سِنِينَ، وَالْمُوَطَّأَ وَهُوَ ابْنُ عَشَرَةٍ. وَتَفَقَّهَ عَلَى مُسْلِمِ بْنِ خَالِدٍ مُفْتِي مَكَّةَ الْمَعْرُوفِ بِالزَّوْجِيِّ لِشِدَّةِ شُقْرَتِهِ مِنْ بَابِ أَسْمَاءِ الْأَضْدَادِ، وَأَذِنَ لَهُ فِي الْإِفْتَاءِ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً مَعَ أَنَّهُ نَشَأَ يَتِيمًا فِي حِجْرِ أُمِّهِ فِي قِلَّةٍ مِنْ الْعَيْشِ وَضِيقِ حَالٍ، وَكَانَ فِي صِبَاهُ يُجَالِسُ الْعُلَمَاءَ وَيَكْتُبُ مَا يَسْتَفِيدُهُ فِي الْعِظَامِ وَنَحْوِهَا حَتَّى مَلَأَ مِنْهَا خَبَايَا. ثُمَّ رَحَلَ إلَى مَالِكٍ بِالْمَدِينَةِ وَلَازَمَهُ مُدَّةً، ثُمَّ قَدِمَ بَغْدَادَ سَنَةَ خَمْسٍ وَتِسْعِينَ وَمِائَةٍ فَأَقَامَ بِهَا سَنَتَيْنِ فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ عُلَمَاؤُهَا وَرَجَعَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ عَنْ مَذَاهِبَ كَانُوا عَلَيْهَا إلَى مَذْهَبِهِ.
وَصَنَّفَ بِهَا كِتَابَهُ الْقَدِيمَ، ثُمَّ عَادَ إلَى مَكَّةَ فَأَقَامَ بِهَا مُدَّةً، ثُمَّ عَادَ إلَى بَغْدَادَ سَنَةَ ثَمَانٍ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الشَّافِعِيِّ أَرْبَعٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً، وَعُمُرُ أَحْمَدَ سَبْعٌ وَسَبْعُونَ سَنَةً وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ تَارِيخَ وِلَادَتِهِمْ وَمَوْتِهِمْ وَمِقْدَارَ عُمُرِهِمْ فِي قَوْلِهِ:
تَارِيخُ نُعْمَانَ يَكُنْ سَيْفٌ سَطَا ... وَمَالِكٍ فِي قَطْعِ جَوْفٍ ضَبَطَا
وَالشَّافِعِيِّ صِينَ بِبَرْنَدْ ... وَأَحْمَدَ بِسَبْقِ أَمْرٍ جَعَدْ
فَاحْسُبْ عَلَى تَرْتِيبِ نَظْمِ الشِّعْرِ ... مِيلَادَهُمْ فَمَوْتَهُمْ فَالْعُمْرِ
قَوْلُهُ: (بِالزِّنْجِيِّ) بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ، وَمُسْلِمٌ أَخَذَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُرَيْجٍ، وَمُحَمَّدٌ أَخَذَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ رَبَاحٍ، وَعَطَاءٌ أَخَذَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالنَّبِيُّ عَنْ جِبْرِيلَ، وَجِبْرِيلُ عَنْ الْعَلِيِّ الْأَعْلَى.
قَوْلُهُ: (وَأُذِنَ لَهُ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ لِأَنَّ الْآذِنَ لَهُ فِيهِ هُوَ مَالِكٌ كَمَا فِي شَرْحِ م ر حَيْثُ قَالَ: وَأَذِنَ لَهُ مَالِكٌ فِي الْإِفْتَاءِ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَرَأَيْت بِخَطِّ بَعْضِ الْفُضَلَاءِ وَأَذِنَ أَيْ مُسْلِمٌ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ.
وَصَرَّحَ بِهِ الْإِسْنَوِيُّ وَلَا تَنَافِي لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْإِذْنَ صَدَرَ مِنْهُمَا لَهُ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ. قَوْلُهُ: (مَعَ أَنَّهُ إلَخْ) مُتَعَلِّقٌ بِحَفِظَ وَمَا بَعْدَهُ أَيْ مَعَ أَنَّ مَنْ كَانَ كَذَلِكَ شَأْنُهُ أَنْ لَا يَكُونَ كَذَلِكَ. وَحَاصِلُهُ التَّعَجُّبُ مِنْ حَالِهِ مَعَ كَوْنِهِ يَتِيمًا، وَذَكَرُوا أَنَّ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لَمَّا سَلَّمُوهُ إلَى الْمَكْتَبِ مَا كَانُوا يَجِدُونَ أُجْرَةَ الْمُعَلِّمِ، وَكَانَ الْمُعَلِّمُ يُقَصِّرُ فِي التَّعْلِيمِ إلَّا أَنَّ الْمُعَلِّمَ كُلَّمَا عَلَّمَ صَبِيًّا كَانَ الشَّافِعِيُّ يَتَلَقَّفُ ذَلِكَ الْكَلَامَ أَيْ يَتَنَاوَلُهُ وَيَحْفَظُهُ بِسَمَاعِهِ مِنْ مُعَلِّمِ الصِّبْيَانِ الَّذِينَ فِي الْمَكْتَبِ، ثُمَّ إذَا قَامَ الْمُعَلِّمُ مِنْ مَكَانِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ يُعَلِّمُ الصِّبْيَانَ فَنَظَرَ الْمُعَلِّمُ فَرَأَى الشَّافِعِيَّ يَكْفِيهِ أَمْرَ الصِّبْيَانِ أَكْثَرَ مِنْ الْأُجْرَةِ الَّتِي كَانَ يَطْمَعُ بِهَا مِنْهُ فَتَرَكَ طَلَبَ الْأُجْرَةِ وَاسْتَمَرَّ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ.
قَوْلُهُ: (وَيَكْتُبُ مَا يَسْتَفِيدُهُ فِي الْعِظَامِ وَنَحْوِهَا) لِعَجْزِهِ عَنْ ثَمَنِ الْوَرَقِ لِأَنَّهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ فَقِيرًا. قَوْلُهُ: (خَبَايَا) جَمْعُ خَبِيَّةٍ وَهِيَ جِرَارُ الْفَخَّارِ وَنَحْوُهَا، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ أَوَّلَ كَاغَدٍ أَيْ وَرَقٍ عُمِلَ فِي الْأَرْضِ لِسَيِّدِنَا يُوسُفَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا وَعَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْقُرْآنَ قَبْلَ أَنْ يَجْمَعَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ كَانَ مَكْتُوبًا عَلَى الْأَكْتَافِ وَالْعُسُبِ وَاللِّخَافِ بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَهَا أَلِفٌ فِي آخِرِهَا فَاءٌ الْحِجَارَةُ الرَّقِيقَةُ وَاحِدُهُ لَخْفٌ، وَالْعُسُبُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَتَيْنِ جَمْعُ عَسِيبٍ اسْمٌ لِجُدُورِ الْجَرِيدِ وَهِيَ الْقِحْفُ الْمَشْهُورَةُ الْآنَ، وَقِيلَ اسْمٌ لِمُطْلَقِ الْجَرِيدِ اهـ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ رَحَلَ إلَى مَالِكٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَلَا يُنَافِي مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْآذِنَ لَهُ فِي الْإِفْتَاءِ هُوَ مَالِكٌ، لِأَنَّ هَذَا مُرَتَّبٌ عَلَى قَوْلِهِ: وَكَانَ فِي صِبَاهُ يُجَالِسُ الْعُلَمَاءَ إلَخْ. فَهُوَ تَفْصِيلٌ لِمَا أَجْمَلَهُ أَوَّلًا، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهُ رَحَلَ فِي سَنَةِ الْإِذْنِ مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ وَهِيَ سَنَةُ خَمْسَ عَشْرَةَ، فَلَمَّا رَآهُ مَاهِرًا أَذِنَ لَهُ هُوَ أَيْضًا فِي تِلْكَ السَّنَةِ، فَقَدْ حَصَلَ الْإِذْنُ لَهُ مِنْ مُفْتِي مَكَّةَ وَمُفْتِي الْمَدِينَةِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا مَرَّ اهـ م د. فَقَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ مَالِكٍ مُتَعَلِّقٌ بِالْإِذْنِ.
قَوْلُهُ: (بَغْدَادَ) قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْمَجْمُوعِ: وَفِي بَغْدَادَ أَرْبَعُ لُغَاتٍ: إحْدَاهَا بِدَالَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ، وَالثَّانِيَةُ بِإِهْمَالِ الْأُولَى وَإِعْجَامِ الثَّانِيَةِ، وَالثَّالِثَةُ بَغْدَانُ بِالنُّونِ، وَالرَّابِعَةُ مَغْدَانُ بِالْمِيمِ أَوَّلَهَا اهـ خَضِرٌ عَلَى التَّحْرِيرِ
قَوْلُهُ: (وَصَنَّفَ بِهَا كِتَابَهُ الْقَدِيمَ) وَرُوَاتُهُ أَرْبَعَةٌ أَجَلُّهُمْ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَالْكَرَابِيسِيُّ، وَالزَّعْفَرَانِيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَرُوَاةُ الْجَدِيدِ أَرْبَعَةٌ أَيْضًا الْمُزَنِيّ وَالْبُوَيْطِيُّ وَالرَّبِيعُ الْجِيزِيُّ وَالرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ رَاوِي الْأُمِّ وَغَيْرِهَا عَنْ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -. قَالَ الْإِمَامُ فِيهِ: إنَّهُ أَحْفَظُ أَصْحَابِي رَحَلَتْ النَّاسُ إلَيْهِ مِنْ أَقْطَارِ الْأَرْضِ لِيَأْخُذُوا عَنْهُ عِلْمَ الشَّافِعِيِّ، فَهُوَ الْمُرَادُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، وَأَمَّا الرَّبِيعُ الْجِيزِيُّ فَلَمْ يَنْقُلْ عَنْ الشَّافِعِيِّ إلَّا كَرَاهَةَ الْقِرَاءَةِ بِالْأَلْحَانِ أَيْ الْأَنْغَامِ وَأَنَّ الشَّعْرَ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ تَبَعًا لِلْجِلْدِ اهـ طَبَقَاتُ الْإِسْنَوِيِّ ع ش عَلَى م ر. وَالْفَتْوَى عَلَى مَا فِي