للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ.

(وَ) الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ (الصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ) أَيْ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {صَلُّوا عَلَيْهِ} [الأحزاب: ٥٦]

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَإِنَّمَا جُمِعَتْ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُلُوكِ كَانَ لَهُ تَحِيَّةٌ مَعْرُوفَةٌ

وَقَدْ وَرَدَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ لَمَّا جَاوَزَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى غَشِيَتْهُ سَحَابَةٌ مِنْ نُورٍ فِيهَا مِنْ الْأَلْوَانِ مَا شَاءَ اللَّهُ، فَوَقَفَ جِبْرِيلُ وَلَمْ يَسِرْ مَعَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ: أَتَتْرُكُنِي أَسِيرُ مُنْفَرِدًا فَقَالَ جِبْرِيلُ {وَمَا مِنَّا إِلا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} [الصافات: ١٦٤] فَقَالَ: سِرْ مَعِي وَلَوْ خُطْوَةً فَسَارَ مَعَهُ خُطْوَةً فَكَادَ أَنْ يَحْتَرِقَ مِنْ النُّورِ وَالْجَلَالِ وَالْهَيْبَةِ وَصَغُرَ وَذَابَ حَتَّى صَارَ قَدْرَ الْعُصْفُورِ، فَأَشَارَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يُسَلِّمَ عَلَى رَبِّهِ إذَا وَصَلَ مَكَانَ الْخِطَابِ، فَلَمَّا وَصَلَ النَّبِيُّ إلَيْهِ قَالَ: التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ فَحَبَّ النَّبِيُّ أَنْ يَكُونَ لِعِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ نَصِيبٌ مِنْ هَذَا الْمَقَامِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ فَقَالَ جَمِيعُ أَهْلِ السَّمَوَاتِ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ» . وَإِنَّمَا لَمْ يَحْصُلْ لِلنَّبِيِّ مِثْلُ مَا حَصَلَ لِجِبْرِيلَ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَعَدَمِ الطَّاقَةِ لِأَنَّ النَّبِيَّ مُرَادٌ وَمَطْلُوبٌ، فَأَعْطَاهُ اللَّهُ قُوَّةً وَاسْتِعْدَادًا لِتَحَمُّلِ هَذَا الْمَقَامِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَلِذَلِكَ لَمَّا تَجَلَّى اللَّهُ لِلْجَبَلِ انْدَكَّ وَغَارَ فِي الْأَرْضِ وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا مِنْ الْجَلَالِ لِأَنَّ مُوسَى طَالِبٌ وَمُرِيدٌ وَمُحَمَّدٌ مَطْلُوبٌ وَمُرَادٌ، وَفَرْقٌ كَبِيرٌ بَيْنَ الْمَقَامَيْنِ. اهـ. حِفْنِيٌّ. وَذَكَرَ الْفَشْنِيُّ فِي شَرْحِ الْأَرْبَعِينَ أَنَّهُ وَرَدَ «أَنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً اسْمُهَا التَّحِيَّاتُ، وَعَلَيْهَا طَائِرٌ اسْمُهُ الْمُبَارَكَاتُ، وَتَحْتَهَا عَيْنٌ اسْمُهَا الطَّيِّبَاتُ فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ ذَلِكَ فِي كُلِّ صَلَاةٍ نَزَلَ ذَلِكَ الطَّائِرُ مِنْ فَوْقِ الشَّجَرَةِ وَانْغَمَسَ فِي تِلْكَ الْعَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا وَهُوَ يَنْفُضُ أَجْنِحَتَهُ فَيَتَقَطَّرُ الْمَاءُ مِنْ عَلَيْهِ فَيَخْلُقُ اللَّهُ مِنْ كُلِّ قَطْرَةٍ مِنْهُ مَلَكًا يَسْتَغْفِرُ لِذَلِكَ الْعَبْدِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ» . اهـ. بِرْمَاوِيٌّ قَوْلُهُ: (الْمُبَارَكَاتُ) أَيْ النَّامِيَاتُ وَالْبَرَكَةُ النَّمَاءُ، وَثُبُوتُ الْخَيْرِ الْإِلَهِيِّ وَالصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ أَوْ أَعَمُّ، وَالطَّيِّبَاتُ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ وَالسَّلَامُ مِنْ أَسْمَائِهِ تَعَالَى فَالْمَعْنَى اسْمُ اللَّهِ عَلَيْك وَعَلَيْنَا أَيْ الْحَاضِرِينَ: وَالصَّالِحُ الْمُسْلِمُ أَوْ الْقَائِمُ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ الْعِبَادِ، وَالْحَمِيدُ الْمَحْمُودُ وَالْمَجِيدُ الْكَامِلُ فِي الشَّرَفِ رَحْمَانِيٌّ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُبَارَكَاتِ إلَخْ كُلَّهَا مَعْطُوفَةٌ عَلَى التَّحِيَّاتِ بِحَذْفِ حَرْفِ الْعَطْفِ، وَلَيْسَتْ نُعُوتًا كَمَا لَا يُخْفِي شَيْخُنَا. وَلَوْ أَخَلَّ بِتَرْتِيبِ التَّشَهُّدِ نُظِرَ إنْ غَيَّرَ تَغَيُّرًا مُبْطِلًا لِلْمَعْنَى لَمْ يُحْسَبْ مَا جَاءَ بِهِ وَإِنْ تَعَمَّدَهُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وَإِنْ لَمْ يَبْطُلْ الْمَعْنَى أَجْزَأَهُ عَلَى الْمَذْهَبِ شَرْحُ الْمَنْهَجِ. وَقَوْلُهُ إنْ غَيَّرَ تَغَيُّرًا مُبْطِلًا لِلْمَعْنَى كَأَنْ يَقُولَ التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ عَلَيْك السَّلَامُ لِلَّهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ لِلَّهِ خَبَرُ التَّحِيَّاتِ وَعَلَيْك خَبَرُ السَّلَامِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ وَعِبَارَةُ شَرْحِ شَيْخِنَا. وَلَا يُشْتَرَطُ تَرْتِيبُ التَّشَهُّدِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ حَيْثُ لَمْ يُغَيِّرْ مَعْنَاهُ، فَإِنْ غَيَّرَ لَمْ تَصِحَّ وَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ إنْ تَعَمَّدَ، أَمَّا مُوَالَاتُهُ فَشَرْطٌ كَمَا فِي التَّتِمَّةِ. وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ: إنَّهُ قِيَاسُ مَا مَرَّ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، وَأَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - اهـ. وَعِبَارَةُ ق ل عَلَى التَّحْرِيرِ قَوْلُهُ: وَتَجِبُ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ كَلِمَاتِ التَّشَهُّدِ بِأَنْ لَا يَفْصِلَ بَيْنَ كَلِمَاتِهِ بِغَيْرِهَا، وَلَوْ مِنْ ذِكْرٍ أَوْ قُرْآنٍ. نَعَمْ يُغْتَفَرُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ بَعْدَ إلَّا اللَّهُ لِأَنَّهَا وَرَدَتْ فِي رِوَايَةٍ اهـ. وَلَا يَضُرُّ زِيَادَةُ يَاءِ النِّدَاءِ قَبْلَ " أَيُّهَا " وَمِيمٍ فِي عَلَيْك كَمَا قَالَهُ ق ل.

قَوْلُهُ: (وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَخْ) حَاصِلُ مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ ادَّعَتْ دَعَاوَى ثَلَاثَةً: الدَّعْوَى الْأُولَى وُجُوبُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالثَّانِيَةُ: كَوْنُهَا فِي الصَّلَاةِ. وَالثَّالِثَةُ: كَوْنُهَا فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ. وَلَا بُدَّ لِكُلِّ دَعْوَى مِنْ دَلِيلٍ، فَأَمَّا دَلِيلُ الْأُولَى فَقَوْلُهُ صَلُّوا وَقُولُوا فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ، وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، وَأَمَّا دَلِيلُ الثَّانِيَةِ فَالْحَدِيثُ الَّذِي زِيدَ فِيهِ فِي صَلَاتِنَا، وَأَمَّا دَلِيلُ الثَّالِثَةِ فَصَلَاتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى نَفْسِهِ فِي الْوِتْرِ وَقَوْلُهُ «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ قَوْلُهُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>