اللَّيْلِ
وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُؤَذِّنِ وَالْمُقِيمِ الْإِسْلَامُ وَالتَّمْيِيزُ وَلِغَيْرِ النِّسَاءِ الذُّكُورَةُ وَيُسَنُّ مُؤَذِّنَانِ لِلْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِ، وَمِنْ فَوَائِدِهِمَا أَنْ يُؤَذِّنَ وَاحِدٌ لِلصُّبْحِ قَبْلَ الْفَجْرِ وَآخَرُ بَعْدَهُ.
وَيُسَنُّ لِسَامِعِ الْمُؤَذِّنِ وَالْمُقِيمِ أَنْ يَقُولَ مِثْلَ قَوْلِهِمَا إلَّا فِي
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (وَيُشْتَرَطُ فِي الْمُؤَذِّنِ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ مَا يُشْتَرَطُ لِلْأَذَانِ وَالْإِقَامَةِ عَلَى قِسْمَيْنِ مَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا لِذَاتِهِمَا كَالْوَقْتِ وَالتَّرْتِيبِ وَالْجَهْرِ لِجَمَاعَةٍ وَعَدَمِ بِنَاءِ غَيْرٍ، وَمَا يُشْتَرَطُ فِيهِمَا لَا لِذَاتِهِمَا بَلْ لِفَاعِلِهِمَا وَهُوَ الْإِسْلَامُ وَالتَّمْيِيزُ وَكَذَا الذُّكُورَةُ بِالنِّسْبَةِ لِلْأَذَانِ قَوْلُهُ: (الْإِسْلَامُ) فَلَا يَصِحُّ مِنْ الْكَافِرِ، فَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ لِنُطِقْهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ إلَّا إنْ كَانَ عِيسَوِيًّا، وَلَا يُعْتَدُّ بِأَذَانِهِ إلَّا إنْ أَعَادَهُ ثَانِيًا. وَالْعِيسَوِيُّ شَخْصٌ مِنْ طَائِفَةِ الْيَهُودِ، مَنْسُوبٌ إلَى أَبِي عِيسَى إِسْحَاقَ بْنِ يَعْقُوبَ الْأَصْفَهَانِيِّ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ مُحَمَّدًا أُرْسِلَ إلَى الْعَرَبِ خَاصَّةً. وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ} [إبراهيم: ٤] رَاجِعْ تَفْسِيرَ الْفَخْرِ اهـ ح ل. وَيُكْرَهُ أَذَانُ الصَّبِيِّ وَالْفَاسِقِ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ أَذَانُهُمَا لِغَيْرِهِمَا، أَمَّا أَذَانُهُمَا لِنَفْسِهِمَا فَيَتَعَيَّنُ الْقَوْلُ بِاسْتِحْبَابِهِ اهـ سم اهـ اج.
قَوْلُهُ: (وَلِغَيْرِ النِّسَاءِ الذُّكُورَةُ) لَوْ قَالَ: وَذُكُورَةُ الْمُؤَذِّنِ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْوَاقِعَ مِنْ النِّسَاءِ صُورَةُ أَذَانٍ لَا أَذَانٌ لِأَنَّهُ مِنْهُنَّ ذِكْرٌ فَقَطْ إذْ هُوَ مِنْ وَظَائِفِ الذُّكُورِ، فَلَا يُسَنُّ لِلْأُنْثَى وَلَا لِلْخُنْثَى مُطْلَقًا، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ رَفْعِ الصَّوْتِ مُطْلَقًا وَبِدُونِهِ مَعَ قَصْدِ التَّشْبِيهِ. نَعَمْ لَوْ أَذَّنَ الْخُنْثَى فَبَانَتْ ذُكُورَتُهُ عَقِبَ أَذَانِهِ أَجْزَأَ كَمَا فِي شَرْحِ م ر. أَيْ فَيُشْتَرَطُ لِوُجُودِ الْحُرْمَةِ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إمَّا رَفْعُ الصَّوْتِ أَوْ قَصْدُ التَّشَبُّهِ بِالرِّجَالِ، وَالْعِلَّةُ الْمُعْتَمَدَةُ فِي الْحُرْمَةِ إنَّمَا هِيَ قَصْدُ التَّشَبُّهِ بِالرِّجَالِ وَهُوَ حَرَامٌ لَا خَوْفَ الْفِتْنَةِ خِلَافًا لِلشَّيْخِ تَبَعًا لِشَيْخِهِ الْجَلَالِ الْمَحَلِّيِّ فِي ش الْمِنْهَاجِ، حَيْثُ عَلَّلَ ذَلِكَ بِخَوْفِ الْفِتْنَةِ زِيَادِيٌّ. وَحَاصِلُهُ كَمَا فِي ش م ر وَغَيْرِهِ أَنَّهُ مَعَ الرَّفْعِ فَوْقَ مَا يَسْمَعُ صَوَاحِبَاتُهَا حَرَامٌ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ، كَانَ ثَمَّ أَجْنَبِيٌّ أَمْ لَا، وَسَوَاءٌ قَصَدَتْ التَّشَبُّهَ أَمْ لَا لِأَنَّ الرَّفْعَ مِنْ خَصَائِصِ الرِّجَالِ، وَمَعَ عَدَمِ الرَّفْعِ إنْ قَصَدَتْ التَّشَبُّهَ حُرِّمَ وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَلَا يُشْكِلُ بِجَوَازِ غِنَائِهَا مَعَ اسْتِمَاعِ الرَّجُلِ لَهُ لِأَنَّ الْغِنَاءَ يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ اسْتِمَاعُهُ عِنْدَ أَمْنِ الْفِتْنَةِ وَالْأَذَانِ يُسْتَحَبُّ لَهُ اسْتِمَاعُهُ، فَلَوْ جَوَّزْنَاهُ لِلْمَرْأَةِ لَأَدَّى إلَى أَنْ يُؤْمَرَ الرَّجُلُ بِاسْتِمَاعِ مَا يَخْشَى مِنْهُ الْفِتْنَةَ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، وَلِأَنَّ فِيهَا تَشْبِيهًا بِالرِّجَالِ بِخِلَافِ الْغِنَاءِ فَإِنَّهُ مِنْ شِعَارِ النِّسَاءِ، وَلِأَنَّ الْغِنَاءَ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ وَالْأَذَانَ عِبَادَةٌ، وَالْمَرْأَةُ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِهَا فَيَحْرُمُ عَلَيْهَا تَعَاطِيهَا كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا تَعَاطِي الْعِبَادَةِ الْفَاسِدَةِ، وَلِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ النَّظَرُ لِلْمُؤَذِّنِ حَالَ أَذَانِهِ، فَلَوْ اسْتَحْسَنَاهُ لِلْمَرْأَةِ لَأُمِرَ السَّامِعُ بِالنَّظَرِ إلَيْهَا وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَقْصُودِ الشَّارِعِ، وَلِأَنَّ الْغِنَاءَ مِنْهَا إنَّمَا يُبَاحُ بِحَضْرَةِ الْأَجَانِبِ الَّذِينَ يُؤْمَنُ افْتِتَانُهُمْ بِصَوْتِهَا، وَالْأَذَانُ مَشْرُوعٌ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ فَلَمْ يُحْكَمْ بِالْأَمْنِ مِنْ الِافْتِتَانِ فَمُنِعَتْ مِنْهُ. وَفَارَقَ الرَّفْعُ هُنَا الرَّفْعَ بِالتَّلْبِيَةِ بِأَنَّ الْإِصْغَاءَ إلَيْهَا غَيْرُ مَطْلُوبٍ لَكِنْ فِي الْأَذْكَارِ: وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ رَفْعُ الصَّوْتِ بِهَا، وَعُلِّلَ بِخَوْفِ الْفِتْنَةِ فَتَأَمَّلْ. وَيُؤْخَذُ مِمَّا مَرَّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ غِنَائِهَا وَأَذَانِهَا جَوَازُ رَفْعِ صَوْتِهَا بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجِهَا وَإِنْ كَانَ الْإِصْغَاءُ لِلْقِرَاءَةِ مَنْدُوبًا وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَأَفْتَى بِهِ م ر قَالُوا: فَقَدْ صَرَّحُوا بِكَرَاهَةِ جَهْرِهَا بِهَا فِي الصَّلَاةِ بِحَضْرَةِ أَجْنَبِيٍّ وَعَلَّلُوهُ بِخَوْفِ الِافْتِتَانِ اهـ م د.
قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ مُؤَذِّنَانِ لِلْمَسْجِدِ) لَعَلَّ الْمُرَادَ يُؤَذِّنَانِ عَلَى التَّنَاوُبِ هَذَا فِي وَقْتٍ وَهَذَا فِي آخَرَ حَيْثُ لَمْ يَتَّسِعْ الْمَسْجِدُ لَا أَنَّهُمَا يُؤَذِّنَانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ ح ل
قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ لِسَامِعٍ إلَخْ) لِخَبَرِ الطَّبَرَانِيِّ «إنَّ الْمَرْأَةَ إذَا أَجَابَتْ الْأَذَانَ أَوْ الْإِقَامَةَ كَانَ لَهَا بِكُلِّ حَرْفٍ أَلْفُ أَلْفِ دَرَجَةٍ، وَلِلرَّجُلِ ضِعْفُ ذَلِكَ» شَرْحُ حَجّ. وَلِخَبَرِ مُسْلِمٍ «إذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ» وَيُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ: فَقُولُوا أَنْ يَأْتِيَ بِكُلِّ كَلِمَةٍ عَقِبَ فَرَاغِهِ مِنْهَا، وَأَخَذُوا مِنْ قَوْلِهِ مِثْلَ مَا يَقُولُ وَلَمْ يَقُلْ مِثْلَ مَا تَسْمَعُونَ أَنَّهُ يُجِيبُ فِي التَّرْجِيعِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ شَرْحُ م ر وحج. قَالَ سم: وَأَفْهَمَ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ أَيْ النَّوَوِيِّ أَنَّ السَّامِعَ يُجِيبُ وَإِنْ لَمْ يَفْهَمْ مَا يَقُولُ وَهُوَ مَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ الزَّرْكَشِيّ فَبَحَثَهُ، وَنَظَرَ الْإِسْنَوِيُّ فِي إجَابَتِهِ لِنَفْسِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُخَاطَبَ يَدْخُلُ فِي الْعُمُومَاتِ الْوَاقِعَةِ مِنْهُ، وَنُوزِعَ فِي وَجْهِ الْبِنَاءِ عَلَى ذَلِكَ، وَاَلَّذِي رَجَّحَهُ غَيْرُهُ أَنَّهُ لَا يُجِيبُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute