قَطْعًا، وَالْعَانَةُ الشَّعْرُ النَّابِتُ حَوَالَيْ ذَكَرِ الرَّجُلِ وَقُبُلِ الْمَرْأَةِ، أَمَّا حَلْقُ الرَّأْسِ فَلَا يُنْدَبُ إلَّا فِي النُّسُكِ، وَفِي الْمَوْلُودِ فِي سَابِعِ وِلَادَتِهِ، وَفِي الْكَافِرِ إذَا أَسْلَمَ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ مُبَاحٌ وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُتَوَلِّي: وَيَتَزَيَّنُ الذَّكَرُ بِحَلْقِ رَأْسِهِ إنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِذَلِكَ وَسَيَأْتِي فِي الْأُضْحِيَّةِ أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ يُكْرَهُ لَهُ فِعْلُ ذَلِكَ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ فَهُوَ مُسْتَثْنًى (وَ) رَابِعُهَا (الطِّيبُ) أَيْ اسْتِعْمَالُهُ وَالتَّزَيُّنُ بِأَحْسَنِ ثِيَابِهِ لِحَدِيثِ: «مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَبِسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إذَا كَانَ عِنْدَهُ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ وَلَمْ يَتَخَطَّ أَعْنَاقَ النَّاسِ ثُمَّ صَلَّى مَا كُتِبَ لَهُ ثُمَّ أَنْصَتَ إذَا خَرَجَ إمَامُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ كَانَ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا» وَأَفْضَلُ ثِيَابِهِ الْبِيضُ لِخَبَرِ: «الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا خَيْرُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
بِهِ وَالنَّتْفَ يُضْعِفُهَا فَالْمَرْأَةُ أَوْلَى بِهِ. اهـ. بِرْمَاوِيٌّ.
قَوْلُهُ: (وَجَبَ قَطْعًا) أَيْ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ عِنْدَ أَمْرِ الزَّوْجِ لَهَا كَمَا قَالَهُ شَيْخُنَا قَوْلُهُ: (وَالْعَانَةُ إلَخْ) لَمْ يَذْكُرْ مَا حَوَالَيْ الدُّبُرِ مِنْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا يُسَمَّى عَانَةً فَرَاجِعْهُ ق ل قَوْلُهُ: (أَمَّا حَلْقُ الرَّأْسِ إلَخْ) عُلِمَ مِنْهُ أَنَّ حَلْقَ الرَّأْسِ تَارَةً يُسَنُّ، وَذَلِكَ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ: فِي النُّسُكِ، وَسَابِعِ الْوِلَادَةِ، وَكَافِرٍ أَسْلَمَ، وَتَارَةً يُكْرَهُ وَذَلِكَ لِلْمُضَحِّي فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ، وَتَارَةً يُبَاحُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ؛ فَاحْفَظْهُ. وَخَرَجَ بِالْحَلْقِ الْقَزَعُ بِقَافٍ ثُمَّ زَايٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَتَيْنِ ثُمَّ عَيْنٍ مُهْمَلَةٍ وَهُوَ حَلْقُ بَعْضِ الرَّأْسِ وَلَوْ مِنْ أَمَاكِنَ مُتَعَدِّدَةٍ فَهُوَ مَكْرُوهٌ مُطْلَقًا قَوْلُهُ: (فَلَا يُنْدَبُ إلَّا فِي النُّسُكِ) اُعْتُرِضَ بِأَنَّهُ رُكْنٌ فِي النُّسُكِ فَكَيْفَ يُجْعَلُ سُنَّةً. وَيُجَابُ بِأَنَّ السُّنَّةَ اسْتِيعَابُ الرَّأْسِ وَأَمَّا الرُّكْنُ فَهُوَ ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ قَوْلُهُ: (وَأَمَّا فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَهُوَ مُبَاحٌ) أَيْ إلَّا إنْ تَأَذَّى بِبَقَاءِ شَعْرِهِ أَوْ شَقَّ عَلَيْهِ تَعَهُّدُهُ فَيُنْدَبُ، وَخَبَرُ: «مَنْ حَلَقَ رَأْسَهُ أَرْبَعِينَ مَرَّةً فِي أَرْبَعِينَ أَرْبِعَاءَ صَارَ فَقِيهًا» ، لَا أَصْلَ لَهُ،. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ. قَالَ م ر: وَيُسْتَحَبُّ لَهُ دَفْنُ مَا يُزِيلُهُ مِنْ ظُفْرٍ وَشَعْرٍ وَدَمٍ اهـ.
قُلْتُ: يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِغَيْرِ ظُفْرِ عَوْرَةٍ وَشَعْرِهَا، أَمَّا لَوْ كَانَ مِنْهَا كَعَانَةِ الرَّجُلِ وَظُفْرٍ وَشَعْرِ امْرَأَةٍ وَخُنْثَى فَيَنْبَغِي وُجُوبُ السِّتْرِ لِحُرْمَةِ النَّظَرِ إلَيْهِ؛ لَكِنْ هَلْ يُكْتَفَى بِإِلْقَائِهَا فِي الْأَخْلِيَةِ لِوُجُودِ السِّتْرِ أَوْ لَا؟ الظَّاهِرُ الِاكْتِفَاءُ لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ قَوْلُهُ: (فَهُوَ مُبَاحٌ) وَهُوَ بِدْعَةٌ وَقَدْ يُنْدَبُ وَقَدْ يَجِبُ لِنَحْوِ تَأَذٍّ بِبَقَائِهِ؛. اهـ. ق ل قَوْلُهُ: (مَنْ أَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ) هَذَا صَرِيحٌ فِي اسْتِثْنَاءِ الْجُمُعَةِ الْوَاقِعَةِ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ إذْ لَا تَخْلُو عَنْهَا ضَرُورَةً. فَإِنْ قُلْتَ: لِمَ قَدَّمَ مَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ عَلَى مَا وَرَدَ مِنْ الطَّلَبِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ قُلْتُ: أَجَابَ شَيْخُنَا بِقَوْلِهِ: مَا وَرَدَ مِنْ النَّهْيِ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ الْمُخَصِّصِ لِمَا وَرَدَ مِنْ الطَّلَبِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ، وَكَأَنَّهُمْ قَالُوا مَا وَرَدَ مِنْ عُمُومِ الطَّلَبِ كُلَّ جُمُعَةٍ مَحَلُّهُ فِي غَيْرِ جُمُعَةٍ تَقَعُ فِي عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ. عَلَى أَنَّ الْعَشْرَ مُسْتَثْنًى مِنْ الْعَامِ حَتَّى يُضَحِّيَ، اهـ أج. قَوْلُهُ: (وَالطِّيبُ) أَيْ مَا لَمْ يَكُنْ صَائِمًا أَوْ مُحْرِمًا وَإِلَّا فَيُكْرَهُ لِلْأَوَّلِ وَيَحْرُمُ عَلَى الثَّانِي، وَهَذَا فِي حَقِّ الذَّكَرِ، أَمَّا الْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى فَيُكْرَهُ لَهُمَا الطِّيبُ وَالزِّينَةُ وَمَفَاخِرُ الثِّيَابِ عِنْدَ إرَادَتِهِمَا حُضُورَهَا، نَعَمْ يُسَنُّ لَهُمَا قَطْعُ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ. اهـ. ز ي. وَأَفْضَلُ الطِّيبِ الْمِسْكُ قَوْلُهُ: (الْبَسُوا) مِنْ لَبِسَ مِنْ بَابِ عَلِمَ فِي الْمَحْسُوسَاتِ، قَالَ تَعَالَى: {وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا} [الكهف: ٣١] إلَخْ وَأَمَّا فِي الْمَعَانِي فَمِنْ بَابِ ضَرَبَ كَقَوْلِهِ: {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ} [الأنعام: ٩] إلَخْ. وَقَوْلُهُ (" الْبَيَاضَ ") أَيْ ذَا الْبَيَاضِ، وَإِلَّا فَهُوَ مَعْنًى وَالْمَعْنَى لَا يُلْبَسُ. قَالَ أج: وَأَنْ تَكُونَ جَدِيدَةً. وَقَيَّدَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ بَحْثًا بِغَيْرِ أَيَّامِ الشِّتَاءِ وَالْوَحْلِ، وَهُوَ ظَاهِرٌ حَيْثُ خُشِيَ تَلْوِيثُهُمَا وَفِي الْمَجْمُوعِ: الْأَوْلَى تَرْكُ لُبْسِ السَّوَادِ مَا لَمْ يَخْشَ مُفْسِدَةً بَلْ الْمُوَاظَبَةُ عَلَى لُبْسِهِ بِدْعَةٌ. فَإِنْ قُلْتُ: صَحَّ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَخَلَ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ» ، «وَأَنَّهُ خَطَبَ بِالنَّاسِ وَعَلَيْهِ عِمَامَةٌ سَوْدَاءُ» ، «وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَمَّمَ عَلِيًّا بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ وَأَرْسَلَهُ إلَى خَيْبَرَ؛ وَنُقِلَ لُبْسُ السَّوَادِ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ» وَالتَّابِعِينَ؟ قُلْتُ: هَذِهِ كُلُّهَا وَقَائِعُ فِعْلِيَّةٌ مُحْتَمَلَةٌ، فَقُدِّمَ الْقَوْلُ وَهُوَ الْأَمْرُ بِلُبْسِ الْبَيَاضِ عَلَيْهَا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا لُبْسُهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَلْ فِي نَحْوِ الْحَرْبِ، لِأَنَّهُ أَرْهَبُ، وَفِي لُبْسِهِ يَوْمَ الْفَتْحِ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ مِلَّتَهُ لَا تَتَغَيَّرُ إذْ كُلُّ لَوْنٍ غَيْرُهُ يَقْبَلُ التَّغَيُّرَ اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute