للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَكْفِيهِ تَعَوُّذٌ وَاحِدٌ مَا لَمْ يَقْطَعْ قِرَاءَتَهُ بِكَلَامٍ أَوْ فَصْلٍ طَوِيلٍ كَالْفَصْلِ بَيْنَ الرَّكَعَاتِ، وَأَنْ يَجْلِسَ وَأَنْ يَسْتَقْبِلَ وَأَنْ يَقْرَأَ بِتَدَبُّرٍ وَخُشُوعٍ، وَأَنْ يُرَتِّلَ وَأَنْ يَبْكِيَ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ، وَالْقِرَاءَةُ نَظَرًا فِي الْمُصْحَفِ أَفْضَلُ مِنْهَا عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ إلَّا إنْ زَادَ خُشُوعُهُ وَحُضُورُ قَلْبِهِ فِي الْقِرَاءَةِ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ، فَهِيَ أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ وَتَحْرُمُ بِالشَّاذِّ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا وَهُوَ مَا نُقِلَ آحَادًا قُرْآنًا كَأَيْمَانِهِمَا فِي قَوْله تَعَالَى: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا وَهُوَ عِنْدَ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ النَّوَوِيُّ مَا وَرَاءَ السَّبْعَةِ أَبُو عَمْرٍو وَنَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ، وَعِنْدَ آخَرِينَ مِنْهُمْ الْبَغَوِيّ مَا وَرَاءَ الْعَشَرَةِ السَّبْعَةُ السَّابِقَةُ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَيَعْقُوبُ وَخَلَفٌ قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ. وَإِذَا قَرَأَ بِقِرَاءَةٍ مِنْ السَّبْعِ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُتِمَّ الْقِرَاءَةَ بِهَا، فَلَوْ قَرَأَ بَعْضَ الْآيَاتِ بِهَا وَبَعْضَهَا بِغَيْرِهَا مِنْ السَّبْعِ جَازَ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ مَا قَرَأَهُ بِالثَّانِيَةِ مُرْتَبِطًا بِالْأُولَى، وَتَحْرُمُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَذْكَارَ الْمَطْلُوبَةَ فِي مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا فِيهِ أَيْضًا بِالْأَوْلَى مِمَّا ذُكِرَ، وَلَوْ تَعَارَضَ خَاصَّانِ كَالتَّكْبِيرِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ عِيدٍ هِيَ لَيْلَةُ جُمُعَةٍ رُوعِيَ الْأَقَلُّ وُقُوعًا فَيُقَدَّمُ التَّكْبِيرُ فِي هَذِهِ. اهـ. ق ل.

قَوْلُهُ: (أَنْ يَتَعَوَّذَ) قَالَ فِي شَرْحِ الْعُبَابِ: وَظَاهِرُ أَنَّهُ سُنَّةُ عَيْنٍ، فَلَا يَكْفِي تَعَوُّذٌ وَاحِدٌ مِنْ جَمَاعَةٍ عَنْ آخَرَ، وَفَارَقَ التَّسْمِيَةَ عِنْدَ الْأَكْلِ بِأَنَّ الْقَصْدَ ثَمَّ حُصُولُ الْبَرَكَةِ وَمَنْعُ الشَّيْطَانِ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهُنَا الْقَصْدُ اعْتِصَامُ الْقَارِئِ وَاحْتِجَابُهُ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَهُوَ غَيْرُ حَاصِلٍ بِذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (كَالْفَصْلِ بَيْنَ الرَّكَعَاتِ) بِأَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ قَدْرُ رَكْعَةٍ بِأَرْكَانِهَا وَسُنَنِهَا وَإِلَّا فَلَا يُطْلَبُ تَعَوُّذَتَانِ.

قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَجْلِسَ) الْمُرَادُ بِالْجُلُوسِ مَا عَدَا الِاضْطِجَاعَ فَيَشْمَلُ الْقِيَامَ، فَإِنَّ الْقِرَاءَةَ فِي الْقِيَامِ أَفْضَلُ تَعْظِيمًا لَهُ ق ل.

قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَسْتَقْبِلَ) أَيْ الْقِبْلَةَ.

قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَبْكِيَ) أَيْ يَتَبَاكَى عِنْدَ الْقِرَاءَةِ وَهُوَ مِنْ صِفَةِ الْعَارِفِينَ قَالَ تَعَالَى: {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: ١٠٩] وَطَرِيقُهُ فِي تَحْصِيلِهِ أَنْ يَتَأَمَّلَ مَا يَقْرَأُ مِنْ التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ وَالْمَوَاثِيقِ وَالْعُهُودِ، ثُمَّ يَتَفَكَّرُ فِي تَقْصِيرِهِ فِيهَا، فَإِنْ لَمْ يَحْضُرْهُ حُزْنٌ وَبُكَاءٌ فَلْيَبْكِ عَلَى فَقْدِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ مِنْ الْمَصَائِبِ. قَالَ فِي الْأَذْكَارِ: وَيُنْدَبُ التَّبَاكِي لِمَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْبُكَاءِ. شَرْحُ الرَّوْضِ. قَوْلُهُ: (وَالْقِرَاءَةُ نَظَرًا فِي الْمُصْحَفِ أَفْضَلُ مِنْهَا عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ) أَيْ؛ لِأَنَّهَا تَجْمَعُ الْقِرَاءَةَ وَالنَّظَرَ فِي الْمُصْحَفِ، وَهُوَ عِبَادَةٌ أُخْرَى. قَالَ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ: وَيُنْدَبُ إصْغَاءٌ إلَيْهِ لِمَا رَوَى الشَّيْخَانِ عَنْ «ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ لِي النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اقْرَأْ عَلَيَّ الْقُرْآنَ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقْرَأُ عَلَيْك وَعَلَيْك أُنْزِلَ؟ قَالَ إنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي فَقَرَأَتْ عَلَيْهِ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى جِئْت إلَى هَذِهِ الْآيَةِ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} [النساء: ٤١] قَالَ: حَسْبُك الْآنَ فَالْتَفَتُّ إلَيْهِ فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ» اهـ. مَرْحُومِيٌّ.

وَقَالَ الشَّعْرَانِيُّ: أَخَذَ عَلَيْنَا الْعُهُودَ إذَا كُنَّا فِي تِلَاوَةِ قُرْآنٍ أَوْ قِرَاءَةِ حَدِيثٍ، أَوْ كُنَّا نُكَلِّمُ أَحَدًا مِنْ الْأَوْلِيَاءِ، أَوْ مِنْ الْعُلَمَاءِ، فَلَا نَقْطَعُ ذَلِكَ الْكَلَامَ لِكَلَامِ مَنْ هُوَ دُونَهُمْ إلَّا بَعْدَ أَنْ نَأْخُذَ إجَازَةً بِقَوْلِنَا: " دُسْتُورٌ يَا اللَّهُ أَوْ دُسْتُورٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَدُسْتُورٌ يَا سَيِّدِي فُلَانٌ فِي كَلَامِ فُلَانٍ، فَمَنْ وَاظَبَ عَلَى ذَلِكَ أَثْمَرَ لَهُ الْحُضُورَ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى وَكَمَالَ الْمُرَاقَبَةِ، وَكَذَلِكَ إذَا كُنَّا فِي صَلَاةٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ ذِكْرٍ أَوْ دُعَاءٍ ثُمَّ حَصَلَ لَنَا نُعَاسٌ أَنْ نَسْكُتَ مِمَّا كُنَّا فِيهِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْأَدَبِ أَنْ لَا نُنَاجِيَ الْحَقَّ عَزَّ وَجَلَّ إلَّا إذَا اجْتَمَعَتْ حَوَاسُّنَا وَلَمْ تَتَخَلَّفْ عَنْ التَّوَجُّهِ مِنَّا شَعْرَةٌ وَاحِدَةٌ، فَاعْلَمْ ذَلِكَ وَاَللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. قَوْلُهُ: (وَتَحْرُمُ بِالشَّاذِّ) وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ إنْ تَعَمَّدَ وَغَيَّرَ الْمَعْنَى ق ل.

قَوْلُهُ: (مَا وَرَاءَ السَّبْعَةِ) اعْتَمَدَهُ الشَّيْخُ م ر.

قَوْلُهُ: (أَبُو عَمْرٍو) بِالرَّفْعِ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ وَبِالْجَرِّ بَدَلًا عَنْ السَّبْعَةِ. قَوْلُهُ: (وَنَافِعٌ) الْأَوْلَى تَقْدِيمُ نَافِعٍ؛ لِأَنَّ قِرَاءَتَهُ قِرَاءَةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ كَمَا قَالَهُ ح ف.

قَوْلُهُ: (وَابْنُ كَثِيرٍ) اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ.

قَوْلُهُ: (وَابْنُ عَامِرٍ) اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ.

قَوْلُهُ: (وَالْكِسَائِيُّ) اسْمُهُ عَلِيٌّ.

قَوْلُهُ: (مِنْ السَّبْعِ) الْأَوْلَى لِرَاوٍ مِنْ السَّبْعِ ق ل؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْقُرَّاءِ رِوَايَاتٍ.

قَوْلُهُ: (مُرْتَبِطًا بِالْأُولَى) بِأَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا تَعَلُّقٌ وَارْتِبَاطٌ وَذَلِكَ كَنَصْبِ آدَمَ وَكَلِمَاتٍ فِي {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} [البقرة: ٣٧] أَوْ رَفْعِهِمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>