للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَا تَقُولُوا السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ وَلَكِنْ قُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ» إلَخْ. رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَالدَّلَالَةُ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا التَّعْبِيرُ بِالْفَرْضِ. وَالثَّانِي: الْأَمْرُ بِهِ وَالْمُرَادُ فَرْضُهُ فِي الْجُلُوسِ آخِرَ الصَّلَاةِ، وَأَقَلُّهُ مَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ فِيهِ حَسَنٌ صَحِيحٌ: «التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ فَرْضُهُ فِي الْجُلُوسِ آخِرَ الصَّلَاةِ، وَأَقَلُّهُ: سَلَامٌ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، سَلَامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَوْ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» ، وَهَلْ يُجْزِئُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ؟ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: الصَّوَابُ إجْزَاؤُهُ لِثُبُوتِهِ فِي تَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِلَفْظِ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ، وَقَدْ حَكَوْا الْإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ التَّشَهُّدِ بِالرِّوَايَاتِ كُلِّهَا وَلَا أَعْلَمُ أَحَدًا اشْتَرَطَ لَفْظَةَ عَبْدِهِ اهـ. وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَأَكْمَلُهُ التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا

ــ

[حاشية البجيرمي]

مِنْ النَّقَائِصِ. وَقَوْلُهُ: السَّلَامُ عَلَى فُلَانٍ أَيْ مَا صَدَّقَهُ كَإِسْرَافِيلَ فَالْمُرَادُ بِهِ وَاحِدٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ. وَقَوْلُهُ: «فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلَامُ» لِأَنَّ السَّلَامَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى قَوْلُهُ: «لَا تَقُولُوا السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ» إلَخْ إنْ قُلْت لَفْظُ السَّلَامِ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ اسْمِ اللَّهِ وَالتَّحِيَّةِ، فَقَوْلُ الْقَائِلِ: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ مَعْنَاهُ التَّحِيَّةُ أَيْ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ، فَكَيْفَ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ مَعَ صِحَّةِ مَعْنَاهُ؟ قُلْت: تَحَاشِيًا عَنْ اللَّفْظِ الْمُوهِمِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ مَا ذَكَرَ اهـ. قَوْلُهُ: (آخِرَ الصَّلَاةِ) أَيْ «لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ وَلَمْ يَتَشَهَّدْ ثُمَّ سَجَدَ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ سَجْدَتَيْنِ» .

قَوْلُهُ: (وَأَقَلُّهُ إلَخْ) وَلَا يَجُوزُ إبْدَالُ لَفْظٍ مِنْ هَذَا الْأَقَلِّ وَلَوْ بِمُرَادِفِهِ نَحْوِ: أَعْلَمُ بَدَلَ أَشْهَدُ وَلَا أَحْمَدَ بَدَلُ مُحَمَّدٍ. وَفِي الْأَنْوَارِ يَأْتِي فِيهِ نَظِيرُ مَا مَرَّ فِي الْفَاتِحَةِ مِنْ مُرَاعَاةِ التَّشْدِيدِ وَعَدَمِ الْإِبْدَالِ وَغَيْرِهِمَا. نَعَمْ فِي النَّبِيِّ لُغَتَانِ الْهَمْزُ وَالتَّشْدِيدُ، فَيَجُوزُ كُلٌّ مِنْهُمَا لَا تَرْكُهُمَا مَعًا، وَعَلَى هَذَا لَوْ أَظْهَرَ النُّونَ الْمُدْغَمَةَ فِي اللَّامِ فِي أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ أُبْطِلَ لِتَرْكِهِ شَدَّةً وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ حَرْفٍ. نَعَمْ لَا يَبْعُدُ عُذْرُ الْجَاهِلِ لِخَفَائِهِ عَلَيْهِ م ر. وَفِيهِ أَنَّهُ لَمْ يُسْقِطْ حَرْفًا وَإِنَّمَا أَظْهَرَ الْمُدْغَمَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَوْ أَظْهَرَ التَّنْوِينَ الْمُدْغَمَ فِي الرَّاءِ فِي وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَفِيهِ أَنَّ هَذَا لَا يَزِيدُ عَلَى اللَّحْنِ الَّذِي لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى عَلَى أَنَّ الْبَزِّيَّ خَيَّرَ بَيْنَ الْإِدْغَامِ وَالْإِظْهَارِ فِيهِمَا أَيْ فِي النُّونِ وَالتَّنْوِينِ مَعَ اللَّامِ وَالرَّاءِ، وَلَوْ فَتَحَ اللَّامَ مِنْ رَسُولُ لَمْ يَضُرَّ لِأَنَّهُ لَا يُغَيِّرُ الْمَعْنَى وَلَا حُرْمَةَ مَعَ الْعِلْمِ وَالتَّعَمُّدِ. نَعَمْ لَوْ نَوَى الْعَالِمُ بِهِ الْوَصْفِيَّةَ وَلَمْ يُضْمِرْ خَبَرًا لِأَنَّهُ أُبْطِلَ لِفَسَادِ الْمَعْنَى، وَحَيْثُ جُعِلَ أَقَلُّ التَّشَهُّدِ كَالْفَاتِحَةِ فَمَتَى أَبْدَلَ حَرْفًا مِنْهُ بِآخَرَ لَمْ تَصِحَّ قِرَاءَةُ تِلْكَ الْكَلِمَةِ. وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَلَا تَبْطُلُ إلَّا حَيْثُ كَانَ عَامِدًا عَالِمًا وَقَدْ غَيَّرَ ذَلِكَ الْإِبْدَالُ الْمَعْنَى. اهـ. حَلَبِيٌّ عَلَى الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ: وَعَلَى هَذَا لَوْ أَظْهَرَ النُّونَ الْمُدْغَمَةَ إلَى قَوْلِهِ أَبْطَلَ ضَعِيفٌ. وَقَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَوْ أَظْهَرَ التَّنْوِينَ إلَخْ الْمُعْتَمَدِ فِي هَذَيْنِ عَدَمُ الْبُطْلَانِ كَمَا فِي الشبراملسي، لِأَنَّهُ لَمَّا أَظْهَرَ التَّنْوِينَ فِي الصِّيغَةِ الْأُخْرَى وَهِيَ: وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ لَمْ يَضُرَّ إظْهَارُهُ هُنَا. وَقَوْلُهُ لَا تَرْكُهُمَا مَعًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْوَقْفِ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ خِلَافًا لِلْقَلْيُوبِيِّ حَيْثُ جَوَّزَا إسْقَاطَهُمَا مَعًا فِي الْوَقْفِ.

قَوْلُهُ: (سَلَامٌ عَلَيْك) وَحَذْفُ تَنْوِينِ سَلَامٌ مُبْطِلٌ عَلَى الْمُعْتَمَدِ قَوْلُهُ: (وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ إلَخْ) . وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ يَكْفِي وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ عَلَى مَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ. وَذِكْرُ الْوَاوِ بَيْنَ الشَّهَادَتَيْنِ لَا بُدَّ مِنْهُ، وَإِنَّمَا لَمْ تَجِبْ فِي الْأَذَانِ لِأَنَّهُ طُلِبَ فِيهِ إفْرَادُ كُلِّ كَلِمَةٍ بِنَفَسٍ وَذَلِكَ يُنَاسِبُ تَرْكَ الْعَطْفِ، وَتَرْكُهَا فِي الْإِقَامَةِ لَا يَضُرُّ إلْحَاقًا لَهَا بِأَصْلِهَا وَهُوَ الْأَذَانُ زِيَادِيٌّ قَوْلُهُ: (بِلَفْظِ عَبْدِهِ وَرَسُولِهِ) هَذَا لَا يُنْتِجُ الْمُدَّعَى لِأَنَّ الْمُدَّعَى أَنَّهُ يُجْزِئُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُهُ وَهَذَا فِيهِ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إلَّا أَنْ يُقَالَ مَحَلُّ الِاسْتِدْلَالِ الِاكْتِفَاءُ بِالضَّمِيرِ قَوْلُهُ: (وَأَكْمَلُهُ التَّحِيَّاتُ إلَخْ) بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ، جَمْعُ تَحِيَّةٍ وَهِيَ مَا يُحَيَّا بِهِ مِنْ سَلَامٍ وَغَيْرِهِ وَمِنْهُ {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ} [النساء: ٨٦] الْآيَةَ. وَقِيلَ الْمُلْكُ وَقِيلَ الْعَظَمَةُ وَقِيلَ السَّلَامَةُ مِنْ الْآفَاتِ، وَالْقَصْدُ بِذَلِكَ الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ مَالِكٌ لِجَمِيعِ التَّحِيَّاتِ مِنْ الْخَلْقِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>