للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَالَةَ التَّيَمُّمِ كَالْمُتَقَاطِرِ مِنْ الْمَاءِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ حَصْرِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي ذَلِكَ صِحَّةُ تَيَمُّمِ الْوَاحِدِ وَالْكَثِيرِ مِنْ تُرَابٍ يَسِيرٍ مَرَّاتٍ كَثِيرَةٍ وَهُوَ كَذَلِكَ، وَلَوْ رَفَعَ يَدَهُ فِي أَثْنَاءِ مَسْحِ الْعُضْوِ ثُمَّ وَضَعَهَا صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ، أَمَّا مَا تَنَاثَرَ مِنْ غَيْرِ مَسِّ الْعُضْوِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ، وَدَخَلَ فِي التُّرَابِ الْمَذْكُورِ الْمُحَرَّقُ مِنْهُ، وَلَوْ اسْوَدَّ مَا لَمْ يَصِرْ رَمَادًا كَمَا فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا، وَالْأَعْفَرُ وَالْأَصْفَرُ وَالْأَحْمَرُ وَالْأَبْيَضُ الْمَأْكُولُ سَفَهًا، وَخَرَجَ بِالتُّرَابِ النُّورَةُ وَالزِّرْنِيخُ وَسُحَاقَةُ الْخَزَفِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ.

(فَإِنْ خَالَطَهُ) أَيْ التُّرَابَ الطَّهُورَ (جِصٌّ) بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا وَهُوَ الَّذِي تُسَمِّيه الْعَامَّةُ الْجِبْسَ أَوْ دَقِيقٌ أَوْ نَحْوُهُ. (أَوْ) اخْتَلَطَ بِهِ (رَمْلٌ) نَاعِمٌ يَلْصَقُ بِالْعُضْوِ (لَمْ يَجُزْ) التَّيَمُّمُ بِهِ، وَإِنْ قَلَّ الْخَلِيطُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ وُصُولَ التُّرَابِ إلَى الْعُضْوِ، أَمَّا الرَّمَلُ الَّذِي لَا يَلْصَقُ بِالْعُضْوِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ إذَا كَانَ لَهُ غُبَارٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَبَقَاتِ الْأَرْضِ وَالتُّرَابُ جِنْسٌ لَهُ

وَلَوْ وَجَدَ مَاءً

ــ

[حاشية البجيرمي]

هَذَا الْقَيْدِ بِدَلِيلِ أَخْذِ مُحْتَرَزِهِ فِي قَوْلِهِ: أَمَّا مَا تَنَاثَرَ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (حَالَةَ التَّيَمُّمِ) الْمَرَادُ بِهَا مَا اُسْتُعْمِلَ فِي التَّيَمُّمِ سَوَاءٌ تَنَاثَرَ حَالَةَ الِاسْتِعْمَالِ أَوْ بَعْدَهُ. وَقَالَ م د قَوْلُهُ: حَالَةَ التَّيَمُّمِ احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ أَلْقَتْ الرِّيحُ عَلَى وَجْهِهِ تُرَابًا فَأَخَذَهُ بِخِرْقَةٍ ثُمَّ أَعَادَهُ إلَى وَجْهِهِ، فَإِنَّهُ يَكْفِي. وَعِبَارَةُ الْإِطْفِيحِيِّ قَوْلُهُ: حَالَةَ التَّيَمُّمِ هُوَ مُتَعَلِّقٌ بِكُلٍّ مِنْ قَوْلِهِ مَا بَقِيَ بِعُضْوِهِ أَوْ تَنَاثَرَ مِنْهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَيُؤْخَذُ مِنْ حَصْرِ الْمُسْتَعْمَلِ إلَخْ. أَيْ: لِأَنَّ مَقَامَ الْبَيَانِ يُفِيدُهُ وَحِينَئِذٍ سَقَطَ مَا قَبْلَ الْحَصْرِ فِيهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَا مَوْصُولَةٌ فَإِنْ جُعِلَتْ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً فَلَا اهـ.

قَوْلُهُ: (وَهُوَ كَذَلِكَ) أَيْ حَيْثُ لَمْ يَتَنَاثَرْ إلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا ذُكِرَ شَرْحُ م ر. وَلَا يُقَدَّرُ بِمُخَالِفٍ كَمَا فِي الْمَاءِ قَالَهُ شَيْخُنَا ح ف.

قَوْلُهُ: (صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ) . فَإِنْ قِيلَ: كَانَ الْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا رَفَعَ يَدَهُ عَلَى الْعُضْوِ فِي الْوُضُوءِ فَإِنَّ الْمَاءَ حِينَئِذٍ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمَاءَ مَا دَامَ مُتَرَدِّدًا عَلَى الْعُضْوِ لَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ، وَإِذَا انْفَصَلَ صَارَ مُسْتَعْمَلًا. وَأَجَابَ س ل: بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ يَحْتَاجُ لِرَفْعِ الْيَدِ لِيَنْظُرَ عَلَيْهَا تُرَابٌ أَوْ لَا؟ اُغْتُفِرَ بِخِلَافِ الْمَاءِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فِيهِ لِقُوَّةِ الْمَاءِ. وَعِبَارَةُ الْإِطْفِيحِيِّ قَوْلُهُ: صَحَّ عَلَى الْأَصَحِّ ظَاهِرُهُ وَلَوْ وَضَعَهَا عَلَى غَيْرِ مَحَلِّ الْمَسْحِ فَيُعْذَرُ فِي ذَلِكَ كَمَا يُعْذَرُ فِي التَّقَاذُفِ؛ لِأَنَّ التُّرَابَ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالِاسْتِعْمَالِ إلَّا إذَا انْفَصَلَ عَنْ الْيَدِ الْمَاسِحَةِ وَالْمَمْسُوحَةِ جَمِيعًا.

قَوْلُهُ: (الْمُحَرَّقِ مِنْهُ) أَيْ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ قُوَّةِ الْإِنْبَاتِ، فَإِنْ خَرَجَ عَنْهَا لَمْ يَجُزْ ع ش.

قَوْلُهُ: (وَالْأَعْفَرُ) الْعُفْرَةُ بَيَاضٌ غَيْرُ خَالِصٍ.

قَوْلُهُ: (وَالْأَصْفَرُ) مِنْهُ الطَّفْلُ الْمَعْرُوفُ إذَا دُقَّ وَصَارَ لَهُ غُبَارٌ، وَفِي حَاشِيَةِ ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ مَا نَصُّهُ: الطَّفْلُ لَا يَكْفِي فِي التَّيَمُّمِ كَمَا فِي فَتَاوَى م ر، وَيَكْفِي التَّيَمُّمُ بِهِ كَمَا ذَكَرَهُ حَجّ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ اهـ. وَكُلٌّ مِنْ النَّقْلَيْنِ صَحِيحٌ؛ إذْ يُحْمَلُ كَلَامُ م ر عَلَى مَا إذَا كَانَ مُسْتَحْجَزًا لَا غُبَارَ لَهُ، وَكَلَامُ حَجّ مَا إذَا دُقَّ وَصَارَ لَهُ غُبَارٌ اهـ اج.

قَوْلُهُ: (النُّورَةُ) وَهِيَ الْجِيرُ قَبْلَ الطَّفْيِ ح ل.

قَوْلُهُ: (وَالزِّرْنِيخُ) بِكَسْرِ الزَّايِ هُوَ حَجَرٌ مَعْرُوفٌ مِنْهُ أَبْيَضُ وَأَحْمَرُ وَأَصْفَرُ.

قَوْلُهُ: (وَسُحَاقَةُ الْخَزَفِ) الْخَزَفُ مَا اُتُّخِذَ مِنْ الطِّينِ وَشُوِيَ فَصَارَ فَخَّارًا وَاحِدَتُهُ خَزَفَةٌ شَرْحُ م ر.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ خَالَطَهُ) أَيْ اخْتَلَطَ بِهِ. قَوْلُهُ: (لَمْ يُجْزِ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ عَلَى الْأَنْسَبِ لِإِفَادَتِهِ عَدَمَ الصِّحَّةِ ق ل. وَعَلَى الضَّبْطِ الْآخَرِ يُقَالُ: الْأَصْلُ فِيمَا لَمْ يُجْزِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ قَلَّ الْخَلِيطُ) هَذِهِ الْغَايَةُ لِلرَّدِّ.

قَوْلُهُ: (لَا يُلْصَقُ) بِفَتْحِ الصَّادِ فِي الْمُضَارِعِ وَكَسْرِهَا فِي الْمَاضِي. وَيُقَالُ بِالصَّادِ وَالزَّايِ وَالسِّينِ وَهُوَ مِنْ بَابِ عَلِمَ يَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ: (لَا يَلْصَقُ) أَيْ الرَّمَلُ بِالْعُضْوِ بِأَنْ يَصِلَ التُّرَابُ لِلْعُضْوِ مِنْ غَيْرِ لُصُوقِ رَمْلٍ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ خَشِنًا أَوْ نَاعِمًا. وَفِي فَتَاوَى النَّوَوِيِّ: لَوْ سَحَقَ الرَّمَلَ وَصَارَ لَهُ غُبَارٌ أَجْزَأَ أَيْ بِأَنْ صَارَ كُلُّهُ بِالسَّحْقِ غُبَارًا. أَوْ بَقِيَ مِنْهُ خَشِنٌ لَا يَمْنَعُ لُصُوقَ الْغُبَارِ بِالْعُضْوِ ذَكَرَهُ الْإِطْفِيحِيُّ. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ) قَالَ ق ل: عِبَارَةٌ غَيْرُ مُسْتَقِيمَةٍ فَتَأَمَّلْ، وَبَيَانُهُ أَنَّ التَّيَمُّمَ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ بِغُبَارِ الرَّمْلِ لَا بِهِ، فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَمَّا الرَّمْلُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى غُبَارٍ فَيَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِغُبَارِهِ.

قَوْلُهُ: (وَالتُّرَابُ جِنْسٌ لَهُ) فَيَشْمَلُهُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ تُرَابٌ وَيُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِهِ تَرْكِيبُ قِيَاسٍ وَهُوَ الرَّمْلُ مِنْ طَبَقَاتِ الْأَرْضِ، وَكُلُّ مَا هُوَ مِنْ طَبَقَاتِ الْأَرْضِ تُرَابٌ يُنْتِجُ لَنَا الرَّمْلُ تُرَابٌ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي جَهْمٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقْبَلَ إلَى الْجِدَارِ فَمَسَحَ بِوَجْهِهِ وَيَدَيْهِ» ، فَمَحْمُولٌ عَلَى جِدَارٍ عَلَيْهِ غُبَارٌ لِأَنَّ جُدْرَانَهُمْ مِنْ الطِّينِ، فَالظَّاهِرُ حُصُولُ الْغُبَارِ مِنْهَا.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ وَجَدَ مَاءً إلَخْ) شُرُوعٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>