ثِيَابِكُمْ، وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ» ، وَيُسَنُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَزِيدَ فِي حُسْنِ الْهَيْئَةِ وَالْعِمَّةِ وَالِارْتِدَاءِ لِلِاتِّبَاعِ وَلِأَنَّهُ مَنْظُورٌ إلَيْهِ.
(وَيُسْتَحَبُّ) لِكُلِّ سَامِعٍ لِلْخُطْبَةِ (الْإِنْصَاتُ) إلَى الْإِمَامِ (فِي وَقْتِ) قِرَاءَةِ (الْخُطْبَةِ) الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَقَدْ مَرَّ دَلِيلُ ذَلِكَ، وَيُكْرَهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ أَنْ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «رَأَى رَجُلًا يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ فَقَدْ آذَيْتَ وَآنَيْتَ» أَيْ تَأَخَّرْت وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ صُوَرٌ مِنْهَا: الْإِمَامُ إذَا لَمْ يَبْلُغْ الْمِنْبَرَ أَوْ الْمِحْرَابَ إلَّا بِالتَّخَطِّي فَلَا يُكْرَهُ لَهُ لِاضْطِرَارِهِ إلَيْهِ، وَمِنْهَا مَا إذَا وَجَدَ فِي الصُّفُوفِ الَّتِي بَيْنَ يَدَيْهِ فُرْجَةً لَمْ يَبْلُغْهَا إلَّا بِتَخَطِّي رَجُلٍ أَوْ رَجُلَيْنِ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ لِلْإِمَامِ إلَخْ) وَلَا يُنْدَبُ لَهُ التَّبْكِيرُ بَلْ يَجُوزُ، فَيُسْتَحَبُّ لَهُ التَّأْخِيرُ إلَى وَقْتِ الْخُطْبَةِ اقْتِدَاءً بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ. وَيُلْحَقُ بِهِ مَنْ بِهِ سَلَسُ بَوْلٍ وَنَحْوُهُ فَلَا يُنْدَبُ لَهُ التَّبْكِيرُ اهـ أج.
قَوْلُهُ: (فِي وَقْتِ قِرَاءَةِ الْخُطْبَةِ) خَرَجَ بِهِ حَالَ صُعُودِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ فَلَا يُكْرَهُ الْكَلَامُ قَوْلُهُ: (وَقَدْ مَرَّ دَلِيلُ ذَلِكَ) هُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ} [الأعراف: ٢٠٤] إلَخْ قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ) أَيْ كَرَاهَةَ تَنْزِيهٍ عَلَى الْمُعْتَمَدِ قَوْلُهُ: (رِقَابَ النَّاسِ) أَيْ قَرِيبًا مِنْهَا وَهُوَ الْمَنَاكِبُ. وَالْمُرَادُ بِالرِّقَابِ الْجِنْسُ فَيُكْرَهُ تَخَطِّي رَقَبَةٍ أَوْ رَقَبَتَيْنِ كَمَا قَالَهُ ح ل. وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالرِّقَابِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّخَطِّي أَنْ يَرْفَعَ رِجْلَهُ بِحَيْثُ يُحَاذِي فِي تَخَطِّيهِ أَعْلَى مَنْكِبَ الْجَالِسِ، وَعَلَيْهِ فَمَا يَقَعُ مِنْ الْمُرُورِ بَيْنَ النَّاسِ لِيَصِلَ إلَى نَحْوِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ مَثَلًا لَيْسَ مِنْ التَّخَطِّي بَلْ مِنْ خَرْقِ الصُّفُوفِ إنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ فُرَجٌ فِي الصُّفُوفِ يَمْشِي فِيهَا. وَمِنْ التَّخَطِّي الْمَكْرُوهِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ مِنْ التَّخَطِّي لِتَفْرِقَةِ الْأَجْزَاءِ أَوْ تَبْخِيرِ الْمَسْجِدِ أَوْ سَقْيِ الْمَاءِ أَوْ السُّؤَالِ لِمَنْ يَقْرَأُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْكَرَاهَةُ مِنْ حَيْثُ التَّخَطِّي كَمَا فِي ع ش عَلَى م ر. قَالَ فِي الرَّوْضِ وَشَرْحِهِ: وَيَحْرُمُ أَنْ يُقِيمَ أَحَدًا لِيَجْلِسَ مَكَانَهُ، لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: «لَا يُقِيمُ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ يَجْلِسُ فِيهِ وَلَكِنْ يَقُولُ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا» فَإِنْ قَامَ الْجَالِسُ بِاخْتِيَارِهِ وَأَجْلَسَ غَيْرَهُ فَلَا كَرَاهَةَ فِي جُلُوسِ غَيْرِهِ، وَأَمَّا هُوَ فَإِنْ انْتَقَلَ إلَى مَكَان أَقْرَبَ إلَى الْإِمَامِ أَوْ مِثْلِهِ لَمْ يُكْرَهْ وَإِلَّا كُرِهَ إنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ؛ لِأَنَّ الْإِيثَارَ بِالْقُرَبِ مَكْرُوهٌ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الحشر: ٩] فَالْمُرَادُ الْإِيثَارُ فِي حُظُوظِ النَّفْسِ اهـ، مَرْحُومِيٌّ. نَعَمْ إنْ آثَرَ قَارِئًا أَوْ عَالِمًا لِيُعَلِّمَ الْإِمَامَ أَوْ يَرُدَّ عَلَيْهِ إذَا غَلِطَ فَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ لِكَوْنِهِ
مُصْلِحَةً
عَامَّةً اهـ شَرْحُ م ر قَوْلُهُ: «فَقَدْ آذَيْتَ» أَيْ النَّاسَ بِتَخَطِّيكَ. وَلَمْ يُحْمَلْ عَلَى الْحُرْمَةِ لِأَنَّ الْإِيذَاءَ هُنَا لِغَرَضٍ.
قَوْلُهُ: (وَآنَيْتَ) بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ أَيْ أَخَّرْتَ الْمَجِيءَ وَأَبْطَأْتَ قَوْلُهُ: (الْإِمَامُ) وَكَالْإِمَامِ الرَّجُلُ الْمُعَظَّمُ فِي نُفُوسِ النَّاسِ لِصَلَاحٍ أَوْ وِلَايَةٍ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتَبَرَّكُونَ بِهِ وَيُسَرُّونَ بِتَخَطِّيهِ سَوَاءٌ أَلِفَ مَوْضِعًا أَوْ لَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَظَّمًا لَمْ يَتَخَطَّ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَحَلٌّ مَأْلُوفٌ وَكَالْإِمَامِ مَنْ جَلَسَ فِي مَمَرِّ النَّاسِ فَلَا يُكْرَهُ تَخَطِّيهِ، وَكَذَا لَوْ سَبَقَ مِنْ لَا تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ كَالْعَبِيدِ وَالصِّبْيَانِ إلَى الْجَامِعِ؛ وَتَوَقَّفَ سَمَاعُ أَرْكَانِ الْخُطْبَتَيْنِ عَلَى تَخَطِّي الْكَامِلِينَ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ التَّخَطِّي بَلْ قَدْ يَجِبُ إقَامَتُهُمْ مِنْ مَحَلِّهِمْ إذَا تَوَقَّفَ ذَلِكَ عَلَيْهِ. وَبِهِ يُقَيَّدُ قَوْلُهُمْ " إذَا سَبَقَ الصَّبِيُّ إلَى الصَّفِّ الْأَوَّلِ لَا يُقَامُ مِنْ مَحَلِّهِ ". وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّخَطِّي يُوجَدُ فِيهِ سِتَّةُ أَحْكَامٍ، فَيَجِبُ إنْ تَوَقَّفَ الصِّحَّةُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَيَحْرُمُ مَعَ التَّأَذِّي، وَيُكْرَهُ مَعَ عَدَمِ الْفُرْجَةِ أَمَامَهُ، وَيُنْدَبُ فِي الْفُرْجَةِ الْقَرِيبَةِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ مَوْضِعًا وَفِي الْبَعِيدَةِ لِمَنْ لَا يَرْجُو سَدَّهَا وَلَمْ يَجِدْ مَوْضِعًا؛ وَخِلَافُ الْأَوْلَى فِي الْقَرِيبَةِ لِمَنْ وَجَدَ مَوْضِعًا وَفِي الْبَعِيدَةِ لِمَنْ رَجَا سَدَّهَا وَوَجَدَ مَوْضِعًا، وَيُبَاحُ فِي هَذِهِ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ لَهُ مَوْضِعًا كَمَا ذَكَرَهُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ قَوْلُهُ: (فُرْجَةً) بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا وَيُقَالُ وَكَسْرِهَا وَهِيَ الْخَلَاءُ الظَّاهِرُ؛ وَعِبَارَةُ الْبِرْمَاوِيِّ: وَهِيَ خَلَاءٌ ظَاهِرٌ أَقَلُّهُ مَا يَسَعُ وَاقِفًا؛ وَخَرَجَ بِهَا السَّعَةُ فَلَا يَتَخَطَّى إلَيْهَا مُطْلَقًا اهـ. وَحَاصِلُ الْمُعْتَمَدِ أَنَّهُ إذَا وَجَدَ فُرْجَةً لَا يُكْرَهُ لَهُ التَّخَطِّي مُطْلَقًا، أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ قَرِيبَةً أَوْ بَعِيدَةً رَجَا تَقَدُّمَ أَحَدٍ إلَيْهَا أَمْ لَا. وَأَمَّا اسْتِحْبَابُ تَرْكِهِ فَإِذَا وَجَدَ مَوْضِعًا اُسْتُحِبَّ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَإِنْ رَجَا انْسِدَادَهَا فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا يُسْتَحَبُّ تَرْكُهَا اهـ قَالَهُ الشَّوْبَرِيُّ. وَقَوْلُهُ: " وَإِلَّا فَإِنْ رَجَا انْسِدَادَهَا " فَكَذَلِكَ فِيهِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِدْ مَوْضِعًا يَكُونُ مَعْذُورًا وَلَا بُدَّ فَمَاذَا يَفْعَلُ.
قَوْلُهُ: (إلَّا بِتَخَطِّي رَجُلٍ) أَيْ صَفٍّ أَوْ صَفَّيْنِ كَمَا صَوَّبَهُ ق ل، وَعِبَارَتُهُ: صَوَابُهُ صَفٍّ أَوْ صَفَّيْنِ، إذْ لَا يُتَصَوَّرُ تَخَطِّي رَجُلٌ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِأَحَدِ جَانِبَيْهِ فُرْجَةٌ فَالْمُرُورُ مِنْهَا لَيْسَ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute