لِأَنَّهُمَا رُكْنَانِ قَصِيرَانِ لَيْسَا مَقْصُودَيْنِ لِذَاتِهِمَا بَلْ لِلْفَصْلِ، وَأَكْمَلُهُ يُكَبِّرُ بِلَا رَفْعِ يَدٍ مَعَ رَفْعِ رَأْسِهِ مِنْ سُجُودِهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ، وَيَجْلِسُ مُفْتَرِشًا وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ لِلِاتِّبَاعِ وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ قَرِيبًا مِنْ رُكْبَتَيْهِ بِحَيْثُ تُسَامِتُهُمَا رُءُوسُ الْأَصَابِعِ، نَاشِرًا أَصَابِعَهُ مَضْمُومَةً لِلْقِبْلَةِ كَمَا فِي السُّجُودِ قَائِلًا: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَاجْبُرْنِي وَارْفَعْنِي وَارْزُقْنِي وَاهْدِنِي وَعَافِنِي لِلِاتِّبَاعِ، ثُمَّ يَسْجُدُ الثَّانِيَةَ كَالْأُولَى فِي الْأَقَلِّ وَالْأَكْمَلِ.
(وَ) الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (الْجُلُوسُ الْأَخِيرُ) لِأَنَّهُ مَحَلُّ ذِكْرٍ وَاجِبٍ فَكَانَ وَاجِبًا كَالْقِيَامِ لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ.
(وَ) الرَّابِعَ عَشَرَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (التَّشَهُّدُ فِيهِ) أَيْ الْجُلُوسِ الْأَخِيرِ لِقَوْلِ «ابْنِ مَسْعُودٍ: كُنَّا نَقُولُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ قَبْلَ عِبَادِهِ، السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ، السَّلَامُ عَلَى مِيكَائِيلَ، السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ. فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْأَفْعَالِ قَوْلُهُ: (وَيَجِبُ أَنْ لَا يُطَوِّلَهُ) أَيْ الْجُلُوسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، فَإِنْ طَوَّلَ أَحَدَهُمَا فَوْقَ ذِكْرِهِ الْمَشْرُوعِ فِيهِ قَدْرَ الْفَاتِحَةِ فِي الِاعْتِدَالِ وَقَدْرَ أَقَلِّ التَّشَهُّدِ فِي الْجُلُوسِ عَامِدًا عَالِمًا بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ وَقَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْحَفْنَاوِيُّ وَالْعَشْمَاوِيُّ قَوْلُهُ: (وَأَكْمَلُهُ يُكَبِّرُ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أَقَلَّهُ قَوْلُهُ: (وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ) فَلَا يَضُرُّ إدَامَةُ وَضْعِهِمَا عَلَى الْأَرْضِ إلَى السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ اتِّفَاقًا خِلَافًا لِمَنْ وَهَمَ فِيهِ قَوْلُهُ: (وَاجْبُرْنِي) أَيْ اغْنِنِي، وَعَطْفُ اُرْزُقْنِي عَلَيْهِ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ لِأَنَّ الرِّزْقَ أَعَمُّ وَالْغِنَى أَخَصُّ زِيَادِيٌّ. وَيُسَنُّ لِلْمُنْفَرِدِ وَإِمَامِ قَوْمٍ مَحْصُورِينَ رَضُوا بِالتَّطْوِيلِ أَنْ يَزِيدُوا عَلَى ذَلِكَ " رَبِّ هَبْ لِي قَلْبًا تَقِيًّا نَقِيًّا مِنْ الشِّرْكِ بَرِيًّا لَا كَافِرًا وَلَا شَقِيًّا " م ر قَوْلُهُ: (وَارْزُقْنِي) أَيْ حَلَالًا لِانْصِرَافِ الطَّلَبِ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الرِّزْقُ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ مَا اُنْتُفِعَ بِهِ وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا اهـ اج
قَوْلُهُ: (الْجُلُوسُ الْأَخِيرُ) لَوْ قَالَ: الْجُلُوسُ الَّذِي يَعْقُبُهُ سَلَامٌ لَكَانَ أَشْمَلَ لِدُخُولِ نَحْوِ الصُّبْحِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْجُلُوسَ وَالتَّشَهُّدَ فِيهِ رُكْنَانِ إنْ عَقِبَهُمَا سَلَامٌ وَإِلَّا فَسُنَّتَانِ
قَوْلُهُ: (التَّشَهُّدُ) سُمِّيَ بِهِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ، فَهُوَ مِنْ بَابِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ جُزْئِهِ م ر. وَالتَّشَهُّدُ مِنْ الشَّهَادَةِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى الشَّهَادَةِ بِالتَّوْحِيدِ لِلَّهِ وَبِالرِّسَالَةِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَوْلُهُ الْأَخِيرُ، أَيْ وَهُوَ الَّذِي يَعْقُبُهُ سَلَامٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّلَاةِ تَشَهُّدٌ أَوَّلٌ كَمَا فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْجُمُعَةِ، فَقَوْلُهُ الْأَخِيرُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ مِنْ أَنَّ أَكْثَرَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ لَهَا تَشَهُّدَانِ اهـ خِضْرٌ.
قَوْلُهُ: (كُنَّا نَقُولُ) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ بِتَوْقِيفٍ أَوْ اجْتِهَادٍ، وَأَنْ يَكُونَ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ أَوْ عَلَى سَبِيلِ النَّدْبِ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. لَكِنْ نَهْيُ النَّبِيِّ لَهُمْ عَنْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: " لَا تَقُولُوا " إلَخْ رُبَّمَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَهُ مِنْ غَيْرِ تَشْرِيعٍ. وَعِبَارَةُ الْقَسْطَلَّانِيِّ. قَوْلُهُ عَلَى فُلَانٍ زَادَ فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ يَعْنُونَ الْمَلَائِكَةَ، وَالْأَظْهَرُ كَمَا قَالَ الْأَبِيُّ أَنَّ هَذَا كَانَ اسْتِحْسَانًا مِنْهُمْ وَأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَسْمَعْهُ إلَّا حِينَ أَنْكَرَهُ عَلَيْهِمْ، وَوَجْهُ الْإِنْكَارِ عَدَمُ اسْتِقَامَةِ الْمَعْنَى. وَقَوْلُهُ كُنَّا لَيْسَ مِنْ قَبِيلِ الْمَرْفُوعِ حَتَّى يَكُونَ مَنْسُوخًا بِقَوْلِهِ: " إنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ " لِأَنَّ النَّسْخَ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَصِحُّ مَعْنَاهُ وَلَيْسَ تَكَرُّرُ ذَلِكَ مَظِنَّةً لِعِلْمِهِ بِهِ مِنْهُمْ لِأَنَّهُ فِي التَّشَهُّدِ وَالتَّشَهُّدُ سِرٌّ اهـ. بِحُرُوفِهِ. وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الرَّحْمَانِيُّ: يُحْتَمَلُ أَنَّ قَوْلَهُمْ كَانَ بِاجْتِهَادٍ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَسْمَعْهُ إلَّا حِينَ أَنْكَرَهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَكَرُّرِهِ مِنْهُمْ سَمَاعُهُ لِإِسْرَارِهِمْ بِهِ لَكِنَّهُ لَا يَتَأَتَّى جَوَازُ الِاجْتِهَادِ مَعَ وُجُودِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ كَمَا أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّ لَهُ الِاجْتِهَادَ مُطْلَقًا اهـ. وَقَوْلُهُ مُطْلَقًا أَيْ فِي الْحُرُوبِ وَالْآرَاءِ وَالْأَحْكَامِ خِلَافًا لِمَنْ خَصَّهُ بِالْحُرُوبِ وَالْآرَاءِ قَوْلُهُ: (قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ) اُسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ فَرْضَ التَّشَهُّدِ مُتَأَخِّرٌ عَنْ فَرْضِ الصَّلَاةِ، وَأَنَّ صَلَاةَ جِبْرِيلَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ الْجُلُوسُ فِيهَا مُسْتَحَبًّا أَوْ وَاجِبًا بِلَا ذِكْرٍ م ر. وَقَوْلُهُ: بِلَا ذِكْرٍ فِيهِ نَظَرٌ إذْ نَفْسُ الرِّوَايَةِ مُصَرِّحَةٌ بِالذِّكْرِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: كُنَّا نَقُولُ السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ اهـ اج قَوْلُهُ: (قَبْلَ عِبَادِهِ) أَيْ قَبْلَ أَنْ نَقُولَ السَّلَامُ عَلَى عِبَادِهِ أَيْ قَبْلَ أَنْ نَقُولَ السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ إلَخْ. فَقَوْلُهُ السَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ إلَخْ بَيَانٌ لِعِبَادِهِ، وَمَعْنَى السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ طَلَبُ سَلَامَتِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute