لَوْ بَصَقَ فِي ثَوْبِهِ أَوْ فِي طَرَفِهِ فِي الْمَسْجِدِ وَبِغَيْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ. قَالَ صَاحِبُ التَّخْلِيصِ: ذُكِرَ مِنْ خَصَائِصِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُخُولُهُ الْمَسْجِدَ جُنُبًا وَمَالَ إلَيْهِ النَّوَوِيُّ وَبِالْمَسْجِدِ الْمَدَارِسُ وَنَحْوُهَا، وَبِلَا عُذْرٍ إذَا حَصَلَ لَهُ عَارِضٌ كَأَنْ احْتَلَمَ فِي الْمَسْجِدِ وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ لِإِغْلَاقِ بَابٍ أَوْ الْخَوْفِ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عُضْوِهِ أَوْ مَنْفَعَةِ ذَلِكَ أَوْ عَلَى مَالِهِ فَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْمُكْثُ، وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ أَنْ يَتَيَمَّمَ إنْ وَجَدَ غَيْرَ تُرَابِ الْمَسْجِدِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ بِهِ، فَلَوْ خَالَفَ وَتَيَمَّمَ بِهِ صَحَّ تَيَمُّمُهُ كَالتَّيَمُّمِ بِتُرَابٍ مَغْصُوبٍ، وَالْمُرَادُ بِتُرَابِ الْمَسْجِدِ الدَّاخِلُ فِي وَقْفِيَّتِهِ لَا الْمَجْمُوعُ مِنْ رِيحٍ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ الْجُنُبُ الْمَاءَ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ، فَإِنْ وَجَدَ تُرَابًا تَيَمَّمَ وَدَخَلَ وَاغْتَرَفَ وَخَرَجَ إنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَإِلَّا اغْتَسَلَ فِيهِ وَلَا يَكْفِيهِ التَّيَمُّمُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا بَحَثَهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ الْبَغَوِيِّ، أَنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَلَا يَغْتَسِلُ فِيهِ، وَإِطْلَاقُ الْأَنْوَارِ جَوَازَ الدُّخُولِ لِلِاسْتِقَاءَةِ وَالْمُكْثِ لَهَا بِقَدْرِهَا فَقَطْ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ. فَائِدَةٌ: لَا بَأْسَ بِالنَّوْمِ فِي الْمَسْجِدِ لِغَيْرِ الْجُنُبِ وَلَوْ لِغَيْرِ أَعْزَبَ، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ وَغَيْرَهُمْ كَانُوا
ــ
[حاشية البجيرمي]
عَدَا ذَلِكَ الْمَكَانِ إلَّا أَنْ يُقَالَ ذَاكَ لِمَانِعٍ وَقَدْ زَالَ اهـ. قَوْلُهُ: (فِي طَرَفِهِ) أَيْ أَوْ طَرَفِ ثَوْبِهِ.
قَوْلُهُ: (دُخُولُهُ الْمَسْجِدَ) أَيْ مُكْثُهُ فِيهِ جُنُبًا لَكِنْ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ.
قَوْلُهُ: (وَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ) أَيْ تَعَسَّرَ عَلَيْهِ أَخْذًا مِمَّا بَعْدُ. اهـ. ق ل.
قَوْلُهُ: (أَوْ عَلَى مَالِهِ) أَيْ وَإِنْ قَلَّ كَدِرْهَمٍ ع ش.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ لَمْ يَجِدْ الْجُنُبُ الْمَاءَ) مِثْلُ الْمَاءِ ثَمَنُهُ فِيمَا تَقَرَّرَ.
قَوْلُهُ: (تَيَمَّمَ وَدَخَلَ) وَفَائِدَةُ التَّيَمُّمِ تَجْوِيزُ الدُّخُولِ لَهُ أَيْ الْمُكْثِ وَلَوْ صَلَّى بِهِ صَلَاةً قَبْلَ الدُّخُولِ صَحَّ أَيْضًا، وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ قَوْلُهُ تَيَمَّمَ أَيْ بِنِيَّةِ اسْتِبَاحَةِ دُخُولِ الْمَسْجِدِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا تُبَاحُ لَهُ بِهِ صَلَاةٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمَرْتَبَةِ الثَّالِثَةِ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ الْبَغَوِيِّ: فَالتَّيَمُّمُ بَدَلًا عَنْ الْغُسْلِ فَلَهُ الصَّلَاةُ بِهِ، وَلَا يَضُرُّهُ وُجُودُ الْمَاءِ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلِاغْتِسَالِ فِيهِ فَوُجُودِ الْمَاءِ فِيهِ كَالْعَدَمِ، وَإِذَا تَيَمَّمَ كَانَ لَهُ الصَّلَاةُ فِي الْمَسْجِدِ وَالصَّلَاةُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ. قَوْلُهُ: (وَإِلَّا) بِأَنْ كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَأَنْ لَمْ يَجِدْ إنَاءً يَغْرِفُ بِهِ، وَلَا مَنْ يُنَاوِلُهُ الْمَاءَ مِنْ الْمَسْجِدِ. وَقَوْلُهُ: (اغْتَسَلَ فِيهِ) أَيْ وَيُغْتَفَرُ الْمُكْثُ حِينَئِذٍ بِقَدْرِ الْحَاجَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكْثٌ جَازَ قَطْعًا ق ل.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَكْفِيهِ التَّيَمُّمُ) أَيْ بَدَلًا عَنْ الْغُسْلِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَغْتَسِلُ فِيهِ) لِأَنَّ وُجُودَ الْمَاءِ فِي الْمَسْجِدِ مَانِعٌ شَرْعِيٌّ مِنْ اسْتِعْمَالِ الْجُنُبِ لَهُ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ مُكْثِهِ فِيهِ حَالَ غُسْلِهِ. وَالْحَاصِلُ: أَنَّ الْبَغَوِيَّ قَالَ: إنَّهُ يَكْفِيهِ التَّيَمُّمُ وَيَدْخُلُ الْمَسْجِدَ لِصَلَاةٍ مَثَلًا وَلَا يَغْتَسِلُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلِاغْتِسَالِ وَوُجُودُ الْمَاءِ فِيهِ كَالْعَدَمِ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ.
قَوْلُهُ: (جَوَازِ الدُّخُولِ) أَيْ بَعْدَ التَّيَمُّمِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ق ل.
قَوْلُهُ: (لِلِاسْتِقَاءَةِ) أَيْ الشُّرْبِ. وَقَالَ م د: لِيَغْتَسِلَ بِهِ أَوْ لِلشُّرْبِ وَفِي نُسَخٍ لِلِاسْتِقَاءِ وَصَوَّبَهَا الَأُجْهُورِيُّ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ لِاسْتِقَاءَةٍ بِإِثْبَاتِ التَّاءِ، وَهُوَ خَطَأٌ يُدْرَكُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ اهـ. وَلَعَلَّهُ؛ لِأَنَّهَا طَلَبُ الْقَيْءِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ) أَيْ الْأَوَّلِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: إنْ وَجَدَ تُرَابًا تَيَمَّمَ وَدَخَلَ، وَإِلَّا فَلَا يَدْخُلُ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ مُكْثِهِ جُنُبًا فِي الْمَسْجِدِ، وَفِي حَاشِيَةِ م د: الْمُرَادُ التَّفْصِيلُ الثَّانِي أَيْ بِأَنْ يُقَالُ: إذَا تَيَمَّمَ وَدَخَلَ إنْ أَمْكَنَهُ نَقْلُ الْمَاءِ، وَشُرْبُهُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ فَعَلَ وَإِلَّا شَرِبَهُ فِي الْمَسْجِدِ وَمَكَثَ بِقَدْرِهِ، وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ التَّفْصِيلَ الثَّانِيَ الْمُشَارَ إلَيْهِ فِيمَا سَبَقَ بِقَوْلِهِ: وَاغْتَرَفَ وَخَرَجَ إنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ إلَخْ فَلَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ هُنَا؛ إذْ هُوَ تَفْصِيلٌ فِي الْمُكْثِ لَا فِي الدُّخُولِ فَتَأَمَّلْ. فَائِدَةٌ: قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: إنْ لِلْجُنُبِ أَنْ يَمْكُثَ فِي الْمَسْجِدِ، لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَتَوَضَّأَ، وَلَوْ كَانَ الْغُسْلُ يُمْكِنُهُ مِنْ غَيْرِ مَشَقَّةٍ اهـ ش ع عَلَى م ر: وَقَالَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ: وَحَاصِلُ التَّفْصِيلِ أَنَّهُ يَدْخُلُ إنْ وَجَدَ تُرَابًا وَيَتَيَمَّمُ بِهِ، وَإِلَّا فَلَا.
قَوْلُهُ: «أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ وَهُمْ زُهَّادٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فُقَرَاءُ عُزَبَاءُ جَمْعُ أَعْزَبُ يَأْوُونَ مَسْجِدَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَرِيفَهُمْ، وَكَانَ النَّاسُ يَعَافُونَهُمْ لِفَقْرِهِمْ فَاقْتَطَعَ لَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قِطْعَةً مِنْ آخِرِ مَسْجِدِهِ وَمَكَثُوا فِيهَا وَظُلِّلَتْ عَلَيْهِمْ وَكَانُوا يَقِلُّونَ وَيَكْثُرُونَ، فَإِذَا كَثُرُوا بَلَغُوا أَرْبَعَمِائَةٍ، وَإِذَا قَلُّوا بَلَغُوا سَبْعِينَ وَكَانَ الْمُنَافِقُونَ يَكْرَهُونَهُمْ حَتَّى اجْتَمَعَ مِنْهُمْ جَمَاعَةٌ، وَأَتَوْا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -