للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَامِدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا، وَإِنْ نَوَى مَعَ ذَلِكَ صَرْفَهُ عَنْ السُّجُودِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ زَادَ فِعْلًا لَا يُزَادُ مِثْلُهُ فِي الصَّلَاةِ عَامِدًا.

وَيَجِبُ فِي السُّجُودِ أَنْ تَرْتَفِعَ أَسَافِلُهُ عَلَى أَعَالِيهِ لِلِاتِّبَاعِ كَمَا صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، فَلَوْ صَلَّى فِي سَفِينَةٍ مَثَلًا وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ارْتِفَاعِ ذَلِكَ لِمَيَلَانِهَا صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ وَلَزِمَتْهُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُ عُذْرٌ نَادِرٌ. نَعَمْ إنْ كَانَ بِهِ عِلَّةٌ لَا يُمْكِنُهُ مَعَهَا السُّجُودُ إلَّا كَذَلِكَ صَحَّ، فَإِنْ أَمْكَنَهُ السُّجُودُ عَلَى وِسَادَةٍ بِتَنْكِيسٍ لَزِمَهُ لِحُصُولِ هَيْئَةِ السُّجُودِ بِذَلِكَ، أَوْ بِلَا تَنْكِيسٍ لَمْ يَلْزَمْهُ السُّجُودُ عَلَيْهَا لِفَوَاتِ هَيْئَةِ السُّجُودِ بَلْ يَكْفِيهِ الِانْحِنَاءُ الْمُمْكِنُ خِلَافًا لِمَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ.

(وَ) الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ) وَلَوْ فِي نَفْلٍ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى يَسْتَوِيَ جَالِسًا» كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَهَذَا فِيهِ رَدٌّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ يَقُولُ: يَكْفِي أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ عَنْ الْأَرْضِ أَدْنَى رَفْعٍ كَحَدِّ السَّيْفِ.

(وَ) الثَّانِي عَشَرَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (الطُّمَأْنِينَةُ فِيهِ) لِحَدِيثِ الْمُسِيءِ صَلَاتَهُ، وَيَجِبُ أَنْ لَا يَقْصِدَ بِرَفْعِهِ غَيْرَهُ كَمَا مَرَّ فِي الرُّكُوعِ، فَلَوْ رَفَعَ فَزَعًا مِنْ شَيْءٍ لَمْ يَكْفِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ إلَى السُّجُودِ، وَيَجِبُ أَنْ لَا يُطَوِّلَهُ وَلَا الِاعْتِدَالَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَإِنْ نَوَى) مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَإِنْ نَوَى الِاسْتِقَامَةَ لَمْ يُجْزِهِ. وَقَوْلُهُ: مَعَ ذَلِكَ أَيْ مَعَ نِيَّةِ الِاسْتِقَامَةِ. وَقَوْلُهُ صَرْفَهُ أَيْ الِانْقِلَابَ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ قَوْلَهُ: وَإِنْ نَوَى مَعَ ذَلِكَ رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ فَإِنْ نَوَى الِاسْتِقَامَةَ فَنِيَّةُ الِاسْتِقَامَةِ فَقَطْ لَا تَقْتَضِي بُطْلَانَ الصَّلَاةِ إلَّا إذَا انْضَمَّ لَهَا صَرْفُ الِانْقِلَابِ عَنْ السُّجُودِ. وَقَوْلُهُ لِأَنَّهُ زَادَ فِعْلًا أَيْ وَهُوَ الِانْقِلَابُ الَّذِي نَوَى صَرْفَهُ عَنْ السُّجُودِ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ ظَهَرَ أَنَّ فِي قَوْلِ الشَّارِحِ عَنْ السُّجُودِ عَلَى بَابِهَا خِلَافًا لِمَنْ جَعَلَهَا بِمَعْنَى اللَّامِ

قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ فِي السُّجُودِ أَنْ تَرْتَفِعَ أَسَافِلُهُ) الْأَسَافِلُ الْعَجِيزَةُ وَمَا حَوْلَهَا، وَالْأَعَالِي رَأْسُهُ وَمَنْكِبَاهُ وَيَدَاهُ، فَالْيَدَانِ مِنْ الْأَعَالِي كَمَا فِي ع ش. وَصَوَّرَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ ارْتِفَاعَ الْيَدَيْنِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ يَحْصُلُ ذَلِكَ بِوَضْعِ يَدَيْهِ عَلَى حَائِطٍ مَثَلًا قُبَالَةَ وَجْهِهِ حَيْثُ كَانَتْ الْحَائِطُ قَصِيرَةً عُرْفًا بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ مَعَ ذَلِكَ السُّجُودُ، فَهَذِهِ صُورَةُ مَا إذَا ارْتَفَعَتْ يَدَاهُ عَلَى أَسَافِلِهِ. وَالْمُرَادُ أَنْ تَرْتَفِعَ أَسَافِلُهُ أَيْ يَقِينًا فَيَضُرُّ الشَّكُّ وَلَوْ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ السُّجُودِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ، فَلَوْ انْعَكَسَ أَوْ تَسَاوَيَا لَمْ يُجْزِهِ لِعَدَمِ اسْمِ السُّجُودِ كَمَا لَوْ أُكِبَّ عَلَى وَجْهِهِ وَمَدَّ رِجْلَيْهِ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَ قَوْلَهُ وَأَنْ يَرْفَعَ أَسَافِلَهُ عَلَى الطُّمَأْنِينَةِ قَوْلُهُ: (عَلَى وِسَادَةٍ) تُصَوَّرُ بِمَا إذَا كَانَتْ أَمَامَهُ حُفْرَةٌ لَوْ وَضَعَ فِيهَا وِسَادَةً تُنَكَّسُ، وَقَوْلُهُ: أَوْ بِلَا تَنْكِيسٍ أَيْ بِأَنْ زَادَ ارْتِفَاعُ الْوِسَادَةِ عَلَى الْحُفْرَةِ بِأَنْ عَلَتْ عَلَى الْأَرْضِ الَّتِي هُوَ وَاقِفٌ عَلَيْهَا، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ السُّجُودُ عَلَيْهَا حِينَئِذٍ بَلْ يَكْفِيهِ الِانْحِنَاءُ الْمُمْكِنُ كَمَا يَدُلُّ عَلَى هَذَا شَرْحُ الرَّوْضِ. وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ وَشَرْحُهُ: فَلَوْ أَمْكَنَ الْعَاجِزُ عَنْ وَضْعِ جَبْهَتِهِ عَلَى الْأَرْضِ وَالسُّجُودِ عَلَى وِسَادَةٍ بِلَا تَنْكِيسٍ لَمْ يَلْزَمْهُ السُّجُودُ عَلَيْهَا خِلَافًا لِمَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ لِفَوَاتِ هَيْئَةِ السُّجُودِ، بَلْ يَكْفِيهِ الِانْحِنَاءُ الْمُمْكِنُ وَلَا يُشْكِلُ بِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْمَرِيضَ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الِانْتِصَابُ إلَّا بِاعْتِمَادٍ عَلَى شَيْءٍ لَزِمَهُ لِأَنَّ هُنَاكَ إذَا اعْتَمَدَ عَلَى شَيْءٍ أَتَى بِهَيْئَةِ الْقِيَامِ، وَهُنَا إذَا وَضَعَ الْوِسَادَةَ لَا يَأْتِي بِهَيْئَةِ السُّجُودِ فَلَا فَائِدَةَ فِي الْوَضْعِ أَوْ تَنْكِيسٍ لَزِمَهُ ذَلِكَ قَطْعًا لِحُصُولِ هَيْئَةِ السُّجُودِ بِذَلِكَ انْتَهَى بِحُرُوفِهِ. وَقَوْلُهُ: تَنْكِيسٍ أَيْ بِرَفْعِ أَسَافِلِهِ عَلَى أَعَالِيهِ قَوْلُهُ: (لَمْ يَلْزَمْهُ السُّجُودُ عَلَيْهَا) بَلْ يُسَنُّ كَمَا فِي شَرْحِ الرَّمْلِيِّ. وَمِثْلُ مَنْ بِهِ عِلَّةٌ الْحَامِلُ وَنَحْوُهَا كَمَنْ طَالَ أَنْفُهُ حَتَّى لَوْ لَمْ يُمْكِنْهَا وَضْعُ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ كَفَاهَا الْإِيمَاءُ وَلَا إعَادَةَ قَوْلُهُ: (لِفَوَاتِ هَيْئَةِ السُّجُودِ) أَيْ فَلَا فَائِدَةَ فِي الْوَضْعِ عَلَيْهَا قَوْلُهُ: (بَلْ يَكْفِيهِ الِانْحِنَاءُ) أَيْ الِانْحِنَاءُ لِلسُّجُودِ فِي الْحُفْرَةِ وَلَا يَضَعُ الْوِسَادَةَ فِيهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ قَوْلُهُ: (خِلَافًا لِمَا فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ) أَيْ مِنْ لُزُومِ السُّجُودِ عَلَيْهَا مُطْلَقًا.

قَوْلُهُ: (فَزَعًا مِنْ شَيْءٍ) بِفَتْحِ الزَّايِ مَفْعُولٌ لِأَجْلِهِ لِإِفَادَةِ قَصْدِ الْفَزَعِ وَحْدَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قُرِئَ فَزِعًا بِكَسْرِ الزَّايِ اسْمُ فَاعِلٍ عَلَى أَنَّهُ حَالٌ فَإِنَّهُ لَا يُفِيدُ ذَلِكَ، وَعِبَارَةُ ع ش عَلَى م ر قَوْلُهُ فَزَعًا أَيْ خَوْفًا، أَمَّا لَوْ رَفَعَ ثُمَّ شَكَّ هَلْ كَانَ رَفْعُهُ لِلْفَزَعِ أَمْ لِغَيْرِهِ هَلْ يُعْتَدُّ بِهِ أَمْ لَا فِيهِ نَظَرٌ، وَالْأَقْرَبُ الثَّانِي لِأَنَّ تَرَدُّدَهُ فِي ذَلِكَ شَكٌّ فِي الرَّفْعِ، وَالشَّكُّ مُؤَثِّرٌ فِي جَمِيعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>