للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: ١] آيَةٌ مِنْهَا أَيْ مِنْ الْفَاتِحَةِ لِمَا رُوِيَ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَدَّ الْفَاتِحَةَ سَبْعَ آيَاتٍ، وَعَدَّ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: ١] آيَةً مِنْهَا» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إذَا قَرَأْتُمْ {الْحَمْدُ لِلَّهِ} [الفاتحة: ٢] فَاقْرَءُوا {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: ١] إنَّهَا أُمُّ الْقُرْآنِ وَأُمُّ الْكِتَابِ وَالسَّبْعُ الْمَثَانِي، و {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: ١] إحْدَى آيَاتِهَا» . وَرَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَدَّ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: ١] آيَةً، وَ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: ٢] إلَى آخِرِهَا سِتَّ آيَاتٍ» . وَهِيَ آيَةٌ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ إلَّا بَرَاءَةَ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى إثْبَاتِهَا فِي الْمُصْحَفِ بِخَطِّهِ أَوَائِلَ السُّوَرِ سِوَى بَرَاءَةٍ دُونَ الْأَعْشَارِ وَتَرَاجِمِ السُّوَرِ وَالتَّعَوُّذِ، فَلَوْ لَمْ تَكُنْ قُرْآنًا لَمَا أَجَازُوا ذَلِكَ لِأَنَّهُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

صَلَاتِهِ فَإِنَّ صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ كَمَا قَالَهُ م ر سَوَاءٌ كَانَ لِغَرَضٍ أَمْ لَا خِلَافًا لسم.

قَوْلُهُ: (وَبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ آيَةٌ مِنْهَا خَبَرُهُ، وَالْمُرَادُ آيَةٌ مِنْهَا عَمَلًا مِنْ جِهَةِ الْإِتْيَانِ بِهَا فِي الْفَاتِحَةِ هَذَا هُوَ الَّذِي فِيهِ الْخِلَافُ. وَأَمَّا كَوْنُهَا مِنْ الْقُرْآنِ فَلَا نِزَاعَ فِيهِ فَقَوْلُهُ آيَةٌ مِنْهَا عَمَلًا كَمَا تَقَدَّمَ لَا اعْتِقَادًا أَيْ لَا يَجِبُ اعْتِقَادُ كَوْنِهَا آيَةً مِنْهَا وَكَذَا مِنْ غَيْرِهَا، بَلْ لَوْ جَحَدَ ذَلِكَ لَا يُكَفَّرُ كَمَا يَأْتِي، وَأَمَّا اعْتِقَادُ كَوْنِهَا مِنْ الْقُرْآنِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فَهُوَ وَاجِبٌ يُكَفَّرُ جَاحِدُهُ وَهَذَا أَعْنِي قَوْلَهُ وَبِسْمِ اللَّهِ إلَخْ اسْتِئْنَافٌ لِلرَّدِّ عَلَى الْمُخَالِفِ وَإِلَّا فَهُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ قَوْلِهِ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ لِأَنَّ مُسَمَّاهَا هَذِهِ الْأَلْفَاظُ الشَّامِلَةُ لِلْبَسْمَلَةِ كَمَا قَالَهُ ع ش.

قَوْلُهُ: (سَبْعَ آيَاتٍ) بَيَانُ عَدِّهَا أَنَّ الْبَسْمَلَةَ آيَةٌ، وَصِرَاطَ الَّذِينَ إلَخْ آيَةٌ، وَالْبَاقِي خَمْسَةٌ وَعَدُّهَا ظَاهِرٌ وَهِيَ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: ٢] آيَةٌ وَ {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: ١] آيَةٌ وَ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: ٤] آيَةٌ وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهَا صِفَةً لِلَّهِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَى كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ الثَّلَاثِ وَقْفًا كَافِيًا غَيْرَ تَامٍّ. قَالَ الطِّيبِيُّ:

وَاللَّفْظُ إنْ تَمَّ وَلَا تَعَلُّقًا ... تَامٌّ وَكَافٍ إنْ بِمَعْنًى عُلِّقَا

فَالْآيَةُ الْأُولَى لَهَا تَعَلُّقٌ بِالثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صِفَةٌ لِلَّهِ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَذْكُرْ الْبَسْمَلَةَ فَبَيَانُ السَّبْعَةِ أَنَّ صِرَاطَ الَّذِينَ إلَى عَلَيْهِمْ آيَةٌ، وَمِنْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ إلَخْ آيَةٌ، وَالْبَاقِي خَمْسَةٌ عَدُّهَا ظَاهِرٌ قَوْلُهُ: «إذَا قَرَأْتُمْ» أَيْ أَرَدْتُمْ قِرَاءَتَهَا

قَوْلُهُ: (وَهِيَ آيَةٌ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْبَيَانِ: يَنْبَغِي لِكُلِّ قَارِئٍ الْمُحَافَظَةُ عَلَيْهَا خُصُوصًا أَرْبَابَ الْوَظَائِفِ وَالْأَسْبَاعِ وَالْأَجْزَاءِ لِيَسْتَحِقَّ مَا يَأْخُذُهُ يَقِينًا، فَإِنَّهُ إذَا أَخَلَّ بِهَا لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا مِنْ الْجَعْلِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ الْبَسْمَلَةُ مِنْ أَوَائِلِ السُّوَرِ، وَهَذِهِ دَقِيقَةٌ يَتَأَكَّدُ الِاعْتِنَاءُ بِهَا وَإِشَاعَتُهَا اهـ. وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ وَلَا الْقِسْطَ، غَيْرَ أَنَّ م ر قَالَ فِي بَابِ الْإِجَارَةِ: إنَّهُ يَسْتَحِقُّ الْقِسْطَ فِي الْحَالَةِ الْمَذْكُورَةِ إذَا اُسْتُؤْجِرَ لِقِرَاءَةِ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ فَأَسْقَطَ الْبَسْمَلَةَ. قَالَ شَيْخُنَا: يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ هَذَا مُخِلٌّ بِشَرْطِ الْوَاقِفِ وَلَا كَذَلِكَ الْإِجَارَةُ اهـ اج. وَعِبَارَةُ شَيْخِنَا الْمَدَابِغِيِّ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْقَارِئُ شَيْئًا مِنْ الْمَعْلُومِ إذَا لَمْ يَأْتِ بِهَا أَوَائِلَ السُّوَرِ فِي الْوَظَائِفِ حَيْثُ كَانَ الْوَاقِفُ يَرَى أَنَّهَا مِنْ أَوَائِلِ السُّوَرِ لِمُخَالَفَتِهِ شَرْطَ الْوَاقِفِ لِنَصِّهِ عَلَى السُّورَةِ مَعَ اعْتِقَادِهِ أَنَّ مِنْهَا الْبَسْمَلَةَ، وَأَمَّا مَنْ اُسْتُؤْجِرَ لِقِرَاءَةِ سُورَةٍ مَثَلًا فَلَمْ يَقْرَأْ الْبَسْمَلَةَ فَلَا يَسْتَحِقُّ إلَّا الْقِسْطَ أَيْ فَيَنْقُصُ مِنْ الْأُجْرَةِ بِقَدْرِ أُجْرَةِ مِثْلِ قِرَاءَةِ الْبَسْمَلَةِ فَاحْفَظْهُ قَوْلُهُ: (إلَّا بَرَاءَةً) لَا خِلَافَ بَيْنَ أَئِمَّةِ الْقُرْآنِ فِي تَرْكِ التَّسْمِيَةِ أَوَّلَ بَرَاءَةٍ سَوَاءٌ ابْتَدَأَ بِهَا الْقَارِئُ أَوْ قَرَأَهَا بَعْدَ الْأَنْفَالِ. وَاخْتُلِفَ فِي سَبَبِ ذَلِكَ فَقِيلَ: لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَيَقَّنُوا أَنَّهُمَا سُورَتَانِ بَلْ جَعَلُوهُمَا سُورَةً وَاحِدَةً، وَجُعِلَتْ أَيْ بَرَاءَةٌ مَعَ الْأَنْفَالِ بِجَعْلِهِمَا سُورَةً وَاحِدَةً مِنْ السَّبْعِ الطِّوَالِ، وَالْمُرَادُ بِالسَّبْعِ الطِّوَالِ الْبَقَرَةُ وَآخِرُهَا بَرَاءَةٌ. وَقِيلَ: وَهُوَ الْأَقْوَى إنَّمَا لَمْ يُفْعَلْ ذَلِكَ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ بِالسَّيْفِ كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَأَلْت عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِمَ لَمْ تُكْتَبْ فِي بَرَاءَةٍ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ؟ قَالَ: لِأَنَّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَمَانٌ، وَبَرَاءَةً لَيْسَ فِيهَا أَمَانٌ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ بِالسَّيْفِ. قَالَ شَيْخُنَا الْمَدَابِغِيِّ: فَتُكْرَهُ فِي أَوَّلِهَا. نَعَمْ إنْ قَصَدَ أَنَّهَا مِنْهَا مَعَ الْعِلْمِ بِالْحَالِ حُرِّمَ كَمَا اسْتَظْهَرَهُ ابْنُ قَاسِمٍ عَلَى الْمَتْنِ، وَتُنْدَبُ فِي أَثْنَائِهَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِلشَّارِحِ وَابْنِ حَجَرٍ كَمَا فِي ق ل.

قَوْلُهُ: (لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ) دَلِيلٌ لِلْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ قَوْلُهُ: (بِخَطِّهِ) أَيْ الْمُصْحَفِ، أَيْ بِخَطٍّ مُمَاثِلٍ لِخَطِّهِ أَيْ بِمِدَادِهِ وَهِيَ الْمِدَادُ الْأَسْوَدُ لَا بِخَطٍّ آخَرَ قَوْلُهُ: (دُونَ الْأَعْشَارِ) أَيْ دُونَ مَا يُكْتَبُ عَلَى هَامِشِ الْمُصْحَفِ مِنْ لَفْظِ عُشْرِ حِزْبٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>