للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» أَيْ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ لِمَا مَرَّ فِي خَبَرِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ، إلَّا رَكْعَةَ مَسْبُوقٍ فَلَا تَجِبُ فِيهَا، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ وُجُوبُهَا عَلَيْهِ لِتَحَمُّلِ الْإِمَامِ لَهَا عَنْهُ.

ــ

[حاشية البجيرمي]

النُّقْطَةِ الَّتِي تَحْتَ الْبَاءِ. كَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ: لَا يَكْمُلُ الرَّجُلُ عِنْدَنَا فِي مَقَامِ الْمَعْرِفَةِ بِالْقُرْآنِ حَتَّى يَصِيرَ يَسْتَخْرِجُ جَمِيعَ أَحْكَامِهِ وَجَمِيعَ مَذَاهِبِ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْهَا مِنْ أَيِّ حَرْفٍ شَاءَ مِنْ حُرُوفِ الْهِجَاءِ، وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْإِمَامِ عَلِيٍّ: لَوْ شِئْت لَأَوْقَرْتُ لَكُمْ ثَمَانِينَ بَعِيرًا مِنْ عُلُومِ النُّقْطَةِ الَّتِي تَحْتَ الْبَاءِ، وَمَا مِنْ عَبْدٍ يَقْرَؤُهَا مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا وَيَدْعُو اللَّهَ بِمَا شَاءَ إلَّا اُسْتُجِيبَ لَهُ دُعَاؤُهُ، وَمَنْ دَاوَمَ عَلَى قِرَاءَتِهَا رَأَى الْعَجَبَ وَنَالَ مَا يَرْجُوهُ مِنْ كُلِّ أَرَبٍ، وَمَنْ وَاظَبَ عَلَى قِرَاءَتِهَا إحْدَى وَأَرْبَعِينَ مَرَّةً إلَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِلَا تَعَبٍ.

قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) وَقَدْ تَجِبُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فِي الرَّكْعَةِ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، كَمَا إذَا نَذَرَ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ كُلَّمَا عَطَسَ فَإِنَّهُ إنْ عَطَسَ فِي الصَّلَاةِ وَكَانَ فِي الْقِيَامِ وَجَبَ قِرَاءَتُهَا، أَوْ غَيْرِهِ كَالرُّكُوعِ. وَالسُّجُودِ أَخَّرَهَا إلَى الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ فَقَرَأَهَا لِأَنَّ غَيْرَ الْقِيَامِ لَيْسَ مَحَلَّ الْقِرَاءَةِ كَذَا قَرَّرَهُ م ر. فَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ شَرْطَ نَذْرِ التَّبَرُّرِ أَنْ يَكُونَ الْمُعَلَّقُ عَلَيْهِ مَرْغُوبًا فِيهِ وَالْعُطَاسُ لَيْسَ مَرْغُوبًا فِيهِ. فَقَالَ: بَلْ مَرْغُوبٌ فِيهِ لِأَنَّ فِيهِ رَاحَةً لِلْبَدَنِ. وَالْحِكْمَةُ فِي أَنَّ الْعَاطِسَ يَجِدُ فِي نَفْسِهِ رَاحَةً لِأَنَّ الرُّوحَ تُرِيدُ أَنْ تَخْرُجَ هَارِبَةً مِنْ الْجَسَدِ، وَتَقُولُ: اسْتَخْبَيْت هُنَا فَتَجِيءُ إلَى كُلِّ عُضْوٍ رَجَاءَ أَنْ تَخْرُجَ مِنْهُ، فَيَصِيحُ رِيحٌ مِنْ الدِّمَاغِ فَيَقُولُ لَهَا: لَمْ يَجِئْ وَقْتُ خُرُوجِك فَتَسْتَقِرُّ فِيهِ وَلِهَذَا يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ لِأَنَّ رُوحَهُ اسْتَقَرَّتْ فِي بَدَنِهِ، فَأَمَرَ الشَّارِعُ الْعَاطِسَ بِالْحَمْدِ لِمَا حَصَلَ لَهُ مِنْ الْمَنْفَعَةِ بِخُرُوجِ مَا احْتَقَنَ فِي دِمَاغِهِ مِنْ الْأَبْخِرَةِ، فَسُنَّ التَّشْمِيتُ وَمَعْنَاهُ هَدَاكَ اللَّهُ إلَى الشَّمْتِ وَذَلِكَ لِمَا فِي الْعُطَاسِ مِنْ الِانْزِعَاجِ وَالْقَلَقِ. اهـ. . وَالتَّشْمِيتُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ فَالْأَوَّلُ إشَارَةٌ إلَى جَمْعِ الشَّمْلِ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: شَمِتَتْ الْإِبِلُ إذَا اجْتَمَعَتْ فِي الْمَرْعَى. وَالثَّانِي إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ مُرُوقُ السَّمْتِ الْحَسَنِ.

وَقَدْ يُسْتَحَبُّ تَكْرِيرُ الْفَاتِحَةِ فِي الرَّكْعَةِ الْوَاحِدَةِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فَأَكْثَرَ، وَذَلِكَ إذَا قَرَأَهَا وَقَدْ صَلَّى مُسْتَلْقِيًا ثُمَّ قَدَرَ عَلَى الِاضْطِجَاعِ ثُمَّ الْقُعُودِ ثُمَّ الْقِيَامِ، فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَقْرَأَهَا فِي الْحَالَةِ الَّتِي هِيَ أَكْمَلُ مِمَّا قَبْلَهَا كَمَا فِي الْحَلَبِيِّ عَلَى الْمَنْهَجِ قَوْلُهُ: (فِي قِيَامِهَا) أَيْ الرَّكْعَةِ، وَمِنْهُ الْقِيَامُ الثَّانِي مِنْ رَكْعَتَيْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقِيَامِهَا لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ تَشْمَلُ الْقِرَاءَةَ فِي الرُّكُوعِ أَوْ فِي السُّجُودِ. فَرْعٌ: لَوْ صَلَّى النَّافِلَةَ وَأَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ وَهُوَ هَاوٍ لِلرُّكُوعِ فَلَهُ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَهَضَ مِنْ السُّجُودِ إلَى الْقِيَامِ وَأَرَادَ أَنْ يَقْرَأَ حَالَ نُهُوضِهِ فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ لِأَنَّ الْقِيَامَ أَكْمَلُ مِنْ النُّهُوضِ، هَذَا مَا اعْتَمَدَهُ م ر قِيَاسًا عَلَى مَا قَرَّرَهُ فِي الْفَرْضِ أَنَّهُ يَقْرَأُ حَالَ هَوِيِّهِ الْفَاتِحَةَ أَوْ بَدَلَهَا لَا حَالَ نُهُوضِهِ لِأَنَّ الْمَقْدُورَ أَكْمَلُ مِنْهُ، فَوَجَبَ تَأْخِيرُ الْفَاتِحَةِ إلَيْهِ اهـ خ ض. وَقَوْلُهُ فِي الْفَرْعِ: يَمْتَنِعُ وَجَوَّزَهُ بَعْضُهُمْ، وَالْقِيَاسُ الْمَذْكُورُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ لِأَنَّ النَّفَلَ يَجُوزُ مِنْ قُعُودٍ مَعَ الْقُدْرَةِ. تَنْبِيهٌ: إنَّمَا وَجَبَ لِلْقِيَامِ قِرَاءَةٌ وَلِلْجُلُوسِ الْأَخِيرِ تَشَهُّدٌ بِخِلَافِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالِاعْتِدَالِ وَالْجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ لَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ الْأَذْكَارِ لِالْتِبَاسِ الْأَوَّلَيْنِ بِالْعَادَةِ، فَوَجَبَ تَمْيِيزُهُمَا عَنْهَا بِخِلَافِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَإِنَّهُمَا لَا يَكُونَانِ إلَّا عِبَادَةً بِذَاتِهِمَا، فَلَمْ يَحْتَاجَا إلَى مُمَيِّزٍ آخَرَ. وَأَمَّا الْأَخِيرَانِ فَغَيْرُ مَقْصُودَيْنِ لِذَاتِهِمَا بَلْ لِلْفَصْلِ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَا قَصِيرَيْنِ فَلَمْ يُنَاسِبْهُمَا إيجَابُ شَيْءٍ فِيهِمَا إعْلَامًا بِذَلِكَ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ.

قَوْلُهُ: (أَوْ بَدَلِهِ) سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْبَدَلُ مَعَ الْقُدْرَةِ وَذَلِكَ فِي النَّفْلِ وَهُوَ الْقُعُودُ وَالِاضْطِجَاعُ، أَوْ مَعَ الْعَجْزِ وَذَلِكَ فِي الْفَرْضِ وَهُوَ الْقُعُودُ وَالِاضْطِجَاعُ وَالِاسْتِلْقَاءُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا اهـ.

قَوْلُهُ: (لِخَبَرِ الشَّيْخَيْنِ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الدَّعَاوَى ثَلَاثَةٌ: قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ، وَكَوْنُهَا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَكَوْنُهَا فِي الْقِيَامِ أَوْ بَدَلِهِ. وَذَكَرَ دَلِيلَ الْأُولَى بِقَوْلِهِ: لَا صَلَاةَ، وَدَلِيلَ الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ كَمَا مَرَّ فِي خَبَرِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ، وَلَعَلَّهُ تَرَكَ دَلِيلَ الدَّعْوَى الثَّالِثَةِ لِظُهُورِهِ وَلَوْ قَالَ فِي قِيَامِ كُلِّ رَكْعَةٍ لَأَتَى بِدَلِيلِهَا قَوْلُهُ: (لَا صَلَاةَ) أَيْ صَحِيحَةً لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النَّفْيِ أَنْ يَكُونَ نَفْيًا لِلصِّحَّةِ لَا لِلْكَمَالِ الَّذِي أَخَذَ بِهِ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ قَالَهُ شَيْخُنَا. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>