للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَمَّا الْجُمُعَةُ فَالْجَمَاعَةُ فِيهَا فَرْضُ عَيْنٍ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْجَمَاعَةُ فِي الْمَسْجِدِ لِغَيْرِ الْمَرْأَةِ وَمِثْلُهَا الْخُنْثَى أَفْضَلُ مِنْهَا فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ كَالْبَيْتِ، وَجَمَاعَةُ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى فِي الْبَيْتِ أَفْضَلُ مِنْهَا فِي الْمَسْجِدِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «صَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ فَإِنَّ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ صَلَاةُ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ» . أَيْ فَهِيَ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الشَّرَفِ وَإِظْهَارِ الشِّعَارِ وَكَثْرَةِ الْجَمَاعَةِ.

وَيُكْرَهُ لِذَوَاتِ الْهَيْئَاتِ حُضُورُ الْمَسْجِدِ مَعَ الرِّجَالِ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: " لَوْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ الْمَسْجِدَ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إسْرَائِيلَ " وَلِخَوْفِ الْفِتْنَةِ. أَمَّا غَيْرُهُنَّ فَلَا يُكْرَهُ لَهُنَّ ذَلِكَ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ:

قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ: وَيُؤْمَرُ الصَّبِيُّ بِحُضُورِ الْمَسَاجِدِ وَجَمَاعَاتِ الصَّلَاةِ لِمُعْتَادِهَا، وَتَحْصُلُ فَضِيلَةُ الْجَمَاعَةِ لِلشَّخْصِ بِصَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ أَوْ نَحْوِهِ بِزَوْجَةٍ أَوْ وَلَدٍ أَوْ رَقِيقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَأَقَلُّهَا اثْنَانِ كَمَا مَرَّ وَمَا كَثُرَ جَمْعُهُ مِنْ الْمَسَاجِدِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ أَفْضَلُ مِمَّا قَلَّ جَمْعُهُ مِنْهَا، وَكَذَا مَا كَثُرَ جَمْعُهُ مِنْ الْبُيُوتِ أَفْضَلُ مِمَّا قَلَّ جَمْعُهُ مِنْهَا، وَأَفْتَى الْغَزَالِيُّ أَنَّهُ لَوْ كَانَ إذَا صَلَّى مُنْفَرِدًا خَشَعَ وَلَوْ صَلَّى فِي جَمَاعَةٍ لَمْ يَخْشَعْ فَالِانْفِرَادُ أَفْضَلُ وَتَبِعَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ. قَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَالْمُخْتَارُ بَلْ الصَّوَابُ خِلَافُ مَا قَالَاهُ وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَقَدْ يَكُونُ قَلِيلُ الْجَمْعِ أَفْضَلَ فِي صُوَرٍ: مِنْهَا مَا لَوْ كَانَ الْإِمَامُ مُبْتَدِعًا كَمُعْتَزِلِيٍّ، وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَ قَلِيلَ الْجَمْعِ يُبَادِرُ إمَامَهُ بِالصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ الْمَحْبُوبِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ مَعَهُ أَوَّلَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

مُبَاحَةً

قَوْلُهُ: (فِي الْبَيْتِ) وَإِنْ قَلَّتْ قَوْلُهُ: (فِي الْمَسْجِدِ) وَإِنْ كَثُرَتْ قَوْلُهُ: (صَلَاةُ الْمَرْءِ) أَيْ الذَّكَرِ هُوَ عَامٌّ فِيمَا إذَا كَانَتْ فُرَادَى أَوْ جَمَاعَةً فَفِيهِ الْمُدَّعَى وَزِيَادَةٌ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَقَالَ شَيْخُنَا ح ف: أَيْ أَفْضَلُ جَمَاعَةِ صَلَاةِ الْمَرْءِ، فَيَكُونُ مُطَابِقًا لِلْمُدَّعَى وَهَذَا دَلِيلٌ لِلدَّعْوَةِ الْأُولَى. وَأَمَّا دَلِيلُ الثَّانِيَةِ فَمَا ذَكَرَهُ م ر مِنْ حَدِيثِ «لَا تَمْنَعُوا نِسَاءَكُمْ الْمَسَاجِدَ وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ» قَوْلُهُ: (إلَّا الْمَكْتُوبَةَ) وَإِلَّا نَفْلًا تُشْرَعُ فِيهِ الْجَمَاعَةُ ح ل قَوْلُهُ: (لِأَنَّ الْمَسْجِدَ مُشْتَمِلٌ عَلَى الشَّرَفِ وَإِظْهَارِ الشِّعَارِ) قَضِيَّتُهُ أَنَّ الشِّعَارَ لَا يَظْهَرُ فِي الْبُيُوتِ وَلَا الْأَسْوَاقِ. وَنَقَلَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّ الْبُيُوتَ إذَا فَتَحْت أَبْوَابَهَا بِحَيْثُ لَا يَحْتَشِمُ كَبِيرٌ وَلَا صَغِيرٌ مِنْ دُخُولِهَا ظَهَرَ الشِّعَارُ بِذَلِكَ فَيُكْتَفَى بِهِ. قَالَ م ر: وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ. وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الْأَوْجَهُ الِاكْتِفَاءَ بِإِقَامَتِهَا فِي الْأَسْوَاقِ إنْ كَانَتْ كَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا، لِأَنَّ لِأَكْثَرِ النَّاسِ مُرُوءَاتٍ تَأْبَى دُخُولَ بُيُوتِ النَّاسِ وَالْأَسْوَاقِ اهـ أج.

قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ لِذَوَاتِ الْهَيْئَاتِ) أَيْ ذَاتًا أَوْ صِفَةً لِتَدْخُلَ الشَّابَّةُ: أَيْ غَيْرُ الْمُتَزَيِّنَةِ وَأَمَّا غَيْرُ الشَّابَّةِ الْمُتَزَيِّنَةِ فَدَاخِلَةٌ فِي الصِّفَةِ وَالْمُرَادُ إذَا خَرَجَتْ بِإِذْنِ الزَّوْجِ وَلَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ وَلَا نَظَرٌ مُحَرَّمٌ وَإِلَّا حَرُمَ

قَوْلُهُ: (وَيُؤْمَرُ الصَّبِيُّ) أَيْ غَيْرُ الْأَمْرَدِ الْجَمِيلِ فَإِنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْمَرْأَةِ كَمَا فِي شَرْحِ م ر قَوْلُهُ: (اثْنَانِ) أَيْ عِنْدَنَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثَةٌ، وَهَذَا فِي غَيْرِ الْجُمُعَةِ قَوْلُهُ: (مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْبُيُوتِ وَهُوَ قَيْدٌ مُعْتَبَرٌ، فَمَا قَلَّ جَمْعُهُ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ مِمَّا كَثُرَ جَمْعُهُ فِي الْبُيُوتِ لِيَحُوزَ الْفَضِيلَتَيْنِ هَلْ وَإِنْ لَزِمَ عَلَيْهِ فَوَاتُ الْجَمَاعَةِ عَلَى مَنْ فِي الْبَيْتِ؟ الظَّاهِرُ لَا.

قَوْلُهُ: (أَنَّهُ) الظَّاهِرُ بِأَنَّهُ اهـ قَوْلُهُ: (فَالِانْفِرَادُ أَفْضَلُ) هَذَا ضَعِيفٌ نَعَمْ الِانْفِرَادُ فِي الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ أَفْضَلُ مِنْ الْجَمَاعَةِ فِي غَيْرِهَا كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي وَاعْتَمَدَهُ م ر قَوْلُهُ: (مِنْهَا مَا لَوْ كَانَ إلَخْ) وَمِنْهَا مَا لَوْ كَانَ تَتَعَطَّلُ جَمَاعَةٌ مَحَلَّ بَيْتِهِ وَلَوْ مَعَ زَوْجَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ فَقَلِيلُ الْجَمْعِ فِيهِ أَفْضَلُ أَيْضًا. اهـ. ق ل قَوْلُهُ: (مُبْتَدِعًا) أَيْ لَا يَكْفُرُ بِبِدْعَتِهِ أَيْ كَالْمُجَسِّمَةِ عَلَى الْمُعْتَمَدِ أَيْ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ اللَّهَ جِسْمٌ لَا كَأَجْسَامِنَا، فَإِنْ قَالُوا: كَأَجْسَامِنَا كَفَرُوا كَالْجَهَوِيَّةِ قَوْلُهُ: (كَمُعْتَزِلِيٍّ) وَمِثْلُهُ مَا لَوْ اعْتَقَدَ عَدَمَ وُجُوبِ بَعْضِ الْوَاجِبَاتِ كَحَنَفِيٍّ إذَا أَتَى بِهَا، وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الصَّلَاةَ خَلْفَهُ كَكُلِّ مُخَالَفَةٍ مُحَصِّلَةٌ لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ وَأَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ الِانْفِرَادِ وَأَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ وَإِنْ تَعَذَّرَتْ الْجَمَاعَةُ بِغَيْرِهِمْ عَلَى الْمُعْتَمَدِ شَرْحُ م ر مُلَخَّصًا.

وَالْكَرَاهَةُ لَا تَنْفِي الْفَضِيلَةَ وَالثَّوَابُ لِاخْتِلَافِ الْجِهَةِ وَإِنْ تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ الزِّيَادِيُّ، بَلْ الْحُرْمَةُ لَا تَنْفِي الْفَضِيلَةَ كَالصَّلَاةِ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ قَوْلُهُ: (فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ) الْأَوْلَى إسْقَاطُ أَوَّلِ لِأَنَّ الْمُرَادَ وَقْتُ الْفَضِيلَةِ فَرْعٌ: إذَا لَمْ يَدْخُلْ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ وَقَدْ جَاءَ وَقْتُ الدُّخُولِ وَحَضَرَ بَعْضُ الْمَأْمُومِينَ وَرَجَوْا زِيَادَةً نُدِبَ لَهُ أَنْ يُعَجِّلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>