للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفَرْجِ كَبِيرَةٌ مِنْ الْعَامِدِ الْعَالِمِ بِالتَّحْرِيمِ الْمُخْتَارِ وَيَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَغَيْرِهِمْ بِخِلَافِ النَّاسِي وَالْجَاهِلِ وَالْمُكْرَهِ لِخَبَرِ: «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» . رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ، وَيُسَنُّ لِلْوَاطِئِ الْمُتَعَمِّدِ الْمُخْتَارِ الْعَالِمِ بِالتَّحْرِيمِ فِي أَوَّلِ الدَّمِ وَقُوَّتِهِ التَّصَدُّقُ بِمِثْقَالٍ إسْلَامِيٍّ مِنْ الذَّهَبِ الْخَالِصِ، وَفِي آخِرِ الدَّمِ وَضَعْفِهِ بِنِصْفِ مِثْقَالٍ لِخَبَرِ: «إذَا وَاقَعَ الرَّجُلُ أَهْلَهُ وَهِيَ حَائِضٌ إنْ كَانَ دَمًا أَحْمَرَ فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ وَإِنْ كَانَ أَصْفَرَ فَلْيَتَصَدَّقْ بِنِصْفِ دِينَارٍ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَيُقَاسُ النِّفَاسُ عَلَى الْحَيْضِ، وَلَا فَرْقَ فِي الْوَاطِئِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

{نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: ٢٢٣] قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: مُسْتَقْبِلَاتٍ وَمُسْتَدْبِرَاتٍ فِي فُرُوجِهِنَّ وَاتَّقُوا الْحَيْضَةَ وَالدُّبُرَ اهـ.

فَرْعٌ: الْعَزْلُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَهُوَ أَنْ يُجَامِعَ فَإِذَا قَارَبَ الْإِنْزَالَ نَزَعَ فَأَنْزَلَ خَارِجَ الْفَرْجِ، وَالْأَوْلَى تَرْكُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَأَطْلَقَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ كَرَاهَتَهُ، وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ فِي السُّرِّيَّةِ صِيَانَةً لِلْمِلْكِ وَلَا يَحْرُمُ فِي الزَّوْجَةِ عَلَى الْمَذْهَبِ سَوَاءٌ الْحُرَّةُ وَالْأَمَةُ بِالْإِذْنِ وَغَيْرِهِ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ بِغَيْرِ إذْنٍ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ فِي الْحُرَّةِ وَأَمَّا الْمُسْتَوْلَدَةُ فَأَوْلَى بِالْجَوَازِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ رَاسِخَةٍ فِي الْفِرَاشِ؛ وَلِهَذَا لَا يَقْسِمُ لَهَا. قَوْلُهُ: (وَلَوْ بَعْدَ انْقِطَاعِهِ) هَذَا يَجْرِي فِي جَمِيعِ مَا قَبْلَهُ غَيْرَ الصَّوْمِ فَلَوْ ذَكَرَهُ فِيهِ، لَكَانَ أَوْلَى ق ل. وَقَدْ يُقَالُ: أَتَى بِهِ هُنَا لِلرَّدِّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ الْقَائِلِ بِجَوَازِهِ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ وَقَبْلَ الْغُسْلِ.

قَوْلُهُ: (وَوَطْؤُهَا فِي الْفَرْجِ كَبِيرَةٌ) أَيْ حَالَ نُزُولِ الدَّمِ.

قَوْلُهُ: (وَيَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهُ) أَيْ قَبْلَ الِانْقِطَاعِ بِخِلَافِهِ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ فَلَا يَكْفُرُ مُسْتَحِلُّهُ حِينَئِذٍ لِلْخِلَافِ فِيهِ، وَكَذَا لَا يَكْفُرُ إنْ كَانَ الْوَطْءُ بَعْدَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُجْمَعٍ عَلَى حُرْمَتِهِ حِينَئِذٍ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الْحَيْضِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَشْرَةُ أَيَّامٍ، فَالدَّمُ الزَّائِدُ عَلَيْهَا عِنْدَهُ غَيْرُ حَيْضٍ، وَاعْتُرِضَ كُفْرُهُ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ.

وَعِبَارَةُ سم فِي شَرْحِ الْعُبَابِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ وَغَيْرِهِمْ. وَكَأَنَّهُمْ أَرَادُوا مَعَ كَوْنِهِ مُجْمَعًا عَلَيْهِ أَنَّهُ مَعْلُومٌ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ وَلَا يَخْلُو عَنْ وَقْفَةٍ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْعَامَّةِ يَجْهَلُونَهُ أَمَّا اعْتِقَادُ حِلِّهِ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ وَقَبْلَ الْغُسْلِ أَوْ مَعَ صُفْرَةٍ فِي الدَّمِ أَوْ كُدْرَةٍ فَلَا كُفْرَ بِهِ لِلْخِلَافِ سم م د. أَيْ: لِأَنَّهُ قِيلَ: إنَّهُمَا لَيْسَا حَيْضًا. وَقَوْلُهُ: وَلَا يَخْلُو عَنْ وَقْفَةٍ. قَالَ شَيْخُنَا الْجَوْهَرِيُّ: لَكِنْ يُنْظَرُ لِلْبَلَدِ الْوَاقِعِ فِيهَا ذَلِكَ إنْ كَانَ مِنْ شَأْنِ أَهْلِهَا أَنَّهُ عِنْدَهُمْ صَارَ مَعْلُومًا بِالضَّرُورَةِ لِكَثْرَةِ الْعُلَمَاءِ بِهَا كَمِصْرِ فَيَكُونُ اسْتِحْلَالُهُ كُفْرًا، وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ بِبِلَادِ الْأَرْيَافِ الَّتِي لَمْ يَكُنْ بِهَا عُلَمَاءُ فَلَا كُفْرَ لِلْعَامَّةِ بِاسْتِحْلَالِهِ. قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ النَّاسِي) لَفٌّ وَنَشْرٌ مُرَتَّبٌ؛ لِأَنَّ النَّاسِيَ خَرَجَ بِالْعَامِدِ وَالْجَاهِلَ خَرَجَ بِالْعَالِمِ وَالْمُكْرَهَ خَرَجَ بِالْمُخْتَارِ أَيْ فَلَا حُرْمَةَ عَلَيْهِمْ أَصْلًا. قَوْلُهُ: «إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ» أَيْ عَفَا وَسَامَحَ وَصَفَحَ فَتَفَاعَلَ بِمَعْنَى فَعَلَ، وَقَوْلُهُ: (عَنْ أُمَّتِي) أَيْ أُمَّةِ الْإِجَابَةِ. فَإِنْ قُلْت: إذَا كَانَ الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ مُتَجَاوَزًا عَنْهُمَا لِهَذِهِ الْأُمَّةِ فَمَا الْحِكْمَةُ فِي الْأَمْرِ بِالدُّعَاءِ فِي قَوْله تَعَالَى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا} [البقرة: ٢٨٦] إلَخْ؟ قُلْت: أَشَارَ الْبَيْضَاوِيُّ إلَى الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ أَيْ لَا تُؤَاخِذْنَا بِمَا أَدَّى بِنَا إلَى نِسْيَانٍ أَوْ خَطَأٍ مِنْ تَفْرِيطٍ أَوْ قِلَّةِ مُبَالَاةٍ أَوْ بِأَنْفُسِهِمَا؛ إذْ لَا تُمْتَنَعُ الْمُؤَاخَذَةُ بِهِمَا عَقْلًا فَإِنَّ الذُّنُوبَ كَالسُّمُومِ فَكَمَا أَنَّ تَنَاوُلَهَا يُؤَدِّي إلَى الْهَلَاكِ، وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَتَعَاطِي الذُّنُوبِ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُفْضِيَ إلَى الْعِقَابِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَزِيمَةً لَكِنَّهُ تَعَالَى وَعَدَ التَّجَاوُزَ عَنْهُ رَحْمَةً وَفَضْلًا، فَيَجُوزُ أَنْ يَدْعُوَ الْإِنْسَانُ بِهِ اسْتِدَامَةً وَاعْتِدَادًا بِالنِّعْمَةِ فِيهِ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَفْهُومُ قَوْلِهِ: رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي إلَخْ اهـ بِحُرُوفِهِ. وَقَوْلُهُ بِمَا أَدَّى فُسِّرَ بِهَذَا؛ لِأَنَّ الْمُؤَاخَذَةَ إنَّمَا هِيَ بِالْمَقْدُورِ، وَالنِّسْيَانُ وَالْخَطَأُ غَيْرُ مَقْدُورَيْنِ اهـ.

وَقَوْلُهُ: (اسْتِدَامَةً) أَيْ لِلنِّعْمَةِ، وَهِيَ عَدَمُ الْمُؤَاخَذَةِ بِهِمَا.

قَوْلُهُ: (فِي أَوَّلِ الدَّمِ) لَوْ قَالَ فِي إقْبَالِهِ لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ فِي قُوَّتِهِ وَيُقَابِلُهُ إدْبَارُهُ اهـ قَوْلُهُ: (وَقُوَّتِهِ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ وَالْحِكْمَةُ فِيهِ قُرْبُ عَهْدِهِ بِالْجِمَاعِ، وَفِي الثَّانِي بُعْدُهُ وَانْظُرْ حِكْمَةَ تَخْصِيصِهِ بِالدِّينَارِ أَيْ بِمِثْقَالٍ أَيْ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ.

قَوْلُهُ:؛ (أَهْلَهُ) أَيْ زَوْجَتَهُ، وَسَيَذْكُرُ الشَّارِحُ أَنَّ غَيْرَ الزَّوْجِ مَقِيسٌ عَلَى الزَّوْجِ. قَوْلُهُ: (فَلْيَتَصَدَّقْ إلَخْ) وَيَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْوَطْءِ. قَوْلُهُ: (وَيُقَاسُ النِّفَاسُ عَلَى الْحَيْضِ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَيُسَنُّ التَّصَدُّقُ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِهِ لِمَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ

<<  <  ج: ص:  >  >>