فَإِنَّ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» . فَائِدَةٌ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ لَهَا عَشَرَةُ أَسْمَاءٍ: فَاتِحَةُ الْكِتَابِ، وَأُمُّ الْقُرْآنِ، وَأُمُّ الْكِتَابِ، وَالسَّبْعُ الْمَثَانِي، وَسُورَةُ الْحَمْدِ، وَالصَّلَاةُ وَالْكَافِيَةُ، وَالْوَافِيَةُ، وَالشِّفَاءُ، وَالْأَسَاسُ.
(وَ) الْخَامِسُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (الرُّكُوعُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ارْكَعُوا} [الحج: ٧٧] وَلِخَبَرِ «إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ» وَلِلْإِجْمَاعِ، وَتَقَدَّمَ رُكُوعُ الْقَاعِدِ، وَأَمَّا أَقَلُّ الرُّكُوعِ فِي حَقِّ الْقَائِمِ فَهُوَ أَنْ يَنْحَنِيَ انْحِنَاءً خَالِصًا لَا انْخِنَاسَ فِيهِ، قَدْرَ بُلُوغِ رَاحَتَيْ يَدَيْ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْمَأْمُومُ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَلَوْ قَرَأَ مَعَهُ وَفَرَغَا مَعًا كَفَى تَأْمِينُ وَاحِدٍ، أَوْ فَرَغَ قَبْلَهُ قَالَ الْبَغَوِيّ: يَنْتَظِرُ وَالْمُخْتَارُ أَوْ الصَّوَابُ أَنَّهُ يُؤَمِّنُ لِنَفْسِهِ ثُمَّ لِلْمُتَابَعَةِ قَوْلُهُ: «فَإِنَّ مَنْ وَافَقَ» إلَخْ وَمَعْلُومٌ مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ «أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تُؤَمِّنُ مَعَ تَأْمِينِ الْإِمَامِ» فَيَكُونُ التَّعْلِيلُ مُنْتِجًا لِلْمُدَّعَى كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْحَفْنَاوِيُّ قَوْلُهُ: (الْمَلَائِكَةُ) قِيلَ هُمْ الْحَفَظَةُ. قَالَ شَيْخُنَا: وَلَوْ قِيلَ بِأَنَّهُمْ الْحَفَظَةُ وَسَائِرُ الْمَلَائِكَةِ لَكَانَ أَقْرَبَ ح ل قَوْلُهُ: (غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) أَيْ مِنْ الصَّغَائِرِ. وَاعْتَمَدَ ابْنُ السُّبْكِيّ فِي الْأَشْبَاهِ أَنَّهُ يَشْمَلُ الْكَبَائِرَ، وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ قَوْلُهُ: غُفِرَ لَهُ أَيْ الصَّغَائِرُ فَقَطْ عَلَى مَا اعْتَمَدَهُ م ر. وَاسْتَقْرَبَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَلَائِكَةِ جَمِيعُهُمْ لَا خُصُوصُ الْحَفَظَةِ.
قَوْلُهُ: (لَهَا عَشَرَةُ أَسْمَاءَ) عِبَارَةُ الْحَلَبِيِّ فِي السِّيرَةِ وَلَهَا اثْنَانِ وَعِشْرُونَ اسْمًا قَوْلُهُ: (وَأُمُّ الْقُرْآنِ) سُمِّيَتْ أُمَّ الْقُرْآنِ لِأَنَّهَا مُفْتَتَحُهُ وَمَبْدَؤُهُ فَكَأَنَّهَا أَصْلُهُ وَمَنْشَؤُهُ، وَلِذَلِكَ تُسَمَّى أَسَاسًا أَوْ لِأَنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ وَالتَّعَبُّدِ بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ وَبَيَانِ وَعْدِهِ وَوَعِيدِهِ. اهـ. بَيْضَاوِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَالسَّبْعُ الْمَثَانِي) لِأَنَّهَا سَبْعُ آيَاتٍ، وَتُثَنَّى فِي الصَّلَاةِ أَيْ تُكَرَّرَ قَوْلُهُ: (وَالصَّلَاةُ) لِوُجُوبِ قِرَاءَتِهَا فِيهَا أَوْ اسْتِحْبَابِهَا فَهُوَ مِنْ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ جُزْئِهِ قَوْلُهُ: (وَالْكَافِيَةُ) أَيْ لِاشْتِمَالِهَا عَلَى مَا ذُكِرَ قَوْلُهُ: (وَالشِّفَاءُ) لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «هِيَ شِفَاءُ كُلِّ دَاءٍ» . اهـ.
قَوْلُهُ: (وَتَقَدَّمَ رُكُوعُ الْقَاعِدِ) أَيْ فِي رُكْنِ الْقِيَامِ، أَيْ أَنَّ أَقَلَّهُ أَنْ تُحَاذِيَ جَبْهَتُهُ مَا أَمَامَ رُكْبَتَيْهِ، وَأَكْمَلَهُ أَنْ تُحَاذِيَ مَحَلَّ سُجُودِهِ. وَشُرِعَ الرُّكُوعُ فِي عَصْرِ صَبِيحَةِ الْإِسْرَاءِ، وَأَمَّا الظُّهْرُ فَصَلَّاهَا بِغَيْرِ رُكُوعٍ كَالصَّلَاةِ الَّتِي كَانَ يُصَلِّيهَا قَبْلَ الْخَمْسِ كَمَا قَالَهُ السُّيُوطِيّ وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَكَذَا التَّأْمِينُ خَلْفَ الْإِمَامِ كَمَا تَقَدَّمَ وَأَمَّا قَوْلُهُ {وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: ٤٣] فَمَعْنَاهُ صَلِّي مَعَ الْمُصَلِّينَ. وَفِي الْبَيْضَاوِيِّ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ {وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: ٤٣] مَا نَصُّهُ: أُمِرَتْ بِالصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ بِذِكْرِ أَرْكَانِهَا مُبَالَغَةً فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهَا، وَقَدَّمَ السُّجُودَ عَلَى الرُّكُوعِ إمَّا لِكَوْنِهِ كَذَلِكَ فِي شَرِيعَتِهِمْ أَوْ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّ الْوَاوَ لَا تُوجِبُ التَّرْتِيبَ، أَوْ لِيَقْتَرِنَ ارْكَعِي بِالرَّاكِعِينَ لِلْإِيذَانِ بِأَنَّ مَنْ لَيْسَ فِي صَلَاتِهِمْ رُكُوعٌ لَيْسُوا مُصَلِّينَ اهـ. وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الرُّكُوعَ كَانَ فِي شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا انْتَهَى ع ش. وَقِيلَ: قَدَّمَ السُّجُودَ لِشَرَفِهِ. وَفِي الْخَصَائِصِ: وَخَصَّ بِالرُّكُوعِ فِي الصَّلَاةِ فِيمَا ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ فِي قَوْلِهِ {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: ٤٣] قَالُوا: الرُّكُوعُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ خَوَاصِّنَا وَلَا رُكُوعَ فِي صَلَاةِ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَلِذَلِكَ أَمَرَهُمْ بِهِ مَعَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ.
وَاسْتَشْكَلَ الْحَافِظُ إطْلَاقَ الرُّكُوعِ عَلَى نَفْسِ الصَّلَاةِ إطْلَاقًا لِلْبَعْضِ عَلَى الْكُلِّ، فَقَالَ: ذَاكَ فِي بَعْضٍ مِنْ ذَلِكَ الْكُلِّ، وَحَيْثُ لَمْ يَكُنْ فِي صَلَاتِهِمْ رُكُوعٌ فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّهُ مِنْ إطْلَاقِ مَا لَيْسَ مِنْ أَجْزَائِهَا عَلَيْهَا؟ اهـ. وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْقُنُوتِ فِي الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ إدَامَةُ الطَّاعَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا} [الزمر: ٩] وَبِالسُّجُودِ الصَّلَاةُ كَقَوْلِهِ {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ} [ق: ٤٠] وَبِالرُّكُوعِ الْخُشُوعُ اهـ عَبْدُ الْبَرِّ وَهَذَا أَوْلَى إذْ لَا إشْكَالَ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: (أَنْ يَنْحَنِيَ) أَيْ يَقِينًا أَوْ ظَنًّا، وَلَوْ شَكَّ هَلْ انْحَنَى قَدْرًا تَصِلُ بِهِ رَاحَتَاهُ رُكْبَتَيْهِ لَزِمَهُ إعَادَةُ الرُّكُوعِ لِأَنَّ الْأَصْلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute