كَتْبُ الْقُرْآنِ أَوْ شَيْءٍ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى بِنَجِسٍ أَوْ عَلَى نَجِس، وَمَسُّهُ بِهِ إذَا كَانَ غَيْرَ مَعْفُوٍّ عَنْهُ فِي الْمَجْمُوعِ لَا بِطَاهِرٍ مِنْ مُتَنَجِّسٍ، وَيَحْرُمُ الْمَشْيُ عَلَى فِرَاشٍ أَوْ خَشَبٍ نُقِشَ بِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَلَوْ خِيفَ عَلَى مُصْحَفٍ تَنَجُّسٌ أَوْ كَافِرٌ، أَوْ تَلَفٌ بِنَحْوِ غَرَقٍ أَوْ ضَيَاعٍ، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ تَطَهُّرِهِ جَازَ لَهُ حَمْلُهُ مَعَ الْحَدَثِ فِي الْأَخِيرَةِ وَوَجَبَ فِي غَيْرِهَا صِيَانَةً لَهُ كَمَا مَرَّتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ، وَيَحْرُمُ السَّفَرُ بِهِ إلَى أَرْضِ الْكُفَّارِ إنْ خِيفَ وُقُوعُهُ فِي أَيْدِيهِمْ وَتَوَسُّدُهُ، وَإِنْ خَافَ سَرِقَتَهُ وَتَوَسُّدُ كُتُبِ عِلْمٍ إلَّا لِخَوْفٍ مِنْ نَحْوِ سَرِقَةٍ، نَعَمْ إنْ خَافَ عَلَى الْمُصْحَفِ مِنْ تَلَفٍ بِنَحْوِ غَرَقٍ أَوْ تَنَجُّسٍ أَوْ كَافِرٍ جَازَ لَهُ أَنْ يَتَوَسَّدَهُ، بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ وَيُنْدَبُ كَتْبُهُ وَإِيضَاحُهُ وَنَقْطُهُ وَشَكْلُهُ وَيُمْنَعُ الْكَافِرُ مِنْ مَسِّهِ لَا سَمَاعِهِ، وَيَحْرُمُ تَعْلِيمُهُ وَتَعَلُّمُهُ إنْ كَانَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
عَلَى نَجِسٍ) وَالظَّاهِرُ أَنَّ كِتَابَةَ الْفِقْهِ، وَالْحَدِيثِ بِالنَّجِسِ مِثْلُ كِتَابَةِ الْمُصْحَفِ، وَهُوَ كَذَلِكَ. قَوْلُهُ (لَا بِطَاهِرٍ مِنْ مُتَنَجِّسٍ) أَيْ لَا يَحْرُمُ مَسُّهُ بِعُضْوٍ طَاهِرٍ مِنْ بَدَنٍ مُتَنَجِّسٍ، لَكِنَّهُ يُكْرَهُ، فَإِذَا تَنَجَّسَ كَفُّهُ إلَّا أُصْبُعًا مِنْهُ فَمَسَّ بِهَذَا الْأُصْبُعِ الْمُصْحَفَ وَهُوَ طَاهِرٌ مِنْ الْحَدَثِ جَازَ.
قَوْلُهُ: (أَوْ ضَيَاعٍ) أَيْ بِغَيْرِ الْحَرْقِ وَالتَّلَفِ كَأَخْذِ سَارِقٍ مُسْلِمٍ، فَانْدَفَعَ الِاعْتِرَاضُ بِأَنَّ نَحْوَ الْغَرَقِ ضَيَاعٌ أَيْ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (كُتُبَ عِلْمٍ) أَيْ مُحْتَرَمٍ فَإِنْ خَافَ عَلَيْهِ سَرِقَةً أَوْ غَيْرَهَا جَازَ تَوَسُّدُهُ، وَإِلَّا فَلَا.
قَوْلُهُ: (جَازَ لَهُ أَنْ يَتَوَسَّدَهُ) أَيْ يَجْعَلَهُ وِسَادَةً أَيْ مِخَدَّةً. فَائِدَةٌ: وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا لَوْ اُضْطُرَّ إلَى مَأْكُولٍ، وَكَانَ لَا يَصِلُ إلَيْهِ إلَّا بِشَيْءٍ يَضَعُهُ تَحْتَ رِجْلَيْهِ، وَلَيْسَ عِنْدَهُ إلَّا الْمُصْحَفُ هَلْ يَجُوزُ وَضْعُهُ تَحْتَ رِجْلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ أَمْ لَا؟ فَأُجِيبَ عَنْهُ: بِأَنَّ الظَّاهِرَ الْجَوَازُ مُعَلِّلًا ذَلِكَ بِأَنَّ حِفْظَ الرُّوحِ مُقَدَّمٌ، وَلَوْ مِنْ غَيْرِ الْآدَمِيِّ عَلَى غَيْرِهِ، وَمِنْ ثَمَّ لَوْ أَشْرَفَتْ سَفِينَةٌ فِيهَا مُصْحَفٌ وَحَيَوَانٌ عَلَى الْغَرَقِ، وَاحْتِيجَ إلَى إلْقَاءِ أَحَدِهِمَا لِتَخْلُصَ السَّفِينَةُ أُلْقِيَ الْمُصْحَفُ حِفْظًا لِلرُّوحِ الَّتِي فِي السَّفِينَةِ. لَا يُقَالُ: وَضْعُ الْمُصْحَفِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ امْتِهَانٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: فِعْلُ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ مَانِعٌ مِنْ كَوْنِهِ امْتِهَانًا. أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ السُّجُودُ لِلصَّنَمِ، وَالتَّصَوُّرُ بِصُورَةِ الْمُشْرِكِينَ عِنْدَ الْخَوْفِ عَلَى الرُّوحِ، بَلْ قَدْ يُقَالُ: إنَّهُ لَوْ تَوَقَّفَ إنْقَاذُهُ الرُّوحَ عَلَى ذَلِكَ وَجَبَ وَضْعُهُ، وَحِينَئِذٍ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ الْقُوتَ بِيَدِ كَافِرٍ، وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهِ إلَّا بِدَفْعِ الْمُصْحَفِ لَهُ جَازَ لَهُ الدَّفْعُ، لَكِنْ يَنْبَغِي تَقْدِيمُ الْمَيْتَةِ، وَلَوْ مُغَلَّظَةً إنْ وَجَدَهَا عَلَى دَفْعِهِ لِلْكَافِرِ. اهـ. ع ش عَلَى م ر.
قَوْلُهُ: (وَيُنْدَبُ كَتْبُهُ وَإِيضَاحُهُ) أَيْ تَبْيِينُ حُرُوفِهِ، وَاسْتَدَلَّ السُّبْكِيُّ عَلَى جَوَازِ تَقْبِيلِ الْمُصْحَفِ بِالْقِيَاسِ عَلَى تَقْبِيلِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَيَدِ الْعَالِمِ وَالصَّالِحِ وَالْوَالِدِ؛ إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْهُمْ قَالَ الدَّمِيرِيُّ: وَمُقْتَضَى مَذْهَبِنَا كَرَاهَةُ أَخْذِ الْفَأْلِ مِنْهُ. وَقَالَ ق ل: يَجُوزُ أَخْذُ الْفَأْلِ مِنْهُ، وَذَكَرَ الْعَبَّادِيُّ: أَنَّ مَنْ اسْتَعَارَ كِتَابًا فَوَجَدَ فِيهِ غَلَطًا لَمْ يَجُزْ إصْلَاحُهُ إلَّا بِإِذْنِ مَالِكِهِ أَوْ مُصْحَفًا وَجَبَ وَقَيَّدَهُ الْبُلْقِينِيُّ وَغَيْرُهُ أَيْ: قَيَّدَ قَوْلَهُ لَمْ يَجُزْ بِالْمَمْلُوكِ أَمَّا الْمَوْقُوفُ فَيَجُوزُ إصْلَاحُهُ. وَفِي حَاشِيَةِ الرَّحْمَانِيِّ: وَقَعَ السُّؤَالُ لِشَيْخِنَا فِي رَجُلٍ كَتَبَ مُصْحَفًا وَدَفَعَهُ لِفَقِيهٍ يُصَحِّحُهُ، وَإِذَا رَأَى لَحْنًا يُعَلِّمُ فِيهِ بِشَمْعٍ وَلَا يُصْلِحُهُ مَا الْحُكْمُ. فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الْهَادِي لِلصَّوَابِ يَجِبُ إصْلَاحُهُ فَوْرًا أَوْ إعْلَامُ النَّاهِي فَوْرًا لِيُصْلِحَهُ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْفَوْرِيَّةِ فِيهِ تَقْرِيرُ الْخَطَأِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ كَتَبَهُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الشَّوْبَرِيُّ الشَّافِعِيُّ، وَأَفْتَى م ر بِأَنَّ لَحْنَ الْأَطْفَالِ بِحَضْرَةِ الْكَامِلِ فِي الْقُرْآنِ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ، وَيُسَنُّ فِي حَقِّهِ الرَّدُّ فَقَطْ وَلَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ، وَالظَّاهِرُ وُجُوبُ الرَّدِّ قِيَاسًا عَلَى وُجُوبِ مَنْعِ الصَّبِيِّ إنْ رَأَيْنَاهُ يَزْنِي بِصَبِيَّةٍ؛ لِأَنَّ الْوُجُوبَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِصْيَانِ اهـ. وَعِبَارَةُ اط ف نَقْلًا عَنْ ع ش فَرْعٌ ذَكَرَ الْعَبَّادِيُّ وَغَيْرُهُ: أَنَّهُ لَوْ اسْتَعَارَ كِتَابًا، وَرَأَى فِيهِ خَطَأً وَكَانَ مَمْلُوكًا غَيْرَ مُصْحَفٍ لَا يُصْلِحُ فِيهِ شَيْئًا مُطْلَقًا إلَّا إنْ ظَنَّ رِضَا مَالِكِهِ بِهِ، وَأَنَّهُ يَجِبُ إصْلَاحُ الْمُصْحَفِ، لَكِنْ إنْ لَمْ يُنْقِصْ خَطُّهُ قِيمَتَهُ لِرَدَاءَتِهِ أَيْ: وَعَلَيْهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَدْفَعَهُ لِمَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute