أَوَّلِهِمَا فَيَقُولُ: " أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إلَيْهِ " بَدَلُ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ، وَيُكْثِرُ فِي أَثْنَاءِ الْخُطْبَتَيْنِ مِنْ قَوْلِ {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: ١٠] يُرْسِلُ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلُ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلُ لَكُمْ أَنْهَارًا وَمِنْ دُعَاءِ الْكَرْبِ، وَهُوَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ وَيَتَوَجَّهُ لِلْقِبْلَةِ مِنْ نَحْوِ ثُلُثِ الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ (وَيُحَوِّلُ) الْخَطِيبُ (رِدَاءَهُ) عِنْدَ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ لِلتَّفَاؤُلِ بِتَحْوِيلِ الْحَالِ مِنْ الشِّدَّةِ إلَى الرَّخَاءِ، «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُحِبُّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: «وَأُحِبُّ الْفَأْلَ الصَّالِحَ» وَيَجْعَلُ يَمِينَ رِدَائِهِ يَسَارَهُ وَعَكْسُهُ، وَيَجْعَلُ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (إنَّهُ كَانَ غَفَّارًا) وَلَمْ يَزَلْ لِأَنَّ " كَانَ " فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لِلدَّوَامِ وَالِاسْتِمْرَارِ قَوْلُهُ: (يُرْسِلْ السَّمَاءَ) أَيْ الْمَطَرَ، مِنْ إطْلَاقِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِ؛ قَالَ م ر: وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْمَطَرُ مَعَ السَّحَابِ. وَقَوْلُهُ " مِدْرَارًا " مِفْعَالًا صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ، وَهُوَ حَالٌ أَيْ حَالُ كَوْنِهِ كَثِيرَ الدَّرِّ أَيْ الْمَاءِ وَيَقُولُ مَا قَالَ آدَم - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} [الأعراف: ٢٣] الْآيَةُ وَكَمَا قَالَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} [القصص: ١٦] وَكَمَا قَالَ يُونُسُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: {لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: ٨٧] اهـ قَوْلُهُ: (وَمِنْ دُعَاءِ الْكَرْبِ) لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ يُذْكَرُ عِنْدَ الْكَرْبِ وَفِيهِ أَنَّهُ ذِكْرٌ لَا دُعَاءٌ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْقَصْدُ مِنْهُ طَلَبَ رَفْعِ الْكَرْبِ سُمِّيَ دُعَاءً بِهَذَا الِاعْتِبَارِ وَإِنْ كَانَ مَدْلُولُهُ الثَّنَاءَ عَلَى اللَّهِ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ، فَفِيهِ دُعَاءٌ ضِمْنًا أَوْ أَنَّهُ سَمَّاهُ دُعَاءً بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ وَرَدَ فِيهِ أَدْعِيَةٌ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ. وَهَذَا كُلُّهُ طَرِيقَةُ الْفُقَهَاءِ، وَأَمَّا السَّادَةُ الصُّوفِيَّةُ فَعَادَتُهُمْ التَّسْلِيمُ مِنْ غَيْرِ دُعَاءٍ لِلْعَزِيزِ الْحَكِيمِ، قَالَ قَائِلُهُمْ:
سَلِّمْ لَهُ الْأَمْرَ عَلَّ تَسْلَمْ ... وَاصْبِرْ عَلَى الدَّهْرِ إنْ تَمَادَى
لَا تَخْشَ نَارًا ذَكَتْ بِلَيْلِ ... كَمْ جَمْرَةً أَصْبَحَتْ رَمَادَا
قَوْلُهُ: (وَيَجْعَلُ يَمِينَ رِدَائِهِ) كَانَ الْأَوْلَى عَطْفَهُ بِالْفَاءِ ق ل. وَحِكْمَةُ التَّحْوِيلِ التَّفَاؤُلُ بِتَغْيِيرِ الْحَالِ مِنْ الشِّدَّةِ إلَى الرَّخَاءِ فَيُغَيِّرُوا بَوَاطِنَهُمْ بِالتَّوْبَةِ وَظَوَاهِرَهُمْ بِتَحْوِيلِ أَرْدِيَتِهِمْ وَتَنْكِيسِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: ١١] وَهَذَا التَّحْوِيلُ خَاصٌّ بِالرَّجُلِ إمَامًا أَوْ غَيْرَهُ دُونَ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى، وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ يُشْعِرُ بِتَخْصِيصِهِ بِالْإِمَامِ كَالتَّنْكِيسِ؛ وَلِهَذَا قَالَ ق ل: وَالتَّحْوِيلُ وَالتَّنْكِيسُ خَاصٌّ بِالرَّجُلِ مُطْلَقًا. وَقَدْ أَشَارَ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ فِيمَا يَأْتِي " وَيَفْعَلُ النَّاسُ إلَخْ " إلَى عَدَمِ اخْتِصَاصِ مَا ذَكَرَ مِنْ التَّحْوِيلِ وَالتَّنْكِيسِ بِالْإِمَامِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، لَكِنْ يُقَيَّدُ كَلَامُ الشَّارِحِ فِيمَا يَأْتِي بِالذُّكُورِ فَقَطْ. وَيُتْرَكُ الرِّدَاءُ مُحَوَّلًا وَمُنَكَّسًا حَتَّى تُنْزَعَ الثِّيَابُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ. وَحَقِيقَةُ الرِّدَاءِ مَا يُوضَعُ عَلَى الْكَتِفِ، وَالطَّيْلَسَانِ مَا يُوضَعُ عَلَى الرَّأْسِ وَيُغَطَّى بِهِ بَعْضُ الْوَجْهِ، وَالْإِزَارِ مَا يُوضَعُ فِي الْوَسَطِ. وَكَانَ طُولُ رِدَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سِتَّةَ أَذْرُعٍ وَعَرْضُهُ ثَلَاثَةَ أَذْرُعٍ وَشِبْرًا، وَكَانَ إزَارُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَرْبَعَةَ أَذْرُعٍ وَعَرْضُهُ ذِرَاعَيْنِ وَشِبْرًا.
وَاخْتَلَفَ الْمُحَدِّثُونَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - فِي عِمَامَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَيْفَ كَانَتْ طُولًا وَعَرْضًا وَصِفَةً، ثُمَّ رَوَوْا عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَتْ عِمَامَتُهُ الشَّرِيفَةُ فِي سَفَرِهِ بَيْضَاءَ طُولُهَا سَبْعَةُ أَذْرُعٍ وَعَرْضُهَا ذِرَاعٌ وَإِنَّ الْعَذَبَةَ مِنْ غَيْرِ الْعِمَامَةِ وَفِي الْحَضَرِ كَانَتْ عِمَامَتُهُ الشَّرِيفَةُ سَوْدَاءَ مِنْ صُوفٍ طُولُهَا سَبْعَةُ أَذْرُعٍ فِي عَرْضِ ذِرَاعٍ وَالْعَذَبَةُ مِنْ الْعِمَامَةِ؛ وَفِي الْحَدِيثِ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «عَلَيْكُمْ بِالْعَمَائِمِ فَإِنَّهَا سِيمَا الْمَلَائِكَةِ وَتِيجَانُ الْعَرَبِ، وَأَرْخُوهَا مِنْ خَلْفِ ظُهُورِكُمْ إلَى الْجِهَةِ الْيُسْرَى مِقْدَارَ أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ» كَذَا ذَكَرَهُ وَلِيُّ اللَّهِ تَعَالَى مُحْيِي الدِّينِ مُحَمَّدٌ الْمَلِيجِيُّ الشَّافِعِيُّ الشَّعْرَانِيُّ فِي كِتَابِهِ الَّذِي سَمَّاهُ بِالْمَتْنِ. وَفِي شَرْحِ الشَّمَائِلِ لِلْمُنَاوِيِّ أَنَّ لُبْسَ النَّعْلِ الْأَصْفَرِ يُورِثُ السُّرُورَ بِدَلِيلِ: {صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا} [البقرة: ٦٩] إلَخْ. وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسَمِّي مَا يَلْبَسُهُ بِاسْمِهِ، وَلَمْ يَلْبَسْ السَّرَاوِيلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute