للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظَنَّ انْقِطَاعَهُ فَأَحَسَّ بِهِ وَلَوْ بَعْدَ تَحَرُّمِهِ وَعَلِمَ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ إنْ مَكَثَ سَبَقَهُ، فَالْمُتَّجَهُ كَمَا قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّ لَهُ الِانْصِرَافَ

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَنَّ الْمَانِعَ فِي نَحْوِ الْمَرِيضِ مِنْ وُجُوبِهَا مَشَقَّةُ الْحُضُورِ وَقَدْ حَضَرَ مُتَحَمِّلًا لَهَا، وَالْمَانِعُ فِي غَيْرِهِ صِفَاتٌ قَائِمَةٌ بِهِ لَا تَزُولُ بِالْحُضُورِ.

(وَ) السَّابِعُ (الِاسْتِيطَانُ) وَالْأَوْلَى أَنْ يُعَبِّرَ بِالْإِقَامَةِ، فَلَا جُمُعَةَ عَلَى مُسَافِرٍ سَفَرًا مُبَاحًا وَلَوْ قَصِيرًا لِاشْتِغَالِهِ، وَقَدْ رُوِيَ مَرْفُوعًا «لَا جُمُعَةَ عَلَى مُسَافِرٍ» لَكِنْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَالصَّحِيحُ وَقْفُهُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ فَإِنْ زَادَ ضَرَرُهُ بِانْتِظَارِهِ فِعْلَهَا وَلَمْ تُقَمْ جَازَ لَهُ الِانْصِرَافُ، وَإِنْ لَمْ يَزِدْ ضَرَرُهُ أَوْ أُقِيمَتْ فَلَا قَوْلُهُ: (أَوْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ) أَيْ أَوْ زَادَ ضَرَرُهُ لَكِنْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ.

قَوْلُهُ: (وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى) وَهُوَ نَحْوُ الْمَرِيضِ، وَالْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَهُوَ الضَّمِيرُ فِي يَنْصَرِفُ الرَّاجِعُ لِمَنْ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ، أَيْ حَيْثُ لَا يَجُوزُ لِلْأَوَّلِ الِانْصِرَافُ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ بِالشَّرْطِ السَّابِقِ وَهُوَ أَنْ لَا يَزِيدَ ضَرَرُهُ وَيَجُوزُ ذَلِكَ لِلثَّانِي. وَحَاصِلُ الْفَرْقِ أَنَّ عُذْرَ نَحْوِ الْمَرِيضِ يَزُولُ بِالْحُضُورِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ كَالرَّقِيقِ وَالْمَرْأَةِ فَإِنَّ عُذْرَهُمَا مُسْتَمِرٌّ.

قَوْلُهُ: (وَالْأَوْلَى أَنْ يُعَبِّرَ بِالْإِقَامَةِ) لِأَنَّهَا أَعَمُّ مِنْ الِاسْتِيطَانِ الَّذِي هُوَ شَرْطٌ لِلِانْعِقَادِ، وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِيهِ بَلْ الْكَلَامُ فِي الْوُجُوبِ وَالْمَشْرُوطُ لِلْوُجُوبِ الْإِقَامَةُ وَلَوْ بِدُونِ اسْتِيطَانٍ كَمُجَاوِرِي الْأَزْهَرِ.

قَوْلُهُ: (عَلَى مُسَافِرٍ) أَيْ وَإِنْ نَقَصَ الْعَدَدُ بِسَبَبِ سَفَرِهِ وَتَعَطَّلَتْ الْجُمُعَةُ عَلَى غَيْرِهِ بِوَاسِطَةِ سَفَرِهِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُحَصِّلَ الْجُمُعَةَ لِغَيْرِهِ، وَكَذَا يُقَالُ فِي الْمَعْذُورِ السَّابِقِ وِفَاقًا ل م ر وَخِلَافًا لِأَحَدِ كَلَامَيْنِ لِأَبِيهِ، قَالَ: وَهَذَا شَبِيهٌ بِمَا لَوْ مَاتَ أَوْ جُنَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَلِخَبَرِ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» خِلَافًا لِصَاحِبِ التَّعْجِيزِ. وَلِهَذَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَمْ أَرَهُ لِغَيْرِهِ وَكَأَنَّهُ أَخَذَهُ مِمَّا مَرَّ آنِفًا مِنْ حُرْمَةِ تَعْطِيلِ بَلَدِهِمْ عَنْهَا لَكِنَّ الْفَرْقَ وَاضِحٌ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ مُعَطَّلُونَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ بِرْمَاوِيٌّ.

قَوْلُهُ: (مُبَاحًا) الْأَوْلَى إسْقَاطُهُ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ الْمُسَافِرَ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ، وَلَعَلَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَعْصِي بِتَرْكِهَا فِي بَلَدِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ إنْ وَجَدَهَا تُقَامُ فِي طَرِيقِهِ وَجَبَتْ وَإِلَّا فَلَا م د وَقَالَ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ: قَوْلُهُ مُبَاحًا قَيْدٌ مُعْتَبَرٌ فَتَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى الْعَاصِي بِسَفَرِهِ لِأَنَّ سُقُوطَهَا رُخْصَةٌ، وَهِيَ لَا تُنَاطُ بِالْمَعَاصِي خِلَافًا لِمَا فِي الْمُحَشِّي. وَقَوْلُهُ: (وَلَوْ قَصِيرًا) نَعَمْ إنْ خَرَجَ إلَى قَرْيَةٍ يَبْلُغُ أَهْلَهَا نِدَاءُ قَرْيَتِهِ لَزِمَتْهُ لِأَنَّ هَذِهِ مَسَافَةٌ يَجِبُ قَطْعُهَا لِلْجُمُعَةِ فَلَا تُعَدُّ سَفَرًا مُسْقِطًا لَهَا سم.

وَعِبَارَةُ ح ل قَوْلُهُ وَلَوْ قَصِيرًا فِي هَذَا تَصْرِيحٌ بِأَنَّ السَّفَرَ لِمَحَلٍّ لَا يَسْمَعُ فِيهِ نِدَاءَ الْجُمُعَةِ يُسَمَّى سَفَرًا شَرْعًا. وَقَدْ قَالُوا فِي النَّفْلِ فِي السَّفَرِ فِي صَوْبِ مَقْصِدِهِ لَا بُدَّ أَنْ يُسَافِرَ لِمَحَلٍّ يُسَمَّى الذَّهَابُ إلَيْهِ سَفَرًا شَرْعًا بِأَنْ لَا يَسْمَعَ فِيهِ نِدَاءَ الْجُمُعَةِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَنْ جَاوَزَ الْمَحَلَّ الْمُعْتَبَرَ مُجَاوَزَتُهُ يُقَالُ لَهُ مُسَافِرٌ شَرْعًا، ثُمَّ إنْ كَانَ بِمَحَلٍّ لَا يَسْمَعُ فِيهِ نِدَاءَ الْجُمُعَةِ جَازَ لَهُ التَّنَفُّلُ صَوْبَ مَقْصِدِهِ وَتَرْكُ الْجُمُعَةِ وَإِنْ سَمِعَ فِيهِ نِدَاءً لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ السَّعْيُ لِمَحَلِّ الْجُمُعَةِ اهـ قَوْلُهُ: (لِاشْتِغَالِهِ إلَخْ) مِنْهُ يُؤْخَذُ عَدَمُ الْوُجُوبِ عَلَى نَحْوِ الْحَصَّادِينَ إذَا خَرَجُوا قَبْلَ الْفَجْرِ إلَى مَكَان لَا يَسْمَعُونَ فِيهِ النِّدَاءَ أَيْ نِدَاءَ بَلْدَتِهِمْ، إذْ لَوْ اُعْتُبِرَ الْبُلُوغُ مِنْ غَيْرِ بَلْدَتِهِمْ أَيْضًا لَكَانَ مَنْ خَرَجَ أَيْ قَبْلَ الْفَجْرِ إلَى قَرْيَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا مَرْحَلَةٌ وَبِقُرْبِهَا بَلْدَةٌ يَسْمَعُ نِدَاءَهَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَلَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ. اهـ. ح ل. وَقَالَ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ: وَمِنْ هَذَا مَا يَقَعُ فِي بِلَادِ الرِّيفِ مِنْ أَنَّ الْفَلَّاحِينَ يَخْرُجُونَ لِلْحَصَادِ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ ثُمَّ يَسْمَعُونَ النِّدَاءَ مِنْ بَلَدِهِمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا فَتَجِبُ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ فِيمَا يَسْمَعُونَ مِنْهُ النِّدَاءَ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ عَلَى مَنْ ذُكِرَ لِأَنَّهُمْ إمَّا فِي حُكْمِ الْمُقِيمِينَ أَوْ لِدُخُولِهِمْ فِي قَوْلِ الْمُصَنِّفِ، أَوْ مُسَافِرٌ لَهُ أَيْ لِلْمُسْتَوِي مِنْ مَحَلِّهَا، فَإِنْ لَمْ يَسْمَعُوا لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ وَإِنْ أَقَامُوا بِغِيطَانِهِمْ أَوْ رَجَعُوا إلَى بِلَادِهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ، وَذَكَرَ أَيْضًا قَوْلَهُ: أَوْ مُسَافِرٌ لَهُ أَيْ لِلْمُسْتَوِي دَخَلَ فِي ذَلِكَ الضِّيَافَةُ، وَمَنْ يُسَافِرُ لِلسَّوَاقِي أَوْ لِلْحِرَاثَةِ مِنْ مَحَلِّ الْجُمُعَةِ، فَإِذَا سَافَرَ إلَى ذَلِكَ الْمُسْتَوِي إنْ سَمِعَ النِّدَاءَ مِنْ مَحَلِّهَا وَلَوْ مِنْ غَيْرِ بَلَدِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ الذَّهَابُ وَإِلَّا فَلَا. وَالْحَالُ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الْمَحَلِّ قَبْلَ الْفَجْرِ فَانْظُرْهُ مَعَ مَا قَالَهُ ح ل. وَكَلَامُ ح ل هُوَ الْمُعْتَمَدُ شَيْخُنَا وَوَافَقَهُ الْعَنَانِيُّ لِأَنَّهُمْ يُقَالُ لَهُمْ مُسَافِرُونَ وَالْمُسَافِرُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَإِنْ سَمِعَ النِّدَاءَ مِنْ غَيْرِ بَلَدِهِ اهـ. قَالَ بَعْضُهُمْ: وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ مَسْأَلَةٌ تَقَعُ كَثِيرًا، وَهِيَ أَنَّ الشَّخْصَ يُسَافِرُ يَوْمَ الْخَمِيسِ إلَى قَرْيَةٍ قَرِيبَةٍ مِنْ بَلَدِهِ لَكِنْ لَا يَسْمَعُ فِيهَا النِّدَاءَ مِنْ بَلَدِهِ، وَيُصْبِحُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي تِلْكَ الْقَرْيَةِ وَهُوَ غَيْرُ عَازِمٍ عَلَى الْإِقَامَةِ بَلْ يَرْجُو مِنْهَا قَضَاءَ حَاجَتِهِ، فَحِينَئِذٍ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ مَعَ أَهْلِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ لِأَنَّهُ يُقَالُ لَهُ مُسَافِرٌ اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>