للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُشْرِكِينَ، إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ " لِلِاتِّبَاعِ. فَائِدَةٌ: مَعْنَى وَجَّهْت وَجْهِي أَيْ أَقْبَلْتُ بِوَجْهِي، وَقِيلَ قَصَدْتُ بِعِبَادَتِي. وَمَعْنَى فَطَرَ ابْتَدَأَ الْخَلْقَ عَلَى غَيْرِ مِثَالٍ

ــ

[حاشية البجيرمي]

التَّحَرُّمِ طَوِيلًا لَمْ يَفُتْ عَلَيْهِ دُعَاءُ الِافْتِتَاحِ كَمَا قَالَهُ حَجّ. وَيَبْقَى مَا لَوْ أَتَى بِذِكْرٍ غَيْرِ مَشْرُوعٍ قَبْلَ دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ وَالْوَجْهُ فَوَاتُهُ بِهِ وَإِنْ قَلَّ لِخُرُوجِ الِافْتِتَاحِ بِهِ عَنْ كَوْنِهِ افْتِتَاحًا، وَلَعَلَّ مُرَادَ مَنْ عَبَّرَ بِالْعَقِبِيَّةِ عَدَمُ الْفَاصِلِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّحَرُّمِ بِلَفْظِ مُطْلَقًا لَا بِسُكُوتٍ وَإِنْ قَصَدَ بِهِ الْإِعْرَاضَ كَمَا قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ، وَلَا يَفُوتُ الِافْتِتَاحُ بِتَأْمِينِهِ مَعَ إمَامِهِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر.

قَوْلُهُ: (نَحْوَ وَجَّهْتُ وَجْهِي) أَفْهَمَ صَنِيعُهُ أَنَّ لَهُ صِيَغًا أُخَرَ غَيْرَ هَذِهِ وَهُوَ كَذَلِكَ مِنْهَا: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ بِرْمَاوِيٌّ. وَاقْتَصَرَ الشَّارِحُ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ الْأَفْضَلُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَعِبَارَةُ الْمَدَابِغِيِّ عَلَى التَّحْرِيرِ.

وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ: نَحْوُ وَجَّهْت وَجْهِي إلَخْ إلَى أَنَّ دُعَاءَ الِافْتِتَاحِ لَا يَنْحَصِرُ فِي وَجَّهْت إلَخْ. فَقَدْ صَحَّ فِيهِ أَخْبَارٌ مِنْهَا الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ. وَمِنْهَا: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا. وَمِنْهَا: اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ إلَخْ. وَبِأَيِّهَا افْتَتَحَ حَصَلَ أَصْلُ السُّنَّةِ، لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَيْ وَجَّهْتُ وَجْهِي إلَخْ أَفْضَلُهَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ.

وَظَاهِرُهُ اسْتِحْبَابُ الْجَمْعِ بَيْنَ جَمِيعِ ذَلِكَ لِمُنْفَرِدٍ وَإِمَامٍ مِنْ ذَكَرٍ وَهُوَ ظَاهِرٌ خِلَافًا لِلْأَذْرَعِيِّ اهـ شَرْحُ م ر اهـ. وَالْوَجْهُ أَنْ يَجْرِيَ فِي تَرْتِيبِ دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ وَمُوَالَاتِهِ مَا ذَكَرُوهُ فِي التَّشَهُّدِ، وَأَنَّهُ يَحْصُلُ أَصْلُ السُّنَّةِ بِبَعْضِهِ وَتَأْتِي الْأُنْثَى بِمَا فِي الْآيَةِ لِلتَّغْلِيبِ فِي {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: ٧٩] وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَإِرَادَةُ الشَّخْصِ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ: (فَطَرَ السَّمَوَاتِ إلَخْ) جَمَعَ السَّمَوَاتِ لِانْتِفَاعِنَا بِجَمِيعِهَا، لِأَنَّ جَمِيعَ الْكَوَاكِبِ مَا عَدَا السَّبْعَةَ السَّيَّارَةَ مَرْكُوزَةٌ فِي الْفَلَكِ الثَّامِنِ وَهُوَ الْكُرْسِيُّ، وَالسَّبْعَةَ السَّيَّارَةَ مَثْبُوتَةٌ فِي السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَقَدْ نَظَمَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ:

زُحَلٌ شَرَى مِرِّيخَهُ مِنْ شَمْسِهِ ... فَتَزَاهَرَتْ لِعُطَارِدَ الْأَقْمَارُ

فَزُحَلُ فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، وَالْمُشْتَرَى فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ، وَالْمِرِّيخُ فِي الْخَامِسَةِ وَهَكَذَا. وَأَفْرَدَ الْأَرْضَ لِانْتِفَاعِنَا بِالطَّبَقَةِ الْعُلْيَا مِنْهَا فَقَطْ وَإِلَّا فَالْأَرْضُ سَبْعٌ أَيْضًا عَلَى الصَّحِيحِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ} [الطلاق: ١٢] كَمَا ذَكَرَهُ الزَّرْقَانِيُّ وَهِيَ أَفْضَلُ لِأَنَّهَا مَقَرُّ أَجْسَامِ الْأَنْبِيَاءِ، وَالْحَقُّ أَنَّ السَّمَاءَ أَفْضَلُ وَالْخُلْفُ فِي غَيْرِ الْبُقْعَةِ الَّتِي ضَمَّتْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّا هِيَ فَهِيَ أَفْضَلُ حَتَّى مِنْ الْعَرْشِ وَالْكُرْسِيِّ. قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ: وَكَذَا بَقِيَّةُ الْأَنْبِيَاءِ اهـ بِرْمَاوِيٌّ قَوْلُهُ: (حَنِيفًا) حَالٌ مِنْ فَاعِلِ وَجَّهْت، أَيْ مَائِلًا إلَى الدِّينِ الْحَقِّ. وَقَوْلُهُ: وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ تَأْكِيدٌ لِمَا قَبْلَهُ أَوْ تَأْسِيسٌ بِجَعْلِ النَّفْيِ عَائِدًا إلَى سَائِرِ أَنْوَاعِ الشِّرْكِ الظَّاهِرِ وَالْخَفِيِّ لَكِنْ لَا يَسُوغُ إرَادَةُ هَذَا إلَّا لِلْخَوَاصِّ قَوْلُهُ: (وَنُسُكِي) أَيْ عِبَادَتِي فَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ.

وَقَوْلُهُ: وَبِذَلِكَ أُمِرْت هَلْ الْمُشَارُ إلَيْهِ الدُّعَاءُ أَوْ الصَّلَاةُ أَوْ النُّسُكُ أَوْ أَحَدُهُمَا شَوْبَرِيٌّ، وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ قَوْلُهُ: وَبِذَلِكَ أَيْ بِالْإِخْلَاصِ وَالتَّوْحِيدِ قَوْلُهُ: (مِنْ الْمُسْلِمِينَ) نَظْمُ الْقُرْآنِ، {وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: ١٦٣] وَيَجُوزُ الْإِتْيَانُ بِهِ كَذَلِكَ نَظَرًا لِلتِّلَاوَةِ مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادِ مَعْنَاهُ، لِأَنَّ اعْتِقَادَهُ مُكَفِّرٌ لِحُكْمِهِ بِكُفْرِ مَنْ قَبْلَهُ، وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُهُ تَارَةً لِأَنَّهُ أَوَّلُ مُسْلِمِي هَذِهِ الْأُمَّةِ ق ل. أَيْ بِالنَّظَرِ لِلْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ وَإِلَّا فَهُوَ أَوَّلُ جَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ، فَإِنَّ النُّورَ الْمُحَمَّدِيَّ أَوَّلُ مَا خُلِقَ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ النَّبِيَّ مِنْ الْأُمَّةِ وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ أُرْسِلَ حَتَّى لِنَفْسِهِ.

قَوْلُهُ: (أَقْبَلْت بِوَجْهِي) وَقَالَ بَعْضُهُمْ: خَصَّ الْوَجْهَ لِأَنَّهُ أَشْرَفُ الْأَعْضَاءِ وَفِيهِ أَعْظَمُ الْحَوَاسِّ، فَإِذَا خَضَعَ فَغَيْرُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>