. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية البجيرمي]
وَالْأَوْلَى فِي التَّعْلِيلِ مَا نَقَلَهُ بَعْضُ مَشَايِخِنَا أَنَّ نَفْيَ الصِّحَّةِ عَنْ الْحَقِيقَةِ أَقْرَبُ إلَى نَفْيِ الْحَقِيقَةِ مِنْ نَفْيِ الْكَمَالِ عَنْهَا كَمَا قَالَهُ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ. وَقَوْلُهُ: «لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» الْبَاءُ زَائِدَةٌ وَظَاهِرُهُ يَشْمَلُ الْمَأْمُومَ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي أَحَادِيثَ أُخَرَ وَضَعَّفَ الْحَافِظُ خَبَرَ «مَنْ صَلَّى خَلْفَ الْإِمَامِ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ قِرَاءَةٌ لَهُ» فَيَقْرَؤُهَا الْمُقْتَدِي وَلَوْ فِي الْجَهْرِيَّةِ كَمَا جَاءَ عَنْ نَيِّفٍ وَعِشْرِينَ صَحَابِيًّا، وَالْأَوْجَهُ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ بِقَصْدِ الذِّكْرِ لَمْ تُجْزِهِ عَنْ قِرَاءَتِهَا لِوُجُودِ الصَّارِفِ، وَقَدْ يَشْمَلُهُ قَوْلُهُ الْآتِي وَيَجِبُ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِالرُّكْنِ غَيْرَهُ.
قَوْلُهُ: (لِمَا مَرَّ فِي خَبَرِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ) وَهُوَ قَوْلُهُ: «ثُمَّ افْعَلْ ذَلِكَ فِي صَلَاتِك كُلِّهَا» وَهُوَ تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. وَإِنَّمَا اسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِخَبَرِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ لِأَنَّ خَبَرَ الشَّيْخَيْنِ الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا لَا يُعَيِّنُ الْقِرَاءَةَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بَلْ يَشْمَلُ تَوْزِيعَ الْفَاتِحَةِ عَلَى كُلِّ الرَّكَعَاتِ، فَلِذَلِكَ قَيَّدَهُ بِقَوْلِهِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ بِدَلِيلِ خَبَرِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ.
قَوْلُهُ: (إلَّا رَكْعَةَ مَسْبُوقٍ) يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلًا إنْ قُدِّرَ فِي قَوْلِهِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، أَيْ فَتَجِبُ وَيَسْتَقِرُّ وُجُوبُهَا، وَأَنْ يَكُونَ مُنْقَطِعًا إنْ قُدِّرَ فَتَجِبُ فَقَطْ لِأَنَّ الْمُسْتَثْنَى نَفْيُ الِاسْتِقْرَارِ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْوُجُوبِ. وَعِبَارَةُ ع ش الِاسْتِثْنَاءُ بِالنَّظْرِ لِمُجَرَّدِ الْوُجُوبِ مُنْقَطِعٌ، وَبِالنَّظَرِ لِكَوْنِ الْمُرَادِ بِالْوُجُوبِ الِاسْتِقْرَارَ مُتَّصِلٌ، وَالْمُرَادِ بِالْمَسْبُوقِ بِهَا حَقِيقَةً كَأَنْ وَجَدَهُ رَاكِعًا أَوْ حُكْمًا كَأَنْ زُحِمَ عَنْ السُّجُودِ فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَسْبُوقِ بِالنِّسْبَةِ لِلرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ، فَإِذَا قَامَ بَعْدَ سُجُودِهِ وَوَجَدَ الْإِمَامَ رَاكِعًا رَكَعَ مَعَهُ، أَوْ كَانَ بَطِيءَ الْقِرَاءَةِ أَوْ الْحَرَكَةِ أَوْ نَسِيَ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ وَتَخَلَّفَ لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فَإِنَّهُ يُغْتَفَرُ ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ، فَإِذَا قَرَأَهَا وَلَمْ يُسْبَقْ بِأَكْثَرَ مِنْهَا وَمَشَى عَلَى نَظْمِ صَلَاتِهِ ثُمَّ قَامَ فَوَجَدَ الْإِمَامَ رَاكِعًا أَوْ هَاوِيًا لِلرُّكُوعِ رَكَعَ مَعَهُ وَسَقَطَتْ عَنْهُ الْفَاتِحَةُ اهـ حَلَبِيٌّ. وَكَوْنُ هَذَا فِي حُكْمِ الْمَسْبُوقِ ظَاهِرٌ إذَا فَسَّرْنَاهُ بِاَلَّذِي لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الْإِمَامِ زَمَنًا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى، وَأَمَّا إذَا فُسِّرَ بِمَنْ لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الْإِمَامِ زَمَنًا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ بِأَيِّ رَكْعَةٍ، فَتَكُونُ هَذِهِ الصُّوَرُ مِنْهُ حَقِيقَةً. وَقَالَ الَأُجْهُورِيُّ. الْمُرَادُ بِهِ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ خَلْفَ إمَامِهِ زَمَنًا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ بِالنِّسْبَةِ لِقِرَاءَةِ الْوَسَطِ الْمُعْتَدِلِ لَا لِقِرَاءَةِ إمَامِهِ.
قَوْلُهُ: (بِمَعْنَى أَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ وُجُوبُهَا عَلَيْهِ) أَيْ فَقَدْ وَجَبَتْ ثُمَّ سَقَطَتْ قَوْلُهُ: (لِتَحَمُّلِ الْإِمَامِ لَهَا عَنْهُ) بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ الْإِمَامُ مُحْدِثًا أَوْ فِي رَكْعَةٍ زَائِدَةٍ. اهـ. عَنَانِيٌّ. فَالْمُرَادُ بِالْإِمَامِ الْأَهْلُ لِلتَّحَمُّلِ، فَيُدْرِكُ الرَّكْعَةَ بِإِدْرَاكِهِ مَعَهُ رُكُوعَهُ الْمَحْسُوبَ لَهُ، وَلَوْ نَوَى مُفَارَقَةَ إمَامِهِ بَعْدَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى ثُمَّ اقْتَدَى بِإِمَامٍ رَاكِعٍ وَقَصَدَ بِذَلِكَ إسْقَاطَ الْفَاتِحَةِ صَحَّتْ فِي أَوْجَهِ احْتِمَالَيْنِ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ وَاسْتَقَرَّ رَأْيُهُ عَلَيْهِ آخِرًا اهـ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَأْمُومَ إمَّا مُوَافِقٌ، وَإِمَّا مَسْبُوقٌ وَالْأَوَّلُ مَنْ أَدْرَكَ مِنْ قِيَامِ الْإِمَامِ قَدْرًا يَسَعُ الْفَاتِحَةَ بِالنِّسْبَةِ لِلْوَسَطِ الْمُعْتَدِلِ لَا لِقِرَاءَةِ نَفْسِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، وَالْمَسْبُوقُ مَنْ لَمْ يُدْرِكْ ذَلِكَ، وَحُكْمُ الشَّاكِّ حُكْمُ الْأَوَّلِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، فَالْمُوَافِقُ بَيَّنَهُ فِي الْمَنْهَجِ بِقَوْلِهِ: الْعُذْرُ كَأَنْ أَسْرَعَ إمَامٌ قِرَاءَتَهُ وَرَكَعَ قَبْلَ إتْمَامٍ مُوَافِقٍ الْفَاتِحَةَ فَيُتِمُّهَا وَيَسْعَى خَلْفَهُ مَا لَمْ يُسْبَقْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ، وَإِلَّا تَبِعَهُ ثُمَّ تَدَارَكَ بَعْدَ سَلَامِهِ، فَإِنْ لَمْ يُتِمَّهَا الْمُوَافِقُ لِشُغْلِهِ بِسُنَّةٍ كَدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ فَمَعْذُورٌ أَيْ يَتَخَلَّفُ وَيُتِمُّهَا وَيَسْعَى خَلْفَهُ مَا لَمْ يُسْبَقْ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ كَمَا مَرَّ فَحُكْمُهُ حُكْمُ بَطِيءِ الْقِرَاءَةِ السَّابِقِ، كَمَأْمُومٍ عَلِمَ أَوْ شَكَّ قَبْلَ رُكُوعِهِ وَبَعْدَ رُكُوعِ إمَامِهِ أَنَّهُ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ فَيَقْرَؤُهَا وَيَسْعَى كَمَا مَرَّ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُمَا أَيْ بَعْدَ رُكُوعِهِمَا لَمْ يَعُدْ إلَيْهَا بَلْ يَتْبَعُ إمَامَهُ وَيُصَلِّي رَكْعَةً بَعْدَ سَلَامِ إمَامِهِ. فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُوَافِقَ يُعْذَرُ فِيمَا إذَا كَانَ بَطِيءَ الْقِرَاءَةِ، وَفِي الِاشْتِغَالِ بِسُنَّةٍ وَفِي الشَّكِّ فَيُعْذَرُ فِي التَّخَلُّفِ لِلْقِرَاءَةِ وَيُغْتَفَرُ لَهُ ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ طَوِيلَةٍ، فَإِنْ فَرَغَ مِنْ السُّجُودِ الثَّانِي وَانْتَصَبَ وَوَجَدَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَإِنَّهُ يَرْكَعُ وَيَتَحَمَّلُ عَنْهُ الْإِمَامُ الْفَاتِحَةَ وَمِثْلُهُ مَسْأَلَةُ الزِّحَامِ وَالنِّسْيَانِ. وَحَاصِلُ مَسْأَلَةِ الْمَسْبُوقِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَشْتَغِلْ بِسُنَّةٍ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْكَعَ مَعَ الْإِمَامِ، فَإِنْ لَمْ يَرْكَعْ مَعَهُ فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ. وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ إلَّا إذَا تَخَلَّفَ بِرُكْنَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، وَإِنْ اشْتَغَلَ بِسُنَّةٍ وَظَنَّ أَنَّهُ يُدْرِكُ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ تَخَلَّفَ لِمَا فَاتَهُ مِنْ الْفَاتِحَةِ ثُمَّ بَعْدَ تَكْمِيلِهَا إنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ وَإِلَّا فَاتَتْهُ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ بَعْدَ رَفْعِ الْإِمَامِ أَيْ مِنْ الرُّكُوعِ تَكْمِيلُ مَا فَاتَهُ حَتَّى يُرِيدَ الْإِمَامُ الْهَوِيَّ لِلسُّجُودِ وَإِلَّا فَارَقَهُ أَيْ، وَإِلَّا بِأَنْ أَرَادَ أَنْ يَهْوِيَ لِلسُّجُودِ فَارَقَهُ فَإِنَّهُ تَعَارَضَ عَلَيْهِ لُزُومُ وَفَاءِ مَا عَلَيْهِ وَبُطْلَانُ صَلَاتِهِ بِتَخَلُّفِهِ بِرُكْنَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَظُنَّ إدْرَاكَهُ فِي الرُّكُوعِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نِيَّةُ الْمُفَارَقَةِ، فَإِنْ تَرَكَهَا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَ شَيْخِنَا ابْنِ قَاسِمٍ. وَقَالَ شَيْخُنَا م ر: لَا تَبْطُلُ إلَّا إنْ تَخَلَّفَ بِرُكْنَيْنِ بِلَا مُفَارَقَةٍ، وَأَمَّا إثْمُهُ فَمَحَلُّ وِفَاقٍ. اهـ. سِبْطٌ الطَّبَلَاوِيُّ وَالْوَسْوَسَةُ لَيْسَتْ عُذْرًا كَمَا قَالَهُ ع ش.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute