. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية البجيرمي]
أَخَذْته عَنْ جِبْرِيلَ عَنْ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ» وَرَوَى نَافِعٌ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» وَقَالَ أَحْمَدُ: الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، جَمْعًا بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ قَوْله تَعَالَى {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [فصلت: ٣٦] وَقَالَ النَّوَوِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ: " أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ".
وَقَدْ اتَّفَقَ الْجُمْهُورُ أَنَّ الِاسْتِعَاذَةَ سُنَّةٌ فِي الصَّلَاةِ، فَلَوْ تَرَكَهَا لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ سَوَاءٌ تَرَكَهَا عَمْدًا أَوْ سَهْوًا. وَيُسْتَحَبُّ لِقَارِئِ الْقُرْآنِ خَارِجَ الصَّلَاةِ أَنْ يَتَعَوَّذَ أَيْضًا، أَيْ فَهِيَ مُسْتَحَبَّةٌ فِي الْقِرَاءَةِ بِكُلِّ حَالٍ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجَ الصَّلَاةِ، وَهِيَ فِي الصَّلَاةِ لِلْقِرَاءَةِ لَا لِلصَّلَاةِ، وَالْمُخْتَارُ الْجَهْرُ بِهَا فِي جَمِيعِ الْقُرْآنِ هَذَا فِي اسْتِعَاذَةِ الْقَارِئِ عَلَى الْمُقْرِئِ أَوْ بِحَضْرَةِ مَنْ يَسْمَعُ قِرَاءَتَهُ، أَمَّا مَنْ قَرَأَ خَالِيًا أَوْ فِي الصَّلَاةِ سِرِّيَّةً كَانَتْ أَوْ جَهْرِيَّةً فَإِخْفَاؤُهَا أَوْلَى. وَمَحَلُّهَا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَيَجُوزُ الْوَقْفُ عَلَيْهَا وَالِابْتِدَاءُ بِمَا بَعْدَهَا بَسْمَلَةٌ أَوْ غَيْرُهَا، وَيَجُوزُ وَصْلُهَا بِالْبَسْمَلَةِ وَالْوَجْهَانِ صَحِيحَانِ وَهَذَا مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ كَإِمَامِنَا الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -. وَحَمَلُوا الْأَمْرَ فِيهَا وَهُوَ ظَاهِرٌ قَوْله تَعَالَى {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [فصلت: ٣٦] عَلَى النَّدْبِ. وَدَلِيلُ الْجُمْهُورِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يُعَلِّمْ الْأَعْرَابِيَّ الِاسْتِعَاذَةَ فِي جُمْلَةِ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِهِ غَيْرُ جَائِزٍ. وَذَهَبَ دَاوُد بْنُ عَلِيٍّ وَأَصْحَابُهُ إلَى وُجُوبِ الِاسْتِعَاذَةِ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [فصلت: ٣٦] وَالْأَمْرُ فِيهَا لِلْوُجُوبِ حَتَّى إنَّهُمْ أَبْطَلُوا صَلَاةَ مَنْ لَمْ يَسْتَعِذْ، وَقَدْ جَنَحَ الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ إلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ، وَحَكَاهُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ رَبَاحٍ، وَاحْتَجَّ لَهُ بِظَاهِرِ الْآيَةِ مِنْ حَيْثُ الْأَمْرُ وَالْأَمْرُ ظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاظَبَ عَلَى التَّعَوُّذِ فَيَكُونُ وَاجِبًا، وَلِأَنَّهَا تَدْرَأُ شَرَّ الشَّيْطَانِ وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ. وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: إذَا تَعَوَّذَ الرَّجُلُ فِي عُمْرِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَقَدْ كَفَى فِي إسْقَاطِ الْوُجُوبِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَتْ الِاسْتِعَاذَةُ وَاجِبَةً عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ أُمَّتِهِ.
وَأُجِيبَ عَنْ مُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَيْهَا بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاظَبَ عَلَى أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ لَيْسَتْ بِوَاجِبَةٍ كَتَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالَاتِ وَالتَّسْبِيحَاتِ فِي الصَّلَاةِ فَكَانَ التَّعَوُّذُ مِثْلَهَا، وَوَقْتُ الِاسْتِعَاذَةِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ كَمَا تَقَدَّمَ سَوَاءٌ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا. وَحُكِيَ عَنْ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ وَهُوَ قَوْلُ دَاوُد وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ بِاللَّيْلِ كَبَّرَ ثُمَّ يَقُولُ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وَتَبَارَكَ اسْمُك وَتَعَالَى جَدُّك وَلَا إلَهَ غَيْرُك ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا ثُمَّ يَقُولُ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ» أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَنَفْخُهُ الْكِبْرُ وَنَفْثُهُ الشِّعْرُ. وَاحْتَجَّ مُخَالِفُ الْجُمْهُورِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [النحل: ٩٨] . وَأُجِيبَ عَنْهُ بِمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَتَعَوَّذُ فِي الْمَكْتُوبَةِ وَيَتَعَوَّذُ فِي قِيَامِ رَمَضَانَ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَالِاسْتِعَاذَةُ تُطَهِّرُ الْقَلْبَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يَشْغَلُهُ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى. وَمِنْ لَطَائِفِ الِاسْتِعَاذَةِ أَنَّ قَوْلَهُ: أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ إقْرَارٌ مِنْ الْعَبْدِ بِالْعَجْزِ وَالضَّعْفِ، وَاعْتِرَافٌ مِنْ الْعَبْدِ بِقُدْرَةِ الْبَارِي عَزَّ وَجَلَّ وَأَنَّهُ الْغَنِيُّ الْقَادِرُ عَلَى رَفْعِ جَمِيعِ الْمَضَرَّاتِ وَالْآفَاتِ، وَاعْتِرَافُ الْعَبْدِ أَيْضًا بِأَنَّ الشَّيْطَانَ عَدُوٌّ مُبِينٌ. فَفِي الِاسْتِعَاذَةِ الْتِجَاءٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى الْقَادِرِ عَلَى دَفْعِ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ الْغَوِيِّ الْفَاجِرِ وَأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ عَنْ الْعَبْدِ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى.
قَوْلُهُ: (فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) أَيْ وَلَوْ لِلْقِيَامِ الثَّانِي مِنْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَالْخُسُوفِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِهِ لِلْقِرَاءَةِ، وَقَدْ حَصَلَ الْفَصْلُ بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ بِالرُّكُوعِ وَغَيْرِهِ اهـ خ ض. وَلَوْ انْقَطَعَتْ قِرَاءَتُهُ بِسُكُوتٍ طَوِيلٍ أَوْ كَلَامِ أَجْنَبِيٍّ نَاسِيًا فَاسْتَأْنَفَ الْقِرَاءَةَ نُدِبَ لَهُ الِاسْتِعَاذَةُ ثَانِيًا، وَلَوْ تَعَارَضَ الِافْتِتَاحُ وَالتَّعَوُّذُ أَيْ لَمْ يُمْكِنْهُ إلَّا أَحَدُهُمَا بِأَنْ كَانَ الْبَاقِي مِنْ الْوَقْتِ لَا يَسَعُ إلَّا أَحَدَهُمَا وَالصَّلَاةَ هَلْ يُرَاعِي الِافْتِتَاحَ لِسَبْقِهِ أَوْ التَّعَوُّذَ لِأَنَّهُ لِلْقِرَاءَةِ؟ اُنْظُرْهُ. قُلْت: مِمَّا يُرَجِّحُ الثَّانِيَ أَنَّهُ قِيلَ بِوُجُوبِهِ ح ل، وَلَوْ شَرَعَ فِي التَّعَوُّذِ فَاتَ دُعَاءُ الِافْتِتَاحِ، وَلَوْ شَرَعَ فِي الْقِرَاءَةِ فَاتَ التَّعَوُّذُ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَفِي شَرْحِ الرَّوْضِ: وَهُوَ أَيْ التَّعَوُّذُ عَلَى سَنَنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute