التَّيَمُّمَ عَنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ إحْرَازًا لِلْفَضِيلَةِ كَسَائِرِ الْأَغْسَالِ.
(وَ) الثَّانِي (تَنْظِيفُ الْجَسَدِ) مِنْ الرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ كَالصُّنَانِ لِأَنَّهُ يَتَأَذَّى بِهِ فَيُزَالُ بِالْمَاءِ أَوْ غَيْرِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: مَنْ نَظَّفَ ثَوْبَهُ قَلَّ هَمُّهُ، وَمَنْ طَابَ رِيحُهُ زَادَ عَقْلُهُ
وَيُسَنُّ السِّوَاكُ، وَهَذِهِ الْأُمُورُ لَا تَخْتَصُّ بِالْجُمُعَةِ بَلْ تُسَنُّ لِكُلِّ حَاضِرٍ بِمَجْمَعٍ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ لَكِنَّهَا فِي الْجُمُعَةِ أَشَدُّ اسْتِحْبَابًا.
(وَ) الثَّالِثُ (أَخْذُ الظُّفْرِ) إنْ طَالَ وَالشَّعْرُ كَذَلِكَ فَيَنْتِفُ إبْطَهُ وَيَقُصُّ شَارِبَهُ وَيَحْلِقُ عَانَتَهُ، وَيَقُومُ مَقَامَ الْحَلْقِ الْقَصُّ وَالنَّتْفُ، أَمَّا الْمَرْأَةُ فَتَنْتِفُ عَانَتَهَا بَلْ يَجِبُ عَلَيْهَا ذَلِكَ عِنْدَ أَمْرِ الزَّوْجِ لَهَا بِهِ عَلَى الْأَصَحِّ وَإِنْ تَفَاحَشَ وَجَبَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْجُمُعَةِ) أَيْ بَدَلًا عَنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ
قَوْلُهُ: (قَالَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ) هَذَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا مَطْلُوبٌ إرْشَادًا. وَالشَّاهِدُ فِي قَوْلِهِ " وَمَنْ طَابَ رِيحُهُ إلَخْ " أَوْ فِيهِ وَفِيمَا قَبْلَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ نَظَافَةَ الثَّوْبِ تَقْتَضِي نَظَافَةَ الْبَدَنِ غَالِبًا قَوْلُهُ: (قَلَّ هَمُّهُ) الْفَرْقُ بَيْنَ الْهَمِّ وَالْغَمِّ كَمَا قَالَهُ الْحَلِيمِيُّ أَنَّ الْهَمَّ يَنْشَأُ عَنْهُ النَّوْمُ وَالْغَمُّ يَنْشَأُ عَنْهُ عَدَمُهُ قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ السِّوَاكُ) هُوَ مِثْلُ تَنْظِيفِ الْجَسَدِ فَلِذَا ذَكَرَهُ هُنَا، وَقَوْلُهُ (" وَهَذِهِ الْأُمُورُ ") أَيْ الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْمَتْنِ.
قَوْلُهُ: (وَأَخْذُ الظُّفْرِ) أَيْ لِغَيْرِ مُحْرِمٍ وَمَنْ أَرَادَ التَّضْحِيَةَ. وَكَيْفِيَّةُ إزَالَةِ الظُّفْرِ فِي الرِّجْلَيْنِ أَنْ يَبْدَأَ بِخِنْصَرِ الْيُمْنَى وَيَخْتِمَ بِخِنْصَرِ الْيُسْرَى كَالتَّخْلِيلِ فِي الْوُضُوءِ وَفِي الْيَدَيْنِ عَلَى مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ أَنْ يَبْدَأَ بِسَبَّابَةِ الْيُمْنَى وَيَخْتِمَ بِسَبَّابَةِ الْيُسْرَى وَيَجْعَلَ إبْهَامَ كُلِّ يَدٍ مُتَّصِلًا بِهَا أَيْ بِالسَّبَّابَةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: يَبْدَأُ فِي الْيُمْنَى بِالْخِنْصَرِ ثُمَّ فِي الْيُسْرَى بِالْوُسْطَى ثُمَّ بِالْإِبْهَامِ ثُمَّ بِالْبِنْصِرِ ثُمَّ بِالسَّبَّابَةِ عَلَى تَرْتِيبِ هَذِهِ الْأَحْرُفِ يَمِينُهَا خَوَابِسُ وَيَسَارُهَا أوخسب. قَالُوا: وَهَذِهِ الْكَيْفِيَّةُ تَمْنَعُ مُلَازَمَتُهَا مِنْ الرَّمَدِ، وَقَدْ جُرِّبَ. وَلَيْسَ لِأَخْذِهِ مُدَّةٌ مُقَدَّرَةٌ، وَكَذَا أَخْذُ الشَّعْرِ الْمَذْكُورِ. «وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُصُّ أَظْفَارَهُ كُلَّ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا» . وَقَدْ نَظَّمَ بَعْضُهُمْ فَقَالَ:
فِي قَصِّ الْأَظْفَارِ يَوْمَ السَّبْتِ آكِلَةٌ ... تَبْدُو وَفِيمَا يَلِيهِ تَذْهَبُ الْبَرَكَهْ
وَعَالِمٌ فَاضِلٌ يَبْدُو بِتِلْوِهِمَا ... وَإِنْ يَكُنْ بِالثَّلَاثِ فَاحْذَرْ الْهَلَكَهْ
وَيُورِثُ السَّوْءَ فِي الْأَخْلَاقِ رَابِعُهَا ... وَفِي الْخَمِيسِ الْغِنَى يَأْتِي لِمَنْ سَلَكَهْ
وَالْعِلْمُ وَالْحِلْمُ زِيدَا فِي عُرُوبَتِهَا ... عَنْ النَّبِيِّ رَوَيْنَا فَاقْتَفُوا نُسُكَهْ
وَرَوَى وَكِيعٌ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كَانَ يُسْتَحَبُّ دَفْنُ الْأَظْفَارِ. وَرُوِيَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ يَأْمُرُ بِدَفْنِ الشَّعْرِ وَالْأَظْفَارِ» ، وَذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ الْعَلْقَمِيُّ. قَالَ فِي التُّحْفَةِ: وَيَنْبَغِي الْمُبَادَرَةُ بِغَسْلِ مَحَلِّ الْقَلْمِ لِأَنَّ الْحَكَّ بِهِ قَبْلَهُ يُخْشَى مِنْهُ الْبَرَصُ وَيُسَنُّ فِعْلُ ذَلِكَ يَوْمَ الْخَمِيسِ أَوْ بُكْرَةَ الْجُمُعَةِ.
قَوْلُهُ: (فَيَنْتِفُ إبْطَهُ) وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ وَيَقُصُّ شَارِبَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الصَّلَاةِ» . قَالَ فِي الْأَنْوَارِ: يُسْتَحَبُّ قَلْمُ الْأَظْفَارِ فِي كُلِّ عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَحَلْقُ الْعَانَةِ كُلَّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا. قَالَ م ر: وَهَذَا جَرَى عَلَى الْغَالِبِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ مُوَقَّتٌ بِطُولِهَا عَادَةً وَيَخْتَلِفُ حِينَئِذٍ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ اهـ أج قَوْلُهُ: (وَيَقُصُّ شَارِبَهُ) أَيْ حَتَّى تَبْدُوَ حُمْرَةُ الشَّفَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْإِحْفَاءِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي خَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ، وَيُكْرَهُ اسْتِئْصَالُهُ وَحَلْقُهُ وَنُوزِعَ فِي الْحَلْقِ لِصِحَّةِ وُرُودِهِ؛ وَلِذَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ عَلَى مَا قِيلَ. فَإِنْ قُلْتَ: مَا جَوَابُنَا عَنْ خَبَرِ الْحَلْقِ؟ قُلْتُ: هِيَ وَاقِعَةٌ فِعْلِيَّةٌ مُحْتَمَلَةٌ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقُصُّ مَا يُمْكِنُهُ قَصُّهُ وَيَحْلِقُ مَا لَا يَتَيَسَّرُ قَصُّهُ مِنْ مَعَاطِفِهِ الَّتِي يَعْسُرُ قَصُّهَا. وَأَشَارَ إلَى هَذَا الْجَمْعِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَلَهُ وَجْهٌ ظَاهِرٌ إذْ بِهِ يَجْتَمِعُ الْحَدِيثَانِ عَلَى قَوَاعِدِنَا فَلْيَتَعَيَّنْ، لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مَا أَمْكَنَ وَاجِبٌ. وَكَرِهَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ نَتْفَ الْأَنْفِ، قَالَ: بَلْ نَقُصُّهُ لِحَدِيثٍ فِيهِ. قِيلَ: فِي حَدِيثٍ: «إنَّ فِي إبْقَائِهِ أَمَانًا مِنْ الْجُذَامِ» اهـ أج قَوْلُهُ: (وَيَحْلِقُ عَانَتَهُ) أَيْ أَوْ يَنْتِفُهَا؛ لَكِنَّ الْحَلْقَ أَوْلَى لِلرَّجُلِ وَالنَّتْفَ أَوْلَى لِلْمَرْأَةِ لِمَا قِيلَ إنَّ الْحَلْقَ يُقَوِّي الشَّهْوَةَ، فَالرَّجُلُ أَوْلَى