للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَائِدَةٌ: الشَّيْطَانُ اسْمٌ لِكُلِّ مُتَمَرِّدٍ مَأْخُوذٌ مِنْ شَطَنَ إذَا بَعُدَ وَقِيلَ مِنْ شَاطَ إذَا احْتَرَقَ وَالرَّجِيمُ الْمَطْرُودُ وَقِيلَ الْمَرْجُومُ. وَيُسَنُّ الْإِسْرَارُ بِدُعَاءِ الِافْتِتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ فِي السِّرِّيَّةِ وَالْجَهْرِيَّةِ كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ الْمَسْنُونَةِ

(وَ) الْخَامِسَةُ (الْجَهْرُ) بِالْقِرَاءَةِ (فِي مَوْضِعِهِ) فَيُسَنُّ لِغَيْرِ الْمَأْمُومِ أَنْ يَجْهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ وَأُولَتَيْ الْعِشَاءَيْنِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

الْقِرَاءَةِ إنْ جَهْرٌ فَجَهْرٌ وَإِنْ سِرٌّ فَسِرٌّ إلَّا فِي الصَّلَاةِ فَيُسِرُّ بِهِ مُطْلَقًا عَلَى الْأَصَحِّ، وَمَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ دُعَاءِ الِافْتِتَاحِ أَتَى بِالدُّعَاءِ وَتَرَكَ التَّعَوُّذَ لِأَنَّ الدُّعَاءَ آكَدُ، وَكَذَا لَوْ تَعَارَضَ الْإِتْيَانُ بِالِافْتِتَاحِ وَقِرَاءَةِ السُّورَةِ فَإِنَّهُ يُقَدَّمُ الِافْتِتَاحُ كَمَا أَجَابَ بِهِ م ر فِي فَتَاوِيهِ. اهـ. مَدَابِغِيٌّ قَوْلُهُ: (لِلِاتِّفَاقِ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى سُنِّيَّةِ الِاسْتِعَاذَةِ.

قَوْلُهُ: (الشَّيْطَانُ اسْمٌ لِكُلِّ مُتَمَرِّدٍ) قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ الْحَنْبَلِيُّ: الشَّيَاطِينُ الْعُصَاةُ مِنْ الْجِنِّ، وَهُمْ مِنْ وَلَدِ إبْلِيسَ وَالْمَرَدَةُ أَعْتَاهُمْ وَأَغْوَاهُمْ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: الْجِنُّ عِنْدَ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْعِلْمِ بِاللِّسَانِ مُنَزَّلُونَ عَلَى مَرَاتِبَ: فَإِنْ ذَكَرُوا الْجِنَّ خَالِصًا قَالُوا جِنِّيٌّ، فَإِنْ أَرَادُوا بِهِ مَنْ يَسْكُنُ مَعَ النَّاسِ قَالُوا: عَامِرٌ وَالْجَمْعُ عُمَّارٌ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَعْرِضُ لَلصِّبْيَانِ قَالُوا: أَرْوَاحٌ، فَإِذَا خَبُثَ وَتَعَرَّمَ أَيْ قَوِيَ قَالُوا: شَيْطَانٌ، فَإِنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ وَقَوِيَ أَمْرُهُ قَالُوا: عِفْرِيتٌ بِكَسْرِ الْعَيْنِ كَذَا فِي لَقْطِ الْمَرْجَانِ. اهـ. شَوْبَرِيٌّ. فَإِنْ قِيلَ إنَّ ذِكْرَ إبْلِيسٍ فِي تِلْكَ الْحَضْرَةِ قَدْ يَنْبَغِي تَنْزِيهُ حَضْرَةِ اللَّهِ عَنْهُ. فَالْجَوَابُ: إنَّمَا أَمَرَنَا الْحَقُّ تَعَالَى بِذِكْرِ إبْلِيسَ اللَّعِينَ فِي تِلْكَ الْحَضْرَةِ مُبَالَغَةً فِي الشَّفَقَةِ عَلَيْنَا مِنْ وَسْوَسَتِهِ الَّتِي تُخْرِجُنَا مِنْ شُهُودِنَا لِلْحَقِّ تَعَالَى، وَلَوْلَا هَذِهِ الشَّفَقَةُ لَمَا كَانَ أَمَرَنَا بِذِكْرِ هَذَا اللَّعِينِ فِي حَضْرَتِهِ الْمُطَهَّرَةِ، فَهُوَ مِنْ بَابِ دَفْعِ الْأَشَدِّ وَهُوَ الْوَسْوَسَةُ بِالْأَخَفِّ وَهُوَ الِاسْتِعَاذَةُ. فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ أُمِرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْ إبْلِيسٍ وَهُوَ مَعْصُومٌ مِنْهُ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّشْرِيعِ لِأُمَّتِهِ سَوَاءٌ كَانُوا أَكَابِرَ أَوْ أَصَاغِرَ لِعَدَمِ عِصْمَتِهِمْ، وَلِذَلِكَ اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الِاسْتِعَاذَةِ قَوْلُهُ: (مِنْ شَطَنَ إلَخْ) فَهُوَ عَلَى الْأَوَّلِ مَصْرُوفٌ لِأَنَّ النُّونَ أَصْلِيَّةٌ، وَعَلَى الثَّانِي غَيْرُ مَصْرُوفٍ لِزِيَادَةِ الْأَلِفِ وَالنُّونِ وَقَوْلُهُ مِنْ شَطَنَ بَابُهُ قَعَدَ اهـ قَوْلُهُ:

(وَقِيلَ الْمَرْجُومُ) لِرَجْمِهِ بِالشُّهُبِ وَهُوَ عَيْنُ مَا قَبْلَهُ، وَلَوْ أَبْدَلَهُ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ الرَّاجِمُ لِلنَّاسِ بِالْوَسْوَسَةِ لَكَانَ أَوْلَى، أَيْ فَيَكُونُ فَعِيلٌ إمَّا بِمَعْنَى فَاعِلٍ أَوْ مَفْعُولٍ اهـ وَقَوْلُهُ عَيْنُ الْأَوَّلِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ مَعْنَى الْأَوَّلِ الْمَطْرُودُ عَنْ الرَّحْمَةِ. قَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ: إنَّ إبْلِيسَ كَانَ خَازِنَ الْجَنَّةِ أَرْبَعِينَ أَلْفِ سَنَةً، وَعَبَدَ اللَّهَ مَعَ الْمَلَائِكَةِ ثَمَانِينَ أَلْفِ سَنَةً، وَوَعَظَ الْمَلَائِكَةَ عِشْرِينَ أَلْفِ سَنَةً وَسَيِّدَ الْكُرُوبِيِّينَ ثَلَاثِينَ أَلْفِ سَنَةً وَسَيِّدَ الرُّوحَانِيِّينَ أَلْفَ سَنَةً وَطَافَ حَوْلَ الْعَرْشِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَلْفَ سَنَةً، وَكَانَ اسْمُهُ فِي السَّمَاءِ الْأُولَى الْعَابِدَ، وَفِي الثَّانِيَةِ الزَّاهِدَ، وَفِي الثَّالِثَةِ الْعَارِفَ، وَفِي الرَّابِعَةِ الْوَلِيَّ، وَفِي الْخَامِسَةِ التَّقِيَّ، وَفِي السَّادِسَةِ الْخَازِنَ، وَفِي السَّابِعَةِ عَزَازِيرَ، وَفِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ إبْلِيسَ، وَمَعَ ذَلِكَ غَافِلٌ عَنْ عَاقِبَةِ أَمْرِهِ اهـ كَشْفُ الْبَيَانِ لِلسَّمَرْقَنْدِيِّ.

وَرَنَّ إبْلِيسُ اللَّعِينُ أَرْبَعَ رَنَّاتٍ: رَنَّةً حِينَ لُعِنَ، وَرَنَّةً حِينَ أُهْبِطَ، وَرَنَّةً حِينَ وُلِدَ النَّبِيُّ، وَرَنَّةً حِينَ أُنْزِلَتْ سُورَةُ الْفَاتِحَةِ اهـ خ ض

قَوْلُهُ: (وَالْجَهْرُ بِالْقِرَاءَةِ) أَيْ وَإِنْ خَافَ الرِّيَاءَ بِخِلَافِ الْجَهْرِ خَارِجَ الصَّلَاةِ شَوْبَرِيٌّ. وَالْحِكْمَةُ فِي الْجَهْرِ فِي مَوْضِعِهِ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ اللَّيْلُ مَحَلَّ الْخَلْوَةِ وَيُطْلَبُ فِيهِ السَّهَرُ شُرِعَ الْجَهْرُ فِيهِ طَلَبًا لِلَذَّةِ مُنَاجَاةِ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ، وَخُصُّ بِالْأُولَيَيْنِ لِنَشَاطِ الْمُصَلِّي فِيهِمَا وَالنَّهَارُ لَمَّا كَانَ مَحَلَّ الشَّوَاغِلِ وَالِاخْتِلَاطِ بِالنَّاسِ طُلِبَ فِيهِ الْإِسْرَارُ لِعَدَمِ صَلَاحِيَّتِهِ لِلتَّفَرُّغِ لِلْمُنَاجَاةِ، وَأُلْحِقَ الصُّبْحُ بِالصَّلَاةِ اللَّيْلِيَّةِ لِأَنَّ وَقْتَهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلشَّوَاغِلِ عَادَةً. اهـ. ع ش عَلَى م ر. وَعِبَارَةُ اج: وَالْأَصْلُ فِيمَا ذُكِرَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا فِي الِابْتِدَاءِ، فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يُؤْذُونَهُ وَيَسُبُّونَ مَنْ أَنْزَلَهُ وَمَنْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا} [الإسراء: ١١٠]

<<  <  ج: ص:  >  >>