وَالثِّيَابُ الَّتِي يُكْتَبُ عَلَيْهَا وَالدَّرَاهِمُ فَلَا يَحْرُمُ مَسُّهَا وَلَا حَمْلُهَا، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ كِتَابًا إلَى هِرَقْلَ وَفِيهِ: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ} [آل عمران: ٦٤] الْآيَةَ وَلَمْ يَأْمُرْ حَامِلَهَا بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى الطَّهَارَةِ وَيُكْرَهُ كِتَابَةُ الْحُرُوزِ وَتَعْلِيقُهَا إلَّا إذَا جَعَلَ عَلَيْهَا شَمْعًا أَوْ نَحْوَهُ، وَيُنْدَبُ التَّطَهُّرُ لِحَمْلِ كُتُبِ الْحَدِيثِ وَمَسِّهَا، وَيَحِلُّ لِلْمُحْدِثِ قَلْبُ وَرَقِ الْمُصْحَفِ بِعُودٍ وَنَحْوِهِ. قَالَ فِي الرَّوْضَةِ: لِأَنَّهُ لَيْسَ بِحَامِلٍ وَلَا مَاسٍّ، وَيُكْرَهُ كَتْبُ الْقُرْآنِ عَلَى حَائِطٍ وَلَوْ لِمَسْجِدٍ وَثِيَابٍ وَطَعَامٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ هَدْمُ الْحَائِطِ وَلُبْسُ الثَّوْبِ وَأَكْلُ الطَّعَامِ، وَلَا تَضُرُّ مُلَاقَاتُهُ مَا فِي الْمَعِدَةِ بِخِلَافِ ابْتِلَاعِ قِرْطَاسٍ عَلَيْهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ وَلَا يُكْرَهُ كَتْبُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ فِي إنَاءٍ لِيُسْقَى مَاؤُهُ لِلشِّفَاءِ، خِلَافًا لِمَا وَقَعَ لِابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي فَتَاوِيهِ مِنْ التَّحْرِيمِ، وَأَكْلُ الطَّعَامِ كَشُرْبِ الْمَاءِ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ، وَيُكْرَهُ إحْرَاقُ خَشَبٍ نُقِشَ بِالْقُرْآنِ إلَّا إنْ قُصِدَ بِهِ صِيَانَتُهُ فَلَا يُكْرَهُ، كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ، وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ تَحْرِيقُ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْمَصَاحِفَ
وَيَحْرُمُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَعَنْ بَصَرِهِ بَعْدَ الْكِتَابَةِ وَبَصَرِ مَا لَا يَعْقِلُ، وَأَنْ يَحْفَظَهَا عَنْ الشَّمْسِ، وَأَنْ يَكُونَ قَاصِدًا وَجْهَ اللَّهِ فِي كِتَابَتِهَا، وَأَنْ لَا يُشَكِّلَهَا وَأَنْ لَا يَطْمِسَ حُرُوفَهَا، وَأَنْ لَا يَنْقُطَهَا، وَأَنَّ لَا يُتَرِّبَهَا، وَأَنْ لَا يَمَسَّهَا بِالْحَدِيدِ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ شَرْطًا لِلصِّحَّةِ وَهُوَ أَنْ لَا يَكْتُبَهَا بَعْدَ الْعَصْرِ، وَشَرْطًا لِلْجَوْدَةِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ صَائِمًا قَالَ بَعْضُهُمْ:
وَلَا تُفِدْ بَعْدَ عُصَيْرِ الْيَوْمِ ... وَالصَّوْمُ أَجْوَدُ فِيهِ عِنْدَ الْقَوْمِ
قَوْلُهُ: (وَالثِّيَابِ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى التَّمِيمَةِ.
قَوْلُهُ: (إلَى هِرَقْلَ) بِكَسْرِ الْهَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْقَافِ مَمْنُوعٌ مِنْ الصَّرْفِ لِلْعَلَمِيَّةِ وَالْعُجْمَةِ، وَهُوَ مَلِكُ الرُّومِ، وَأَوَّلُ مَنْ ضَرَبَ الدَّنَانِيرَ كَمَا فِي الْقَامُوسِ.
قَوْلُهُ: (الْحُرُوزِ) جَمْعُ حِرْزٍ وَهُوَ الْحِجَابُ، وَالْمُرَادُ الْحُرُوزُ مِنْ الْقُرْآنِ.
قَوْلُهُ: (إلَّا إذَا جَعَلَ عَلَيْهَا شَمْعًا) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ التَّعْلِيقِ فَقَطْ، وَقَوْلُهُ: (شَمْعًا) أَيْ خِرْقَةً مُشَمَّعَةً؛ لِأَنَّهَا تَحْفَظُهُ. وَقَوْلُهُ: أَوْ نَحْوَهُ كَجِلْدٍ وَالْمَكْرُوهُ وَضْعُهَا عَلَى بَدَنِهِ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ يَصُونُهَا.
قَوْلُهُ: (وَيَحِلُّ لِلْمُحْدِثِ قَلْبُ وَرَقِ الْمُصْحَفِ بِعُودٍ إلَخْ) سَوَاءٌ كَانَتْ الْوَرَقَةُ قَائِمَةً وَأَضْجَعَهَا أَمْ كَانَتْ مُضْطَجِعَةً، خِلَافًا لِابْنِ الْأُسْتَاذِ وَمَنْ تَبِعَهُ شَرْحُ م ر. قَالَ سم: بِخِلَافِ مَا لَوْ لَفَّ كُمَّهُ عَلَى يَدِهِ وَقَلَّبَ بِهَا لِأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَمُتَّصِلٌ بِهِ، فَكَانَ لَهُ حُكْمُ أَجْزَائِهِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَقْتَضِي حُرْمَةَ الْمَسِّ بِمَا زَادَ مِنْ كُمِّهِ عَلَى يَدِهِ وَهُوَ غَيْرُ بَعِيدٍ اهـ اج.
قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ إلَخْ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ: وَيَحْرُمُ الِاسْتِنَادُ لِمَا كُتِبَ مِنْهُ عَلَى جِدَارٍ. اهـ. سم. بِأَنْ جُعِلَ خَلْفَ ظَهْرِهِ أَمَّا إنْ كَانَ فَوْقَ رَأْسِهِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الِاسْتِنَادُ إلَى الْجِدَارِ الْمَكْتُوبِ فِيهِ فَرَاجِعْهُ.
قَوْلُهُ: (وَلُبْسُ الثَّوْبِ) وَلَوْ مَعَ الْجَنَابَةِ.
قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ ابْتِلَاعِ قِرْطَاسٍ إلَخْ) أَيْ وَرَقَةٍ أَيْ مَا لَمْ يَمْضُغْهُ بِحَيْثُ تَذْهَبُ حُرُوفُهُ ق ل. أَوْ لَمْ يُخْبِرْهُ الْعَدْلُ بِنَفْعِهِ إلَّا عَلَى هَذَا الْوَجْهِ.
قَوْلُهُ: (وَأَكْلُ الطَّعَامِ) كَالرَّغِيفِ الْمَكْتُوبِ عَلَيْهِ، وَهَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ: وَأَكْلُ الطَّعَامِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ كَشُرْبِ الْمَاءِ.
قَوْلُهُ: (لَا كَرَاهَةَ فِيهِ) أَيْ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ، وَإِنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ الْكِتَابَةَ عَلَى الطَّعَامِ مَكْرُوهَةٌ بِخِلَافِهَا عَلَى إنَاءِ الشُّرْبِ. قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ إحْرَاقُ إلَخْ) مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَضْيِيعُ مَالٍ بِلَا غَرَضٍ، وَإِلَّا حُرِّمَ، وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا فِي السِّيَرِ مِنْ مَنْعِ حَرْقِ كُتُبِ الْكُفَّارِ لِمَا فِيهَا مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَضْيِيعِ الْمَالِ اهـ. وَقَوْلُهُ: (إحْرَاقُ خَشَبٍ) أَيْ مَثَلًا فَالْوَرَقُ كَذَلِكَ وَيَحْرُمُ وَطْءُ ذَلِكَ ق ل. قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ تَحْرِيقُ عُثْمَانَ إلَخْ) وَقَدْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ: مَنْ وَجَدَ وَرَقَةً فِيهَا الْبَسْمَلَةُ وَنَحْوُهَا لَا يَجْعَلْهَا فِي شِقٍّ وَلَا غَيْرِهِ؛ لِأَنَّهَا قَدْ تَسْقُطُ فَتُوطَأُ وَطَرِيقُهُ أَنْ يَغْسِلَهَا بِالْمَاءِ أَوْ يُحْرِقَهَا بِالنَّارِ صِيَانَةً لِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ تَعَرُّضِهِ لِلِامْتِهَانِ شَرْحُ الرَّوْضِ، وَإِذَا تَيَسَّرَ الْغَسْلُ وَلَمْ يَخْشَ وُقُوعَ الْغُسَالَةِ عَلَى الْأَرْضِ فَهُوَ أَوْلَى، وَإِلَّا فَالتَّحْرِيقُ أَوْلَى، وَلَا يَجُوزُ تَمْزِيقُ الْوَرَقِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَقْطِيعِ الْحُرُوفِ وَتَفْرِيقِ الْكَلِمِ، وَفِي ذَلِكَ إزْرَاءٌ بِالْمَكْتُوبِ.
قَوْلُهُ: (أَوْ