يَحْمِلُ عَلَى اعْتِقَادِ مَا لَيْسَ بِقُرْآنٍ قُرْآنًا، وَلَوْ كَانَتْ لِلْفَصْلِ كَمَا قِيلَ لَثَبَتَتْ فِي أَوَّلِ بَرَاءَةٍ وَلَمْ تَثْبُتْ فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ.
فَإِنْ قِيلَ: الْقُرْآنُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالتَّوَاتُرِ. أُجِيبَ بِأَنَّ مَحَلَّهُ فِيمَا يَثْبُتُ قُرْآنًا قَطْعًا، أَمَّا مَا يَثْبُتُ قُرْآنًا حُكْمًا فَيَكْفِي فِيهِ الظَّنُّ كَمَا يَكْفِي فِي كُلِّ ظَنِّيٍّ، وَأَيْضًا إثْبَاتُهَا فِي الْمُصْحَفِ بِخَطِّهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ فِي مَعْنَى التَّوَاتُرِ.
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَتْ قُرْآنًا لَكُفِّرَ جَاحِدُهَا. أُجِيبَ بِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ قُرْآنًا لَكُفِّرَ مُثْبِتُهَا، وَأَيْضًا التَّكْفِيرُ لَا يَكُونُ بِالظَّنِّيَّاتِ وَهِيَ آيَةٌ مِنْ أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ قَطْعًا وَكَذَا فِيمَا عَدَا بَرَاءَةً مِنْ بَاقِي السُّوَرِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يُصَلِّيَهَا بِالْحَمْدُ لِلَّهِ وَأَنْ يَجْهَرَ بِهَا حَيْثُ يُشْرَعُ الْجَهْرُ بِالْقِرَاءَةِ. فَائِدَةٌ: مَا أُثْبِتَ فِي الْمُصْحَفِ الْآنَ مِنْ أَسْمَاءِ السُّوَرِ وَالْأَعْشَارِ شَيْءٌ ابْتَدَعَهُ الْحَجَّاجُ فِي زَمَنِهِ
ــ
[حاشية البجيرمي]
لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَطِّهِ، وَإِنَّمَا يُكْتَبُ بِمِدَادٍ أَحْمَرَ وَهَذَا مِنْ ابْتِدَاعِ الْحَجَّاجِ، وَأَمَّا أَسْمَاءُ السُّوَرِ فَهُوَ تَوْقِيفٌ وَمَعَ كَوْنِ ذَلِكَ بِدْعَةً فَلَيْسَ مُحَرَّمًا وَلَا مَكْرُوهًا بِخِلَافِ نَقْطِ الْمُصْحَفِ وَشَكْلِهِ فَإِنَّهُ بِدْعَةٌ أَيْضًا لَكِنَّهُ سُنَّةٌ قَوْلُهُ: (وَالتَّعَوُّذِ) أَيْ وَدُونَ التَّعَوُّذِ فَإِنَّهُ لَمْ يُكْتَبْ أَصْلًا لَا بِخَطِّ الْمُصْحَفِ وَلَا بِمِدَادٍ أَحْمَرَ قَوْلُهُ: (فَلَوْ لَمْ تَكُنْ قُرْآنًا) أَيْ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ هَذَا مَحَلُّ الْخِلَافِ، أَمَّا كَوْنُهَا قُرْآنًا فِي ذَاتِهَا فَلَا خِلَافَ فِيهِ قَوْلُهُ: (فَإِنْ قِيلَ الْقُرْآنُ إلَخْ) هَذَا سُؤَالٌ مِنْ قِبَلِ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَفِيَّةِ قَوْلُهُ: (حُكْمًا) أَيْ مِنْ حَيْثُ الْعَمَلُ بِهِ كَمَا مَرَّ ق ل أَيْ لَا مِنْ حَيْثُ الِاعْتِقَادُ.
قَوْلُهُ: (فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَتْ قُرْآنًا) أَيْ مِنْ كُلِّ سُورَةٍ لِأَنَّ الْخِلَافَ إنَّمَا وَقَعَ فِيهِ وَلَا شَكَّ فِي كَوْنِهَا قُرْآنًا اط ف. وَمَا يَقَعُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ مَنْ يُنْكِرُ الْبَسْمَلَةَ يُكَفَّرُ لَيْسَ مُسَلَّمًا عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ فِيهِ تَفْصِيلٌ، وَهُوَ أَنَّهُ إنْ أَنْكَرَ كَوْنَهَا قُرْآنًا يُكَفَّرُ لِأَنَّهَا آيَةٌ مِنْ سُورَةِ النَّمْلِ، وَإِنْ أَنْكَرَ كَوْنَهَا مِنْ أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ لَا يُكَفَّرُ، فَلَوْ لَمْ تَكُنْ قُرْآنًا لَكُفِّرَ مُثْبِتُهَا فَجَوَابُنَا مُعَارَضَةٌ بِالْمِثْلِ. وَقَوْلُهُ وَأَيْضًا إلَخْ جَوَابٌ آخَرُ لَكِنَّ الْجَوَابَ الْأَوَّلَ بِالْمَنْعِ وَالثَّانِي بِالتَّسْلِيمِ قَوْلُهُ: (وَهِيَ آيَةٌ مِنْ أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ قَطْعًا) هُوَ مُنْتَقَدٌ فَإِنَّ مَنْ قَالَ إنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقُرْآنِ وَإِنَّمَا هِيَ لِلْفَصْلِ بَيْنَ السُّوَرِ أَيْ أَوْ بَيْنَ تَمَامِ الْخَتْمَةِ وَالشُّرُوعِ فِي أُخْرَى لَا يَرَى أَنَّهَا مِنْ الْفَاتِحَةِ. إلَّا أَنْ يُقَالَ مُرَادُهُ اتِّفَاقًا بَيْنَ الشَّافِعِيَّةِ. اهـ. م د فَهُوَ اتِّفَاقٌ مَذْهَبِيٌّ قَوْلُهُ: (وَالسُّنَّةُ أَنْ يَصِلَهَا بِالْحَمْدُ لِلَّهِ) وَجْهُ ذَلِكَ دَفْعُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّهَا فَاصِلَةٌ ق ل. فَانْدَفَعَ مَا قِيلَ إنَّ كُلَّ آيَةٍ كَامِلَةٍ يُنْدَبُ الْوَقْفُ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقِفُ عَلَى رُءُوسِ الْآيِ، وَالْمُعْتَمَدُ كَمَا قَرَّرَهُ الطُّوخِيُّ أَنَّهُ لَا يُسَنُّ الْوَصْلُ، وَكَتَبَ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلِ الشَّارِحِ وَالسُّنَّةُ إلَخْ ضَعِيفٌ. وَالْمُعْتَمَدُ سَنُّ الْوَقْفِ عَلَيْهَا لِأَنَّهَا آيَةٌ كَامِلَةٌ وَالْآيَةُ الْكَامِلَةُ يُسَنُّ الْوَقْفُ عَلَيْهَا كَمَا فَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلُهُ: (وَالْأَعْشَارِ) وَكَذَا الْأَحْزَابُ وَأَنْصَافُهَا وَأَرْبَاعُهَا وَغَيْرُ ذَلِكَ ابْتَدَعَهُ الْحَجَّاجُ، وَهُوَ بِدْعَةٌ غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ وَلَا مَكْرُوهَةٍ، وَهِيَ مِثْلُ نَقْطِ الْمُصْحَفِ وَشَكْلِهِ فَهُوَ بِدْعَةٌ أَيْضًا لَكِنَّهُ سُنَّةٌ كَمَا تَقَدَّمَ. وَاعْلَمْ أَنَّ الَّذِي ابْتَدَعَهُ الْحَجَّاجُ بِالنِّسْبَةِ لِأَسْمَاءِ السُّوَرِ إنَّمَا هُوَ الْإِثْبَاتُ فَقَطْ، أَيْ إثْبَاتُهَا فِي الْمُصْحَفِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ. وَأَمَّا أَسْمَاءُ السُّوَرِ فَلَمْ يَبْتَدِعْهُ بَلْ هُوَ بِتَوْقِيفٍ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ أَسْمَاءَ السُّوَرِ وَتَرْتِيبَهَا وَتَرْتِيبَ الْآيَاتِ كُلٌّ مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ بِتَوْقِيفٍ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَخْبَرَهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنَّهَا هَكَذَا فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ، وَأَمَّا عَدَدُ الْآيَاتِ فَلَيْسَ بِتَوْقِيفٍ مِنْ النَّبِيِّ إلَى آخِرِهِ وَلِذَا وَقَعَ اخْتِلَافٌ فِي عَدِّهَا بَيْنَ الْبَصْرِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ، وَلِذَا يَتَّفِقُ أَنْ يَقُولَ الْمُفَسِّرُونَ هَذِهِ السُّورَةُ مِائَةٌ وَخَمْسُونَ آيَةً مَثَلًا أَوْ مِائَةٌ وَاثْنَانِ وَخَمْسُونَ آيَةً مَثَلًا فَتَأَمَّلْ. ذَكَرَ ذَلِكَ الْحَافِظُ السُّيُوطِيّ فِي كِتَابِهِ الْمُسَمَّى بِالتَّحْبِيرِ فِي عِلْمِ التَّفْسِيرِ وَغَيْرِهِ. فَأَسْمَاءُ السُّوَرِ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ الْحَجَّاجُ كِتَابَتَهَا فِي الْمَصَاحِفِ كَانَ النَّاسُ يَعْرِفُونَهَا مِنْ غَيْرِ إثْبَاتِهَا فِي الْمَصَاحِفِ فَائِدَةٌ نَقَلَهَا الْإِمَامُ أَبُو الْفَضْلِ الرَّازِيّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - خَمْسُ مَسَائِلَ يَنْبَغِي لِلْقَارِئِ أَنْ يَعْلَمَهَا: الْأُولَى إذَا شَكَّ فِي حَرْفٍ هَلْ هُوَ بِالْيَاءِ أَوْ بِالتَّاءِ فَلْيَقْرَأْ بِالْيَاءِ فَإِنَّ الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ مُذَكَّرٌ. الثَّانِيَةُ: إذَا شَكَّ فِي حَرْفٍ لَمْ يَعْلَمْ أَمَهْمُوزٌ هُوَ أَمْ غَيْرُ مَهْمُوزٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute