فَلَا يَجُوزُ بِالْمُتَنَجِّسِ وَلَا بِمَا لَا غُبَارَ لَهُ، وَلَا بِالْمُسْتَعْمَلِ، وَهُوَ مَا بَقِيَ بِعُضْوِهِ أَوْ تَنَاثَرَ مِنْهُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْوَاقِفِ، وَالْغَالِبُ قَصْرُهَا عَلَى الشُّرْبِ، ثُمَّ قَدْ تَقُومُ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الشُّرْبَ مِنْهَا خَاصٌّ بِمَوَاضِعِهَا فَيَمْتَنِعُ نَقْلُهَا لِلشُّرْبِ مِنْهَا فِي الْبُيُوتِ، وَقَدْ تَقُومُ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الشُّرْبَ مِنْهَا غَيْرُ خَاصٍّ بِمَوْضِعِهَا فَيُنْقَلُ مَاؤُهَا لِلشُّرْبِ مِنْهَا فِي الْبُيُوتِ وَيَخْتَصُّ بِهِ مَنْ أَخَذَهُ بِمُجَرَّدِ حِيَازَتِهِ لَهُ وَإِنْ لَمْ يَنْقُلْهُ ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (بَعْدَ الطَّلَبِ) أَيْ بَعْدَ حُصُولِهِ مَعَهُ ق ل.
قَوْلُهُ: (لِعَطَشِهِ إلَخْ) لَوْ أَسْقَطَهُ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ احْتِيَاجَهُ لِثَمَنِهِ كَذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ مَا لَا يُبَاحُ قَتْلُهُ) يَشْمَلُ الْمَأْكُولَ وَغَيْرَهُ، وَمِنْهُ الْكَلْبُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ.
قَوْلُهُ (التُّرَابُ) اسْمُ جِنْسٍ إفْرَادِيٍّ وَقِيلَ جَمْعِيٌّ وَاحِدُهُ تُرَابَةٌ؛ وَمِنْ فَوَائِدِ الْخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ بِعَدَدِ التُّرَابِ، فَعَلَى الْأُولَى طَلْقَةٌ، وَعَلَى الثَّانِي ثَلَاثَةٌ، وَإِنَّمَا اخْتَصَّتْ الطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ وَالتُّرَابِ، لِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ مِنْهُمَا. وَقَالَهُ السُّيُوطِيّ: فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ لِأَنَّ أَصْلَ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ التُّرَابِ وَأَصْلُك مِنْ الْمَاءِ، وَأَنَّهُمَا أَوْسَعُ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وُجُودًا فَأَمَرَك بِالتَّطَهُّرِ بِهِمَا لِئَلَّا تَعْتَذِرَ بِفِقْدَانِهِمَا فَالْآنَ لَيْسَ لَك عُذْرٌ اهـ. وَاسْمُ التُّرَابِ يَقَعُ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْأَرْضِ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهَا سِتُّونَ نَوْعًا، وَأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ مِنْ سِتِّينَ نَوْعًا فَجَاءَتْ أَوْلَادُهُ عَلَى أَلْوَانٍ وَصُوَرٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَأَمَّا الرَّمْلُ فَهُوَ اسْمُ جِنْسٍ جَمْعِيٍّ يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ وَاحِدِهِ بِالتَّاءِ، فَإِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ بِعَدَدِ الرَّمْلِ طَلُقَتْ ثَلَاثًا قَوْلًا وَاحِدًا اهـ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى مَا يُدَاوَى بِهِ) كَالطِّينِ الْأَرْمَنِيِّ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِهَا مَعَ فَتْحِ الْمِيمِ فِيهِمَا نِسْبَةً إلَى إرْمِينْيَةَ: بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ بَلْدَةٌ مِنْ بِلَادِ الرُّومِ فَإِنَّ النَّاسَ يَتَدَاوَوْنَ بِهِ فِي زَمَنِ الْكُبَّةِ بِوَضْعِهِ عَلَى الْكُبَّةِ، وَمَا فِي مَحَلِّ جَرٍّ بِحَتَّى أَيْ حَتَّى النَّوْعِ الَّذِي يُدَاوَى بِهِ، وَكَذَلِكَ السَّبَخُ إذَا لَمْ يَعْلُهُ مِلْحٌ وَمَا أَخْرَجَتْهُ الْأَرَضُ مِنْ مَدَرٍ وَإِنْ اخْتَلَطَ بِلُعَابِهَا كَطِينٍ عُجِنَ بِنَحْوِ خَلٍّ حَتَّى تَغَيَّرَ رِيحُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ وَجَفَّ، وَكَانَ لَهُ غُبَارٌ كَمَا قَالَهُ ح ل وَلَوْ دَقَّ الْحَجَرَ حَتَّى صَارَ لَهُ غُبَارٌ لَمْ يَكْفِ التَّيَمُّمُ بِهِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّمَلِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ التُّرَابِ بِخِلَافِ الرَّمْلِ ع ش.
قَوْلُهُ: (وَالْمُرَادُ بِالطَّاهِرِ الطَّهُورُ) أَيْ وَإِنْ أَخَذَ مِنْ ظَهْرِ كَلْبٍ لَمْ يَعْلَمْ اتِّصَالَهُ مَعَ تَرَطُّبِ أَحَدِهِمَا سم.
قَوْلُهُ: (فَلَا يَجُوزُ بِالْمُتَنَجِّسِ) كَتُرَابِ مَقْبَرَةٍ عُلِمَ نَبْشُهَا، وَإِنْ وَقَعَ عَلَيْهَا الْمَطَرُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِذَلِكَ لِاخْتِلَاطِهِ بِصَدِيدِ الْمَوْتَى الَّذِي لَا يُزِيلُهُ الْمَطَرُ، بِخِلَافِ مَا إذَا عُلِمَ عَدَمُهُ أَوْ شَكَّ فِيهِ فَيَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِهِ بِلَا كَرَاهَةٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَتُهُ سم.
قَوْلُهُ: (وَلَا بِالْمُسْتَعْمَلِ) أَيْ فِي نَحْوِ حَدَثٍ أَوْ خَبَثٍ بِأَنْ اُسْتُعْمِلَ فِي مُغَلَّظٍ. وَكَوْنُ التُّرَابِ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ فَلَا يَتَأَثَّرُ بِالِاسْتِعْمَالِ بِخِلَافِ الْمَاءِ يُرَدُّ بِأَنَّ السَّبَبَ فِي الِاسْتِعْمَالِ لَيْسَ هُوَ خُصُوصُ رَفْعِ الْحَدَثِ بَلْ زَوَالُ الْمَانِعِ مِنْ نَحْوِ الصَّلَاةِ بِدَلِيلِ أَنَّ مَاءَ السَّلَسِ مُسْتَعْمَلٌ مَعَ أَنَّهُ لَا يَرْفَعُ حَدَثًا فَاسْتَوَيَا قَالَهُ ابْنُ حَجَرٍ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ م ر: وَلَا بِتُرَابٍ مُسْتَعْمَلٍ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ أُدِّيَ بِهِ فَرْضٌ وَعِبَادَةٌ فَكَانَ مُسْتَعْمَلًا كَالْمَاءِ الَّذِي تَوَضَّأَتْ بِهِ الْمُسْتَحَاضَةُ، وَالثَّانِي يَجُوزُ لِأَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ فَلَا يَتَأَثَّرُ بِالِاسْتِعْمَالِ، وَرُدَّ بِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ الصَّلَاةِ انْتَقَلَ إلَى التُّرَابِ لِأَنَّهُ أَبَاحَ الْمَحْذُورَ قَالَ ع ش إنَّ تُرَابَ السَّابِعَةِ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ فَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِهِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَفِي حَاشِيَةِ الرَّحْمَانِيُّ قَالَ شَيْخُنَا: وَلَيْسَ مِنْهُ حَجَرُ الِاسْتِنْجَاءِ إذَا غَسَلَهُ وَدَقَّهُ فَيَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِهِ لِأَنَّ وَصْفَ الْمَنْعِ زَالَ بِالْغَسْلِ فَلَيْسَ هُوَ كَالتُّرَابِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ فَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِهِ، وَإِنْ طَهَّرَهُ لِأَنَّ وَصْفَ الِاسْتِعْمَالِ لَا يَزُولُ بِالْغَسْلِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ تَنَاثَرَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْعُضْوِ أَيْ بَعْدَ أَنْ مَسَّ بَشَرَةَ الْعُضْوِ الْمَمْسُوحِ فَلَا بُدَّ مِنْ مُلَاحَظَةِ