{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: ٣١] .
ــ
[حاشية البجيرمي]
أَيْ مِنْ إنْسٍ وَجِنٍّ وَمَلَكٍ، وَأَفَادَ أَنَّ الثَّوْبَ يَمْنَعُ مِنْ رُؤْيَةِ الْجِنِّ وَالْمَلَكِ ع ش. وَقَدْ يُؤَيِّدُ عَدَمُ رُؤْيَةِ الْمَلَكِ مَعَ الثَّوْبِ قِصَّةُ خَدِيجَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - حَيْثُ أَلْقَتْ الْخِمَارَ عَنْ رَأْسِهَا لِتَخْتَبِرَ حَالَ جِبْرِيلَ لَمَّا كَانَ يَأْتِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوَّلَ الْمَبْعَثِ هَلْ هُوَ مَلَكٌ أَوْ لَا؟ فَإِنَّ الْمَلَكَ لَا يَرَى الْمَرْأَةَ الْأَجْنَبِيَّةَ مَعَ عَدَمِ السَّتْرِ، وَقَدْ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ صَاحِبُ الْهَمَزِيَّةِ بِقَوْلِهِ:
فَأَمَاطَتْ عَنْهَا الْخِمَارَ لِتَدْرِي ... أَهُوَ الْوَحْيُ أَمْ هُوَ الْإِغْمَاءُ
فَاخْتَفَى عِنْدَ كَشْفِهَا الرَّأْسَ جِبْرِي ... لُ فَمَا عَادَ أَوْ أُعِيدَ الْغِطَاءُ
وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ عَنْ الْعُيُونِ الزُّجَاجِ فَلَا يَكْفِي. فَرْعٌ: لَوْ طَالَ ذَكَرُهُ أَوْ نَبَتَتْ سَلْعَةٌ أَصْلُهَا فِي الْعَوْرَةِ أَوْ طَالَ شَعْرُ الْعَانَةِ، وَجَاوَزَ الرُّكْبَتَيْنِ وَجَبَ سَتْرُ مَا خَرَجَ عَنْ حَدِّ الرُّكْبَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَمِثْلُهُ الْأُنْثَيَانِ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَلَوْ كَانَ خَالِيًا فِي ظُلْمَةٍ) عِبَارَةُ غَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ خَالِيًا أَوْ فِي ظُلْمَةٍ. قَوْلُهُ: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ} [الأعراف: ٣١] أَيْ يَا فُرُوعَ آدَمَ الشَّامِلَ لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَذَكَرَ الذُّكُورَ فِي قَوْلِهِ: يَا بَنِي لِشَرَفِهِمْ، وَفِي الْآيَةِ مَجَازَانِ: الْأَوَّلُ: إطْلَاقُ الزِّينَةِ عَلَى الثِّيَابِ تَسْمِيَةً لِلْمَحَلِّ وَهُوَ الثِّيَابُ بِاسْمِ الْحَالِ فِيهِ وَهُوَ الزِّينَةُ. وَالثَّانِي: إطْلَاقُ الْمَسْجِدِ عَلَى الصَّلَاةِ تَسْمِيَةً لِلْحَالِ وَهُوَ الصَّلَاةُ بِاسْمِ الْمَحَلِّ وَهُوَ الْمَسْجِدُ، وَأَطْلَقَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الثِّيَابِ زِينَةً وَالزِّينَةُ عَرَضٌ قَائِمٌ بِالثِّيَابِ لِكَوْنِهَا أَيْ الثِّيَابُ يُتَزَيَّنُ بِهَا، وَلِذَا قَالَ الْإِمَامُ مَالِكٌ نَظْمًا، وَعَزَاهُ بَعْضُهُمْ لِلْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ:
حَسِّنْ ثِيَابَك مَا اسْتَطَعْت فَإِنَّهَا ... زَيْنُ الرِّجَالِ بِهَا تَعُزُّ وَتُكْرَمُ
وَدَعْ التَّخَشُّنَ فِي الثِّيَابِ تَوَاضُعًا ... فَاَللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّ وَتَكْتُمُ
فَجَدِيدُ ثَوْبِك لَا يَضُرُّك بَعْدَمَا ... تَخْشَى الْإِلَهَ وَتَتَّقِي مَا يَحْرُمُ
وَرَثِيثُ ثَوْبِك لَا يَزِيدُك رِفْعَةً ... عِنْدَ الْإِلَهِ وَأَنْتَ عَبْدٌ مُجْرِمُ
فَرْعٌ: وَقَعَ السُّؤَالُ فِي الدَّرْسِ عَمَّا لَوْ تَعَارَضَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ وَالسَّتْرُ بِأَنْ كَانَتْ عَوْرَتُهُ تَنْكَشِفُ عِنْدَ قِيَامِهِ دُونَ قُعُودِهِ هَلْ يُقَدَّمُ. الْأَوَّلُ أَوْ الثَّانِي؟ فِيهِ نَظَرٌ، وَالْجَوَابُ أَنَّ الظَّاهِرَ مُرَاعَاةُ السَّتْرِ. وَنُقِلَ عَنْ فَتَاوَى الشَّارِحِ ذَلِكَ فَرَاجِعْهُ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمَهُ الشَّارِحُ مِنْ أَنَّهُ إذَا تَعَارَضَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ وَالِاسْتِقْبَالُ قُدِّمَ الِاسْتِقْبَالُ قَالَ: لِأَنَّهُ أَيْ السَّتْرُ لَمْ يَسْقُطْ فِي الصَّلَاةِ بِحَالٍ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْقِيَامِ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ فِي النَّافِلَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَهَذَا مَثَلٌ، فَإِنَّ السَّتْرَ لَا يَسْقُطُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ بِحَالٍ بِخِلَافِ الْقِيَامِ ع ش عَلَى م ر وَمَا قَالَهُ ظَاهِرٌ، وَفِيهِ أَنَّ الِاسْتِقْبَالَ يَسْقُطُ أَيْضًا فِي النَّافِلَةِ فِي السَّفَرِ مَعَ الْقُدْرَةِ خِلَافًا لِمَا نَقَلَهُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ، وَنَصُّهُ: فَرْعٌ لَوْ تَعَارَضَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ وَالسَّتْرُ بِأَنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ صَلَّى قَائِمًا انْكَشَفَ بَعْضُ عَوْرَتِهِ، وَكَانَ بِحَيْثُ لَوْ صَلَّى قَاعِدًا أَمْكَنَهُ سَتْرُ ذَلِكَ، فَيَنْبَغِي مُرَاعَاةُ الْقِيَامِ دُونَ السَّتْرِ.
قَوْلُهُ: (الْمُرَادُ بِهِ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ الزِّينَةِ وَالْمَسْجِدِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ حَقُّهُ أَنْ يَقُولَ بِهِمَا أَيْ الزِّينَةِ وَالْمَسْجِدِ.
تَتِمَّةٌ قَالَ فِي الْمَطَامِحِ: اللِّبَاسُ الْمَأْمُورُ بِهِ فِي الصَّلَاةِ لَهُ صِفَتَانِ. صِفَةُ إجْزَاءٍ وَصِفَةُ كَمَالٍ، فَصِفَةُ الْإِجْزَاءِ كَوْنُهُ مَسْتُورَ الْعَوْرَةِ، وَالصِّفَةُ الْكَمَالِيَّةُ كَوْنُهُ مَسْتُورًا مُتَزَيِّنًا فِي أَحْسَنِ زِيٍّ وَأَكْمَلِ هَيْئَةٍ اهـ. وَفِي خَبَرِ الطَّبَرَانِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَفَعَهُ: «الِارْتِدَاءُ لُبْسَةُ الْعَرَبِ وَالِالْتِفَاعُ لُبْسَةُ أَهْلِ الْإِيمَانِ» يَعْنِي أَنَّ الِارْتِدَاءَ وَهُوَ وَضْعُ الرِّدَاءِ عَلَى الْكَتِفَيْنِ لُبْسَةُ الْعَرَبِ تَوَارَثُوهَا عَنْ آبَائِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا كُلُّهُمْ يَلْبَسُونَ الْإِزَارَ وَالرِّدَاءَ وَيُسَمُّونَهَا حُلَّةً وَالِالْتِفَاعُ وَهُوَ تَغْطِيَةُ الرَّأْسِ وَأَكْثَرُ الْوَجْهِ لُبْسَةُ أَهْلِ الْأَيْمَانِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَلَاهُمْ مِنْ الْحَيَاءِ مِنْ رَبِّهِمْ مَا أَخْجَلَهُمْ اُضْطُرُّوا إلَى مَزِيدِ السَّتْرِ، فَرَأَوْا أَنَّ الِالْتِفَاعَ أَسْتَرُ لِسَتْرِهِ