قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْمُرَادُ بِهِ الثِّيَابُ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنْ عَجَزَ وَجَبَ أَنْ يُصَلِّيَ عَارِيًّا وَيُتِمَّ رُكُوعَهُ وَسُجُودَهُ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَيَجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَيْضًا وَلَوْ فِي الْخَلْوَةِ إلَّا لِحَاجَةٍ كَاغْتِسَالٍ، وَقَالَ صَاحِبُ الذَّخَائِرِ: يَجُوزُ كَشْفُ الْعَوْرَةِ فِي الْخَلْوَةِ لِأَدْنَى غَرَضٍ. قَالَ وَمِنْ الْأَغْرَاضِ كَشْفُ الْعَوْرَةِ لِلتَّبْرِيدِ وَصِيَانَةِ الثَّوْبِ مِنْ الْأَدْنَاسِ وَالْغُبَارِ عِنْدَ كَنْسِ الْبَيْتِ وَغَيْرِهِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ السَّتْرُ فِي الْخَلْوَةِ لِإِطْلَاقِ الْأَمْرِ بِالسَّتْرِ؛ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَقَّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ.
وَلَا يَجِبُ سَتْرُ عَوْرَتِهِ عَنْ نَفْسِهِ بَلْ يُكْرَهُ نَظَرُهُ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ. وَعَوْرَةُ الذَّكَرِ مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرَكِبَتْهُ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
مَا فِيهِ الْحَيَاءُ وَهُوَ الْوَجْهُ وَالرَّأْسُ؛ لِأَنَّ الْحَيَاءَ مِنْ عَمَلِ الرُّوحِ وَسُلْطَانُ الرُّوحِ فِي الرَّأْسِ، وَلِهَذَا قَالَ الصِّدِّيقُ: إنِّي لِأَدْخُل الْخَلَاءَ فَأَتَقَنَّعُ حَيَاءً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَكَانُوا فِي الْأَعْمَالِ الَّتِي فِيهَا حِشْمَةٌ يَعْلُوهُمْ الْحَيَاءُ كَمَا يَعْلُوهُمْ فِي غَيْرِهَا، وَكَانَ الِالْتِفَاعُ لُبْسَةَ بَنِي إسْرَائِيلَ وَرِثُوهُ عَنْ آبَائِهِمْ وَهَذِهِ الْأُمَّةُ أُيِّدَتْ بِالْيَقِينِ النَّافِذِ لِحَجْبِ الْقُلُوبِ فَمَنْ تَقَنَّعَ فَمِنْ الْحَيَاءِ تَقَنَّعَ لِعِلْمِهِ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَاهُ عِلْمَ يَقِينٍ لَا عِلْمَ تَعَلُّمٍ. اهـ. مُنَاوِيٌّ عَلَى الْخَصَائِصِ.
قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ سَتْرُ الْعَوْرَةِ) الْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَحْرُمُ كَشْفُهَا حَتَّى فِي الْخَلْوَةِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يُنَافِي قَوْلَهُ فِيمَا يَأْتِي وَلَا يَجِبُ سَتْرُهَا عَنْ نَفْسِهِ. وَيُجَابُ بِأَنَّ مَعْنَى مَا يَأْتِي أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ نَظَرُهَا مَعَ الْكَرَاهَةِ، لَكِنْ مِنْ طَوْقِهِ لَا مَعَ كَشْفِهَا فَاجْتَمَعَتْ الْعِبَارَتَانِ. تَنْبِيهٌ: سَتْرُ الْعَوْرَةِ مِنْ خُصُوصِيَّاتِنَا وَكَانَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إلَى بَعْضٍ أَيْ: لِكَوْنِهِ كَانَ جَائِزًا فِي شَرْعِهِمْ وَإِلَّا لَمَا أَقَرَّهُمْ مُوسَى عَلَى ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (لِأَدْنَى غَرَضٍ) أَيْ بِلَا كَرَاهَةٍ أَيْضًا، وَلَيْسَ مِنْ الْغَرَضِ حَالَةُ الْجِمَاعِ؛ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِيهِ أَنْ يَكُونَا مُسْتَتِرِينَ قَالَهُ ع ش عَلَى م ر. وَرَدَّهُ الرَّشِيدِيُّ وَجَعَلَ حَالَةَ الْجِمَاعِ مِنْ الْحَاجَةِ، وَنَصُّهُ: وَمِنْ الْغَرَضِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ غَرَضُ الْجِمَاعِ، وَسَنُّ السَّتْرِ عِنْدَهُ لَا يَقْتَضِي حُرْمَتَهُ، كَمَا لَا يَخْفَى وَإِلَّا لَكَانَ السَّتْرُ وَاجِبًا خِلَافًا لِمَا فِي الْحَاشِيَةِ، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَقُولَ بِمِثْلِهِ فِي قَضَاءِ حَاجَةِ الْبَشَرِ وَلَا قَائِلَ بِهِ اهـ. وَلَا يَرِدُ عَلَى جَوَازِ كَشْفِهَا لِأَدْنَى غَرَضٍ تَعْلِيلُهُمْ وُجُوبَ السَّتْرِ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرَى الْمَسْتُورَ مُتَأَدِّبًا وَغَيْرَهُ تَارِكًا لِلْأَدَبِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ انْتِسَابِهِ إلَى تَرْكِ الْأَدَبِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْغَرَضِ. قَوْلُهُ: (وَالْغُبَارُ) عَطْفٌ خَاصٌّ عَلَى عَامٍّ.
قَوْلُهُ: (وَغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْكَنْسِ كَأَنْ كَانَ هُنَاكَ غُبَارٌ مِنْ هَوَاءٍ. قَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ عِلَّةٌ عَقْلِيَّةٌ، وَفِي م ر مَا يَقْتَضِي أَنَّهُ بَعْضُ حَدِيثٍ وَلَفْظُهُ «اللَّهُ تَعَالَى أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهُ» .
فَإِنْ قِيلَ: مَا فَائِدَةُ السَّتْرِ فِي الْخَلْوَةِ مَعَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُحْجَبُ عَنْ بَصَرِهِ شَيْءٌ؟ أُجِيبُ: بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرَى عَبْدَهُ الْمُسْتَتِرَ مُتَأَدِّبًا دُونَ غَيْرِهِ اهـ شَرْحُ الشَّارِحِ عَلَى الْمِنْهَاجِ.
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِبُ سَتْرُ عَوْرَتِهِ) أَيْ السَّوْأَتَيْنِ لِلذَّكَرِ وَمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ لِلْمَرْأَةِ حُرَّةً أَوْ أَمَةً. وَقَوْلُهُ: عَنْ نَفْسِهِ أَيْ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ أَمَّا فِيهَا فَوَاجِبٌ، فَلَوْ رَأَى عَوْرَةَ نَفْسِهِ فِي صَلَاتِهِ بَطَلَتْ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ النَّظَرُ حَرَامًا، وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - شَرْحُ م ر وَعِبَارَةُ الْمَرْحُومِيِّ تَنْبِيهٌ: الْعَوْرَةُ الَّتِي يَجِبُ سَتْرُهَا فِي الْخَلْوَةِ السَّوْأَتَانِ فَقَطْ مِنْ الرَّجُلِ وَمَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ مِنْ الْمَرْأَةِ. قَوْلُهُ: (عَنْ نَفْسِهِ) وَمِثْلُ نَفْسِهِ حَلِيلَتُهُ. قَوْلُهُ: (بَلْ يُكْرَهُ نَظَرُهُ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ) وَلَوْ لِلرَّجُلِ.
وَحَاصِلُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَوْرَةِ أَنْ يُقَالَ هِيَ لِلرِّجَالِ فِي الْخَلْوَةِ السَّوْأَتَانِ وَلِغَيْرِهِ مِنْ أُنْثَى وَخُنْثَى فِيهَا أَيْ الْخَلْوَةِ، وَبِحَضْرَةِ مَحْرَمٍ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَعَوْرَتُهُ فِي الصَّلَاةِ، وَبِحَضْرَةِ الرِّجَالِ الْأَجَانِبِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ، وَبِحَضْرَةِ النِّسَاءِ جَمِيعُ بَدَنِهِ وَشَعْرِهِ وَعَوْرَةُ الْحُرَّةِ فِي الصَّلَاةِ مَا عَدَا الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، وَبِحَضْرَةِ الْأَجَانِبِ جَمِيعُ بَدَنِهَا. وَقَالَ الرَّافِعِيُّ. يَجُوزُ النَّظَرُ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ لِوَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا مِنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ وَكَذَا مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ. أَمَّا الْأَمَةُ فَهِيَ كَالرَّجُلِ فِي الصَّلَاةِ وَفِي خَارِجِهَا كَالْحُرَّةِ فَعَوْرَتُهَا فِي الصَّلَاةِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَخَارِجُهَا جَمِيعُ بَدَنِهَا، وَفِي الْخَلْوَةِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ قَاسِمٍ اهـ اج.