وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إنَّهُ الْحَقُّ وَصَوَّبَهُ السُّبْكِيُّ
وَالْوَسْوَسَةُ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ مِنْ تَلَاعُبِ الشَّيْطَانِ،
ــ
[حاشية البجيرمي]
شَوْبَرِيٌّ. أَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَصِحُّ تَعَلُّقُهُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ فَالْمُرَادُ بِالْعَوَامِّ الْعَامِّيُّونَ، وَعَلَى الثَّانِي فَالْمُرَادُ بِهِمْ عَامَّةُ النَّاسِ. وَالثَّانِي هُوَ الْمُعْتَمَدُ فَلْيُتَأَمَّلْ مَدَابِغِيٌّ عَلَى التَّحْرِيرِ. قَالَ شَيْخُنَا الْحِفْنِيُّ: الْمُرَادُ بِالِاسْتِحْضَارِ الْعُرْفِيِّ الْقَصْدُ وَالتَّعْيِينُ وَنِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ كَمَا تَلَقَّيْنَاهُ عَنْ شَيْخِنَا الْخَلِيفِيِّ، وَهُوَ عَنْ شَيْخِهِ مَنْصُورٍ الطُّوخِيِّ عَنْ شَيْخِهِ الشَّيْخِ سُلْطَانٍ الْمُزَاحِيِّ عَنْ شَيْخِهِ الشَّوْبَرِيِّ عَنْ الرَّمْلِيِّ الصَّغِيرِ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ. قَالَ الشَّيْخُ مَنْصُورٌ الطُّوخِيُّ: هَذَا مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. وَقَوْلُهُ عَنْ الرَّمْلِيِّ الصَّغِيرِ هُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي شَرْحِهِ مِنْ الْمُقَارَنَةِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَعِبَارَةُ الرَّحْمَانِيِّ وَلَوْ تَخَلَّلَ التَّكْبِيرَ مَا لَا يَمْنَعُ الِانْعِقَادَ لَمْ يُشْتَرَطْ مُقَارَنَةُ النِّيَّةِ لَهُ هَذَا مَا اعْتَمَدَهُ م ر. وَلَا تَكْفِي مُقَارَنَتُهَا لَهُ فِي الْمُقَارَنَةِ الْإِجْمَالِيَّةِ قَوْلُهُ: (وَلِي بِهِمَا أُسْوَةٌ) هُوَ مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ وَذَهَبَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ إلَى الِاكْتِفَاءِ بِوُجُودِ النِّيَّةِ قَبْلَ التَّكْبِيرِ. اهـ. عَمِيرَةُ.
قَوْلُهُ: (وَالْوَسْوَسَةُ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ إلَخْ) ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْوَسْوَسَةَ لَا تَكُونُ إلَّا لِلْكَامِلِينَ، وَهُوَ غَيْرُ مُنَافٍ لِقَوْلِ الشَّارِحِ الْوَسْوَسَةُ خَبَلٌ فِي الْعَقْلِ أَوْ جَهْلٌ فِي الدِّينِ لِأَنَّ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى نَوْعٍ خَاصٍّ مِنْ الْوَسْوَسَةِ، وَهُوَ الِاسْتِرْسَالُ مَعَ الْوِسْوَاسِ. وَكَلَامُ الْأَوَّلِ يُحْمَلُ عَلَى مَنْ يُجَاهِدُ الشَّيْطَانَ فِي وَسْوَسَتِهِ لِيُثَابَ الثَّوَابَ الْكَامِلَ، قَالَهُ شَيْخُنَا الْمَلَوِيِّ: قَالَ جَرِيرُ بْنُ عُبَيْدَةَ الْعَدَوِيُّ: شَكَوْت إلَى الْعَلَاءِ بْنِ زِيَادٍ مَا أَجِدُ فِي صَدْرِي مِنْ الْوَسْوَسَةِ. فَقَالَ: إنَّمَا مِثْلُ ذَلِكَ مِثْلُ الْبَيْتِ الَّذِي تَمُرُّ فِيهِ اللُّصُوصُ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ عَالَجُوهُ وَإِلَّا مَضَوْا وَتَرَكُوهُ. يَعْنِي أَنَّ الْقَلْبَ إذَا اشْتَغَلَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَبْقَى لِلشَّيْطَانِ عَلَيْهِ سَبِيلٌ، وَلَكِنَّهُ يَكْثُرُ فِيهِ الْوَسْوَسَةُ وَقْتَ فُتُورِهِ عَنْ الذِّكْرِ لِيُلْهِيَهُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، فَالْعَبْدُ مُبْتَلًى بِالشَّيْطَانِ عَلَى كُلِّ حَالٍ لَا يُفَارِقُهُ وَلَكِنَّهُ يَخْنِسُ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ قَيْسُ بْنُ الْحَجَّاجِ: قَالَ لِي شَيْطَانِي: دَخَلْت فِيك وَأَنَا مِثْلُ الْجَزُورِ وَأَنَا الْيَوْمَ مِثْلُ الْعُصْفُورِ. فَقُلْت: لِمَ ذَلِكَ؟ قَالَ: لِأَنَّك تُذِيبُنِي بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى «وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ الْعَاصِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَا رَسُولَ اللَّهِ الشَّيْطَانُ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي فَقَالَ ذَلِكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنْزَبٌ إذَا حَسَسْته فَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْهُ وَاتْفُلْ عَلَى يَسَارِك ثَلَاثًا قَالَ: فَفَعَلْت ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي» . فَمَنْ كَثُرَتْ وَسْوَسَتُهُ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ، وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ شَيْطَانِ الْوَسْوَسَةِ خَنْزَبٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ. وَكَانَ الْأُسْتَاذُ أَبُو الْحَسَنِ الشَّاذِلِيُّ يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ لِدَفْعِ الْوَسْوَاسِ وَالْخَوَاطِرِ الرَّدِيئَةِ: مَنْ أَحَسَّ بِذَلِكَ فَلْيَضَعْ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى صَدْرِهِ وَيَقُلْ: سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْخَلَّاقِ الْفَعَّالِ سَبْعَ مَرَّاتٍ ثُمَّ يَقُولُ: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} [إبراهيم: ١٩] {وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} [إبراهيم: ٢٠] وَيَقُولُ ذَلِكَ الْمُصَلِّي قَبْلَ الْإِحْرَامِ. وَفِي الْخَبَرِ «إنَّ لِلْوُضُوءِ شَيْطَانًا يُقَالُ لَهُ الْوَلْهَانُ، فَاسْتَعِيذُوا بِاَللَّهِ مِنْهُ فَإِنَّهُ يَأْتِي إلَى الْمُتَوَضِّئِ فَيَقُولُ لَهُ: مَا أَسْبَغْت وُضُوءَك، مَا غَسَلْت وَجْهَك، مَا مَسَحْت رَأْسَك، وَيُذَكِّرُهُ بِأَشْيَاءَ يَكُونُ فَعَلَهَا، فَمَنْ نَابَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَلْيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ الْوَلْهَانِ فَإِنَّ اللَّهَ يَصْرِفُهُ عَنْهُ» قَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: خَنْزَبٌ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ نُونٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ضَبْطِ الْخَاءِ فَمِنْهُمْ مَنْ فَتَحَهَا وَمِنْهُمْ مَنْ كَسَرَهَا، وَهَذَا مَشْهُورٌ وَمِنْهُمْ مَنْ ضَمَّهَا حَكَاهُ ابْنُ الْأَثِيرِ فِي نِهَايَةِ الْغَرِيبِ وَالْمَعْرُوفُ الْكَسْرُ وَالْفَتْحُ.
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: يُسْتَحَبُّ قَوْلُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لِمَنْ اُبْتُلِيَ بِالْوَسْوَسَةِ فِي الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَشَبَهِهِمَا، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ إذَا سَمِعَ الذِّكْرَ خَنَسَ أَيْ تَأَخَّرَ، وَيُعِيدُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ لِأَنَّهَا رَأْسُ الذِّكْرِ. وَقَالَ السَّيِّدُ الْجَلِيلُ أَحْمَدُ بْنُ الْجَوْزِيِّ: شَكَوْت إلَى أَبِي سُلَيْمَانَ الدَّارَنِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْوِسْوَاسَ فَقَالَ: إذَا أَرَدْت أَنْ يَنْقَطِعَ عَنْك فِي أَيِّ وَقْتٍ أَحْسَسْت بِهِ فَافْرَحْ، فَإِذَا فَرِحْت بِهِ انْقَطَعَ عَنْك فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَبْغَضَ إلَى الشَّيْطَانِ مِنْ سُرُورِ الْمُؤْمِنِ، فَإِذَا اغْتَمَمْت بِهِ زَادَك. قَالَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute