(وَ) الرُّكْنُ الرَّابِعُ وَهُوَ الثَّالِثُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (مَسْحُ) كُلِّ (الْيَدَيْنِ مَعَ الْمِرْفَقَيْنِ) لِلْآيَةِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ طَهَارَةَ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ فِي الْوُضُوءِ أَوَّلَ الْآيَةِ، ثُمَّ أَسْقَطَ مِنْهَا عُضْوَيْنِ فِي التَّيَمُّمِ فِي آخِرِ الْآيَةِ، فَبَقِيَ الْعُضْوَانِ فِي التَّيَمُّمِ عَلَى مَا ذُكِرَا فِي الْوُضُوءِ؛ إذْ لَوْ اخْتَلَفَا لَبَيَّنَهُمَا كَذَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ.
(وَ) الرُّكْنُ الْخَامِسُ وَهُوَ الرَّابِعُ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (التَّرْتِيبُ) بَيْنَ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ لِمَا مَرَّ فِي الْوُضُوءِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ التَّيَمُّمِ عَنْ حَدَثٍ أَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ أَوْ غُسْلٍ مَسْنُونٍ أَوْ وُضُوءٍ مُجَدَّدٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُطْلَبُ لَهُ التَّيَمُّمُ.
فَإِنْ قِيلَ: لِمَ لَمْ يَجِبْ التَّرْتِيبُ فِي الْغُسْلِ وَوَجَبَ فِي التَّيَمُّمِ الَّذِي هُوَ بَدَلُهُ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْغُسْلَ لَمَّا وَجَبَ فِيهِ تَعْمِيمُ جَمِيعِ الْبَدَنِ صَارَ كَعُضْوٍ وَاحِدٍ، وَالتَّيَمُّمُ وَجَبَ فِي عُضْوَيْنِ فَقَطْ، فَأَشْبَهَ الْوُضُوءَ، وَلَا يَجِبُ إيصَالُ التُّرَابِ إلَى مَنْبَتِ الشَّعْرِ الْخَفِيفِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْعُسْرِ، بِخِلَافِ الْوُضُوءِ، بَلْ وَلَا يُسْتَحَبُّ كَمَا فِي الْكِفَايَةِ، فَالْكَثِيفُ أَوْلَى
وَلَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي نَقْلِ التُّرَابِ إلَى الْعُضْوَيْنِ بَلْ هُوَ مُسْتَحَبٌّ، فَلَوْ ضَرَبَ بِيَدَيْهِ التُّرَابَ دَفْعَةً وَاحِدَةً أَوْ ضَرَبَ الْيَمِينَ قَبْلَ الْيَسَارِ وَمَسَحَ بِيَمِينِهِ وَجْهَهُ وَبِيَسَارِهِ يَمِينَهُ أَوْ عَكَسَ جَازَ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ الْأَصْلِيَّ الْمَسْحُ، وَالنَّقْلُ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ.
وَيُشْتَرَطُ قَصْدُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
مِنْ بَابِ تَقْدِيمِ الدَّلِيلِ عَلَى الْمَدْلُولِ.
قَوْلُهُ: (لِلْآيَةِ) يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ مَسْحُ الْيَدَيْنِ مَعَ الْمِرْفَقَيْنِ. وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَيَانٌ لِوَجْهِ الدَّلَالَةِ مِنْ الْآيَةِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ قَوْلَهُ: لِلْآيَةِ يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ: مَسْحُ الْيَدَيْنِ، وَقَوْلُهُ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرْجِعُ لِقَوْلِهِ مَعَ الْمِرْفَقَيْنِ وَقَصْدُهُ بِهِ الرَّدُّ عَلَى الْقَدِيمِ الْقَائِلِ بِأَنَّ الْوَاجِبَ مَسْحُ الْكَفَّيْنِ، وَعَلَى هَذَا فَفِي عِبَارَتِهِ سُقُوطُ الْعَاطِفِ قَبْلَ قَوْلِهِ: لِأَنَّ اللَّهَ فَتَأَمَّلْ. وَقِيلَ: إنَّ قَوْلَهُ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عِلَّةٌ لِلْعِلَّةِ وَهُوَ بَيَانٌ لِوَجْهِ دَلَالَةِ الْآيَةِ عَلَى مَسْحِ الْيَدَيْنِ مَعَ الْمِرْفَقَيْنِ، مَعَ أَنَّهَا إنَّمَا دَلَّتْ عَلَى مَسْحِ الْيَدَيْنِ فَقَطْ فَبَيَّنَ بِقَوْلِهِ: لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إلَخْ. أَنَّ الْمُرَادَ الْيَدَانِ مَعَ الْمِرْفَقَيْنِ، أَوْ يُقَالُ: حَمْلُ الْمُطْلَقِ هُنَا عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الْوُضُوءِ، وَهَذَا جَوَابٌ آخَرُ غَيْرُ جَوَابِ الشَّارِحِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى مَا ذُكِرَا) أَيْ مِنْ الصِّفَةِ وَالتَّرْتِيبِ وَالْمُرَادُ بِالصِّفَةِ التَّعْمِيمُ.
قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ) أَيْ مِنْ الِاتِّبَاعِ، وَقَوْلُهُ: ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي وُجُوبِ التَّرْتِيبِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ وُضُوءٍ مُجَدَّدٍ) فِيهِ نَظَرٌ، فَلَعَلَّ الرَّاجِحَ أَنَّهُ لَا يُنْدَبُ التَّيَمُّمُ بَدَلًا عَنْ تَجْدِيدِ الْوُضُوءِ، لَكِنْ فِي شَرْحِ م ر كَمَا فِي عِبَارَةِ الشَّرْحِ أَيْ مِنْ نَدْبِ التَّيَمُّمِ بَدَلًا عَنْ تَحْدِيدِ الْوُضُوءِ، وَظَاهِرُهُ، وَإِنْ تَعَدَّدَ مِنْهُ ذَلِكَ مِرَارًا كَأَنْ بَقِيَ وُضُوءُهُ وَحَضَرَتْهُ صَلَوَاتٌ، وَأَمَّا لَوْ كَانَ تَيَمُّمُهُ عَنْ حَدَثٍ فَلَا يُطْلَبُ مِنْهُ تَجْدِيدُ التَّيَمُّمِ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَ بَقَاءِ وُضُوئِهِ وَبَقَائِهِ عَلَى تَيَمُّمِهِ حَيْثُ طُلِبَ مِنْهُ تَجْدِيدُ التَّيَمُّمِ مَعَ بَقَاءِ الْوُضُوءِ، وَلَمْ يُطْلَبْ مَعَ بَقَاءِ التَّيَمُّمِ عَنْ الْحَدَثِ أَنَّهُ هُنَا بَدَلٌ عَنْ الْوُضُوءِ الْمَطْلُوبِ، فَأُعْطِيَ حُكْمَهُ مِنْ فِعْلِهِ لِكُلِّ صَلَاةٍ مَعَ بَقَاءِ الطَّهَارَةِ، وَأَمَّا التَّيَمُّمُ عَنْ الْحَدَثِ فَهُوَ تَكْرَارٌ لِمَا فَعَلَهُ مُسْتَقِلًّا، وَهُوَ رُخْصَةٌ طُلِبَ تَخْفِيفُهَا فَلَا يُسَنُّ تَكْرَارُهَا. اهـ. ع ش عَلَى م ر. وَقَوْلُهُ: (فَلَعَلَّ الرَّاجِحَ) إلَخْ ضَعِيفٌ.
قَوْلُهُ: (أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ) كَالتَّيَمُّمِ لِمَسِّ الْمُصْحَفِ أَوْ لِلْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ قِيلَ إلَخْ) وَارِدٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ إلَخْ.
قَوْلُهُ: (فَأَشْبَهَ الْوُضُوءَ) أَيْ أَشْبَهَ التَّيَمُّمُ الْوُضُوءَ فِي مُطْلَقِ تَعَدُّدِ أَعْضَاءِ كُلٍّ مِنْهُمَا، فَلِذَا وَجَبَ التَّرْتِيبُ فِيهِ.
قَوْلُهُ: (إلَى مَنْبِتِ الشَّعْرِ) أَيْ وَإِنْ طُلِبَتْ إزَالَتُهُ كَلِحْيَةِ الْمَرْأَةِ وَخَرَجَ بِهِ مَا تَحْتَ الْأَظَافِرِ، فَيَجِبُ إيصَالُ التُّرَابِ إلَيْهِ كَالْوُضُوءِ ق ل. وَفَرْقٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدَمِ وُجُوبِ إيصَالِ التُّرَابِ إلَى مَنَابِتِ الشَّعْرِ الْخَفِيفَةِ بِأَنَّ الْأَظَافِرَ مَطْلُوبَةُ الْإِزَالَةِ بِخِلَافِ الشَّعْرِ الْخَفِيفِ شَوْبَرِيٌّ. وَقَالَ ع ش: ظَاهِرُهُ وَلَوْ لِحْيَةَ امْرَأَةٍ، لَكِنْ ظَاهِرُ قَوْلِهِمْ أَنَّهُ يَجِبُ إيصَالُ التُّرَابِ لِمَا تَحْتَ الْأَظْفَارِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِزَالَتِهَا أَنَّهُ يَجِبُ فِي لِحْيَةِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهَا مَأْمُورَةٌ بِإِزَالَتِهَا، وَالرَّاجِحُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إيصَالُهُ، وَلَوْ فِي لِحْيَةِ الْمَرْأَةِ لِلْعُسْرِ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ فِي نَقْلِ التُّرَابِ إلَخْ) هَذَا تَقْيِيدٌ لِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ وَالتَّرْتِيبُ، فَبَيَّنَ الشَّارِحُ أَنَّ الْمُرَادَ التَّرْتِيبُ فِي الْمَسْحِ لَا فِي النَّقْلِ. وَقَوْلُهُ: (فِي نَقْلِ التُّرَابِ) أَيْ تَحْوِيلِهِ.
قَوْلُهُ: (وَمَسَحَ بِيَمِينِهِ) رَاجِعٌ لِكُلٍّ مِنْ الصُّورَتَيْنِ قَبْلَهُ، وَمُرَادُهُ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ تَرْتِيبٌ بَيْنَ النَّقْلَتَيْنِ مِنْ الْأَرْضِ، وَعَدَمُ التَّرْتِيبِ فِي الثَّانِيَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْعَكْسِ. وَقَوْلُهُ: أَوْ عَكَسَ هُوَ مَحَلَّ الشَّاهِدِ.
قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ قَصْدُ التُّرَابِ) ضَعِيفٌ، وَاَلَّذِي اعْتَمَدَهُ م ر أَنَّهُ