للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَعْرَافِ وَالرَّعْدِ وَالنَّحْلِ وَالْإِسْرَاءِ وَمَرْيَمَ وَالْفُرْقَانِ وَالنَّمْلِ والم تَنْزِيلُ وحم السَّجْدَةِ، وَمَحَالُّهَا مَعْرُوفَةٌ لَيْسَ مِنْهَا سَجْدَةُ (ص) بَلْ هِيَ سَجْدَةُ شُكْرٍ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَالرَّعْدِ ثُمَّ النَّجْمِ ثُمَّ النَّحْلِ ... وَمَرْيَمَ فُرْقَانِ ثُمَّ النَّمْلِ

فِي الْحَجِّ ثِنْتَانِ وَفِي الْأَعْرَافِ ... وَسَجْدَةٌ فِي فُصِّلَتْ تُوَافِي

أَيْ تُكْمِلُ الْعَدَدَ. وَاعْلَمْ أَنَّ ثُمَّ فِي النَّظْمِ لِلتَّرْتِيبِ الْإِخْبَارِيِّ فَقَطْ. تَنْبِيهٌ: إنْ قِيلَ لِمَا اُخْتُصَّتْ هَذِهِ الْأَرْبَعُ عَشْرَةَ بِالسُّجُودِ عِنْدَهَا مَعَ ذِكْرِ السُّجُودِ. وَالْأَمْرُ بِهِ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي آيَاتٍ أُخَرَ كَآخِرِ الْحِجْرِ وَهَلْ أَتَى. قُلْنَا: لِأَنَّ تِلْكَ فِيهَا مَدْحُ السَّاجِدِينَ صَرِيحًا وَذَمُّ غَيْرِهِمْ تَلْوِيحًا أَوْ عَكْسُهُ، فَشُرِعَ لَنَا السُّجُودُ حِينَئِذٍ لِغُنْمِ الْمَدْحِ تَارَةً وَالسَّلَامَةِ مِنْ الذَّمِّ أُخْرَى، وَأَمَّا مَا عَدَاهَا فَلَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ، بَلْ نَحْوُ أَمْرِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُجَرَّدًا مِنْ غَيْرِهِ، وَهَذَا لَا دَخْلَ لَنَا فِيهِ فَلَمْ يُطْلَبْ مِنَّا سُجُودٌ عِنْدَهُ فَتَأَمَّلْهُ سَبْرًا وَفَهْمًا يَتَّضِحُ لَك ذَلِكَ، وَأَمَّا: {يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} [آل عمران: ١١٣] فَهُوَ لَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مُجَرَّدُ ذِكْرِ فَضِيلَةٍ لِمَنْ آمَنَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ حَجّ. أَيْ: فَهُوَ مَدْحٌ لِطَائِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَكَلَامُنَا فِي مَدْحٍ عَامٍّ لَكِنْ يَرِدُ عَلَى الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ {كَلا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق: ١٩] فَإِنَّهُ يَسْجُدُ لَهَا مَعَ أَنَّ فِيهَا أَمْرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَأَمَّلْ.

قَوْلُهُ: (سَجْدَتَا الْحَجِّ) الْأُولَى عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج: ١٨] وَالثَّانِيَةُ عِنْدَ قَوْلِهِ: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الحج: ٧٧] وَفِي الْأَعْرَافِ آخِرَهَا وَالرَّعْدِ بَعْدَ قَوْلِهِ: {بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ} [الرعد: ١٥] وَالنَّحْلِ عِنْدَ قَوْلِهِ: {وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: ٥٠] وَقِيلَ: " يَسْتَكْبِرُونَ " وَالْإِسْرَاءِ عِنْدَ قَوْلِهِ: {وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا} [الإسراء: ١٠٩] وَمَرْيَمَ عِنْدَ قَوْلِهِ: {خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم: ٥٨] وَالْفُرْقَانِ عِنْدَ قَوْلِهِ: {وَزَادَهُمْ نُفُورًا} [الفرقان: ٦٠] وَالنَّمْلِ عِنْدَ قَوْلِهِ: {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [النمل: ٢٦] والم تَنْزِيلُ {وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} [السجدة: ١٥] وَفُصِّلَتْ عِنْدَ قَوْلِهِ: {إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [فصلت: ٣٧] وَالنَّجْمِ آخِرَهَا، وَالِانْشِقَاقِ {لا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: ٢١] . وَقِيلَ آخِرَهَا. وَفِي صَ (وَأَنَابَ) وَقِيلَ (مَآبَ) اهـ. عَنَانِيٌّ عَلَى التَّحْرِيرِ وَعِبَارَةُ م د عَلَيْهِ. وَمَحَالُّ السَّجَدَاتِ مَعْرُوفَةٌ، نَعَمْ الْأَصَحُّ أَنَّ أَخِرَ آيَاتِهَا فِي النَّحْلِ يُؤْمَرُونَ وَفِي النَّمْلِ الْعَظِيمِ، وَفِي فُصِّلَتْ يَسْأَمُونَ وَفِي الِانْشِقَاقِ لَا يَسْجُدُونَ اهـ. وَالْبَقِيَّةُ لَا خِلَافَ فِيهَا، وَإِنَّمَا نَصَّ أَوَّلًا عَلَى سَجْدَتَيْ الْحَجِّ لِخِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الثَّانِيَةِ، وَإِنَّمَا قَدَّمَ الْمُفَصَّلَ عَلَى مَا بَعْدَهُ مَعَ أَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ لِلرَّدِّ عَلَى الْإِمَامِ مَالِكٍ الْقَائِلِ بِأَنَّ الْمُفَصَّلَ لَا سَجْدَةَ فِيهِ.

قَوْلُهُ: (لَيْسَ مِنْهَا سَجْدَةُ صَ) قِرَاءَةُ صَ بِالْإِسْكَانِ وَبِالْفَتْحِ وَبِالْكَسْرِ بِلَا تَنْوِينٍ وَبِهِ مَعَ التَّنْوِينِ، وَإِذَا كُتِبَتْ فِي الْمُصْحَفِ تُكْتَبْ حَرْفًا وَاحِدًا، وَأَمَّا فِي غَيْرِهِ فَمِنْهُمْ مِنْ يَكْتُبُهَا كَذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مِنْ يَكْتُبُهَا بِاعْتِبَارِ رَسْمِهَا ثَلَاثَةَ أَحْرُفٍ شَرْحُ الرَّوْضِ.

قَوْلُهُ: (بَلْ هِيَ سَجْدَةُ شُكْرٍ) أَيْ فَيُنْوَى بِهَا سُجُودُ الشُّكْرِ عَلَى تَوْبَةِ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ لِأَنَّ دَاوُد - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَجَدَهَا شُكْرًا عَلَى قَبُولِ تَوْبَتِهِ أَيْ: مِنْ خِلَافِ الْأُولَى الَّذِي ارْتَكَبَهُ وَهُوَ إضْمَارُهُ أَنَّ وَزِيرَهُ إنْ مَاتَ تَزَوَّجَ بِزَوْجَتِهِ، لَكِنَّ قَبُولَ تَوْبَةِ دَاوُد مِنْ النِّعَمِ الْمُسْتَمِرَّةِ، فَلَعَلَّ السُّجُودَ لَهَا مُسْتَثْنًى مِنْ تَجَدُّدِ النِّعْمَةِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْقَبُولَ وُجِدَ بَعْدَ إنْ لَمْ يَكُنْ تَأَمَّلْ بِلُطْفٍ سم وَلَا تَصِحُّ بِنِيَّةِ التِّلَاوَةِ وَإِنْ تَعَلَّقَتْ بِهَا لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: " صَ لَيْسَ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ ". أَيْ: لَيْسَتْ مِنْ مُؤَكَّدَاتِهِ اهـ خ ض. وَلَوْ قَرَأَهَا نَحْوَ حَنَفِيٍّ وَسَجَدَهَا فِي الصَّلَاةِ تَخَيَّرَ الشَّافِعِيُّ الْمُقْتَدِيَ بِهِ بَيْنَ الْمُفَارَقَةِ وَالِانْتِظَارِ، فَإِنْ تَابَعَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لَكِنَّ سُجُودَ الْإِمَامِ لَهَا وَلَوْ اعْتِقَادًا يُنَزَّلُ مَنْزِلَةَ السَّهْوِ فَيُسَنُّ وَلَا يُنَافِي أَنَّ الْعِبْرَةَ بِاعْتِقَادِ الْمَأْمُومِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَا لَا يَرَى الْمَأْمُومُ جِنْسَهُ فِي الصَّلَاةِ كَمَا فِي م ر وَعِبَارَةُ الْبَيْضَاوِيِّ فِي سُورَةِ صَ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: {وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ} [ص: ٢٤] ابْتَلَيْنَاهُ بِالذَّنْبِ أَوْ امْتَحَنَّاهُ بِالْحُكُومَةِ هَلْ تَنَبَّهَ بِهَا {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ} [ص: ٢٤] لِذَنْبِهِ {وَخَرَّ رَاكِعًا} [ص: ٢٤] أَيْ سَاجِدًا عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>