وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى خَبَلٍ فِي الْعَقْلِ أَوْ جَهْلٍ فِي الدِّينِ.
وَلَا يَجِبُ اسْتِصْحَابُ النِّيَّةِ بَعْدَ التَّكْبِيرِ لِلْعُسْرِ لَكِنْ يُسَنُّ، وَيُعْتَبَرُ عَدَمُ الْمُنَافِي كَمَا فِي عَقْدِ الْأَيْمَانِ بِاَللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ تَرَدَّدَ فِي أَنْ يَخْرُجَ أَوْ يَسْتَمِرَّ بَطَلَتْ بِخِلَافِ الْوُضُوءِ وَالِاعْتِكَافِ وَالْحَجِّ وَالصَّوْمِ لِأَنَّهَا أَضْيَقُ بَابًا مِنْ الْأَرْبَعَةِ، فَكَانَ تَأْثِيرُهَا بِاخْتِلَافِ النِّيَّةِ أَشَدَّ.
(وَ) الرَّابِعُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (قِرَاءَةُ) سُورَةِ (الْفَاتِحَةِ) فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فِي قِيَامِهَا أَوْ بَدَلِهِ، لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ: «لَا صَلَاةَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَهَذَا مَا قَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنَّ الْوَسْوَاسَ إنَّمَا يُبْتَلَى بِهِ مَنْ كَمُلَ إيمَانُهُ، فَإِنَّ اللِّصَّ لَا يَقْصِدُ بَيْتًا خَرَابًا كَمَا ذَكَرَهُ الْيَافِعِيُّ فِي كِتَابِهِ الدُّرُّ النَّظِيمُ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَالْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ.
وَيُرْوَى عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُرِيَهُ مَوْضِعَ الشَّيْطَانِ مِنْ قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، فَرَأَى فِي النَّوْمِ جَسَدَ رَجُلٍ شَبَهَ الْبَلُّورِ يُرَى دَاخِلُهُ مِنْ خَارِجِهِ، وَرَأَى الشَّيْطَانُ فِي صُورَةِ ضُفْدَعٍ قَاعِدًا عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ إلَى قَلْبِهِ يُوَسْوِسُ إلَيْهِ، فَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ. وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ وَاسِعٍ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ يَقُولُ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ كُلَّ يَوْمٍ: اللَّهُمَّ إنَّك سَلَّطْت عَلَيْنَا بِذُنُوبِنَا عَدُوًّا بَصِيرًا بِعُيُوبِنَا، يَرَانَا هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا نَرَاهُمْ، فَآيِسْهُ مِنَّا كَمَا آيَسْتَهُ مِنْ رَحْمَتِك، وَقَنِّطْهُ مِنَّا كَمَا قَنَّطْتَهُ مِنْ عَفْوِك، وَبَعِّدْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ كَمَا بَاعَدَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ جَنَّتِك إنَّك عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ. فَتَمَثَّلَ لَهُ إبْلِيسُ يَوْمًا فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ: يَا ابْنَ وَاسِعٍ هَلْ تَعْرِفُنِي؟ قَالَ: وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: إبْلِيسُ. قَالَ: وَمَا تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَنْ لَا تُعَلِّمَ أَحَدًا هَذِهِ الِاسْتِعَاذَةَ. فَقَالَ: لَا وَاَللَّهِ لَا مَنَعْتهَا مِمَّنْ أَرَادَهَا فَاصْنَعْ الْآنَ مَا شِئْت. وَالْحِكْمَةُ فِي أَنَّ الْجَانَّ يَرَوْنَا وَنَحْنُ لَا نَرَاهُمْ أَنَّ الْجَانَّ خُلِقُوا مِنْ الرِّيحِ، وَأَصْلُ الرِّيحِ لَا يُرَى فَكَذَلِكَ مَا خُلِقَ مِنْهُ. وَقِيلَ: إنَّ الْمُؤْمِنَ فِي ضَوْءِ الْإِيمَانِ وَالْكَافِرَ مِنْهُمْ فِي ظُلْمَةِ الْكُفْرِ، وَاَلَّذِي فِي الظُّلْمَةِ يَرَى مَنْ فِي النُّورِ وَاَلَّذِي فِي النُّورِ لَا يَرَى مَنْ فِي الظُّلْمَةِ وَهَذَا مَخْدُوشٌ بِمُؤْمِنِهِمْ فَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ إنْ ثَبَتَ أَنَّ الْجَانَّ خُلِقُوا مِنْ الرِّيحِ اهـ. كَذَا فِي تُحْفَةِ السَّائِلِ
قَوْلُهُ: (وَلَا يَجِبُ اسْتِصْحَابُ إلَخْ) أَيْ ذِكْرًا بِكَسْرِ الذَّالِ أَيْ بِاللِّسَانِ، وَأَمَّا حُكْمًا فَلَا بُدَّ مِنْ ذَلِكَ كَمَا تَقَدَّمَ قَوْلُهُ: (كَمَا فِي عَقْدِ الْأَيْمَانِ) أَيْ الْجَزْمِ بِهِ قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْوُضُوءِ) أَيْ فَلَا يُبْطِلُ مَا مَضَى مِنْهُ نِيَّةُ الْخُرُوجِ مِنْهُ عَلَى الْأَصَحِّ، لَكِنْ يَحْتَاجُ لِنِيَّةٍ لِمَا بَقِيَ. قَالَ أَئِمَّتُنَا فِي الْعِبَادَاتِ: فِي قَطْعِ النِّيَّةِ أَرْبَعَةُ أَضْرُبٍ: الْأَوَّلُ: الْإِسْلَامُ وَالصَّلَاةُ فَيَبْطُلَانِ بِنِيَّةِ الْخُرُوجِ مِنْهُمَا بِلَا خِلَافٍ. الثَّانِي: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ لَا يَبْطُلَانِ بِذَلِكَ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُمَا بِالْإِفْسَادِ. الثَّالِثُ: الصَّوْمُ وَالِاعْتِكَافُ لَا يَبْطُلَانِ بِذَلِكَ عَلَى الْأَصَحِّ كَالْحَجِّ. الرَّابِعُ: الْوُضُوءُ لَا يَبْطُلُ بِذَلِكَ مَا مَضَى مِنْهُ عَلَى الْأَصَحِّ لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ لِمَا يَبْقَى. اهـ. مَرْحُومِيٌّ.
قَوْلُهُ: (سُورَةِ الْفَاتِحَةِ) كَانَ الْأَوْلَى إسْقَاطُ لَفْظِ سُورَةٍ وَإِبْقَاءِ الْمَتْنِ عَلَى حَالِهِ لِأَنَّهُ سَيَأْتِي أَنَّ مِنْ أَسْمَائِهَا الْفَاتِحَةَ لَا سُورَةَ الْفَاتِحَةِ، أَوْ هُوَ مِنْ إضَافَةِ الْمُسَمَّى إلَى الِاسْمِ أَيْ قِرَاءَةِ السُّورَةِ الْمُسَمَّاةِ بِالْفَاتِحَةِ، وَهِيَ مِمَّا نَزَلَ قَدِيمًا فَكَانَ النَّبِيُّ يَقْرَؤُهَا فِي صَلَاتِهِ الَّتِي كَانَ يُصَلِّيهَا قَبْلَ فَرْضِ الصَّلَوَاتِ مِنْ قِيَامِ اللَّيْلِ وَرَكْعَتَيْ الْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ. وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى خَمْسَةً: اللَّهُ وَالرَّبُّ وَالرَّحْمَنُ وَالرَّحِيمُ وَالْمَلِكُ، وَسِرُّهُ أَنْ يَقُولَ خَلَقْتُك أَوَّلًا فَأَنَا إلَهٌ، ثُمَّ رَبَّيْتُك فَأَنَا رَبٌّ، ثُمَّ عَصَيْتنِي فَسَتَرْت فَأَنَا رَحْمَنٌ، ثُمَّ تُبْت فَغَفَرْتُ فَأَنَا رَحِيمٌ، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ اتِّصَالِ الْجَزَاءِ فَأَنَا مَلِكُ يَوْمِ الدِّينِ. وَكَرَّرَ الرَّحْمَنَ الرَّحِيمَ دُونَ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَسْمَاءِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ الْعِنَايَةَ بِالرَّحْمَةِ أَكْثَرُ كَمَا ذَكَرَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ عَلَى الْبَيْضَاوِيُّ قَالَ الشَّعْرَانِيُّ فِي الْمِيزَانِ وَقَدْ اسْتَخْرَجَ أَخِي أَفْضَلُ الدِّينِ مِنْ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ مِائَتَيْ أَلْفِ عِلْمٍ؛ وَسَبْعَةً وَأَرْبَعِينَ أَلْفًا وَتِسْعَمِائَةٍ، وَسَبْعَةً وَسَبْعِينَ عِلْمًا. وَقَالَ: هَذِهِ أُمَّهَاتُ عُلُومِ الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ثُمَّ رَدَّهَا كُلَّهَا إلَى الْبَسْمَلَةِ ثُمَّ إلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute