وَعَكْسُهُ، وَالْأَوَّلُ تَحْوِيلٌ وَالثَّانِي تَنْكِيسٌ وَذَلِكَ لِلِاتِّبَاعِ فِي الْأَوَّلِ، وَلِهَمِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالثَّانِي فِيهِ، فَإِنَّهُ اسْتَسْقَى وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ بِأَسْفَلِهَا فَيَجْعَلَهُ أَعْلَاهَا، فَلَمَّا ثَقُلَتْ عَلَيْهِ قَلَبَهَا عَلَى عَاتِقِهِ، وَيَحْصُلَانِ مَعًا بِجَعْلِ الطَّرَفِ الْأَسْفَلِ الَّذِي عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ وَعَكْسُهُ وَهَذَا فِي الرِّدَاءِ الْمُرَبَّعِ، وَأَمَّا الْمُدَوَّرُ وَالْمُثَلَّثُ فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا التَّحْوِيلُ قَالَ الْقَمُولِيُّ: لِأَنَّهُ لَا يَتَهَيَّأُ فِيهِ التَّنْكِيسُ، وَكَذَا الرِّدَاءُ الطَّوِيلُ وَمُرَادُهُ كَغَيْرِهِ أَنَّ ذَلِكَ مُتَعَسِّرٌ لَا مُتَعَذِّرٌ، وَيَفْعَلُ النَّاسُ وَهُمْ جُلُوسٌ مِثْلَهُ تَبَعًا لَهُ وَكُلُّ ذَلِكَ مَنْدُوبٌ (وَيُكْثِرُ) فِي الْخُطْبَتَيْنِ (مِنْ الدُّعَاءِ) وَيُبَالِغُ فِيهِ سِرًّا وَجَهْرًا، وَيَرْفَعُ الْحَاضِرُونَ أَيْدِيَهُمْ فِي الدُّعَاءِ مُشِيرِينَ بِظُهُورِ أَكُفَّهُمْ إلَى السَّمَاءِ لِلِاتِّبَاعِ، وَالْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ الْقَصْدَ رَفْعُ الْبَلَاءِ بِخِلَافِ الْقَاصِدِ حُصُولَ شَيْءٍ (وَ) مِنْ (الِاسْتِغْفَارِ) وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْضًا لِأَنَّ ذَلِكَ أَرْجَى لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ (وَيَدْعُو) فِي الْخُطْبَةِ الْأُولَى (بِدُعَاءِ) سَيِّدِنَا (رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) الَّذِي أَسْنَدَهُ إمَامُنَا الشَّافِعِيُّ فِي الْمُخْتَصَرِ وَهُوَ: «اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ» ) بِضَمِّ السِّينِ أَيْ اسْقِنَا سُقْيَا رَحْمَةٍ، فَمَحَلُّهُ نَصْبٌ بِالْفِعْلِ الْمُقَدَّرِ «وَلَا سُقْيَا عَذَابٍ» أَيْ وَلَا تَسْقِنَا سُقْيَا عَذَابٍ «وَلَا مَحْقٍ» بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْمُهْمَلَةِ هُوَ الْإِتْلَافُ وَذَهَابُ الْبَرَكَةِ (وَلَا بَلَاءٍ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالْمَدِّ هُوَ الِاخْتِبَارُ وَيَكُونُ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ كَمَا فِي
ــ
[حاشية البجيرمي]
مَعَ كَوْنِهِ اتَّخَذَهَا وَأَمَرَ بِاِتِّخَاذِهَا اهـ كَلَامُهُ.
قَوْلُهُ: (وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ) هِيَ كِسَاءٌ أَسْوَدُ مُعَلَّمُ الطَّرَفَيْنِ يَكُونُ مِنْ خَزٍّ أَوْ صُوفٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعَلَّمًا فَلَيْسَ بِخَمِيصَةٍ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ.
قَوْلُهُ: (فَلَمَّا ثَقُلَتْ عَلَيْهِ) أَيْ لِعُذْرٍ قَامَ بِهِ، وَإِلَّا فَقُوَّتُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا تُضَاهَى، أَوْ أَنَّهُ أَظْهَرَ الْعَجْزَ هُنَا لِكَوْنِ الْمَقَامِ مَقَامَ تَذَلُّلٍ وَخُشُوعٍ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَزِيزِيُّ؛ وَثِقَلُهَا كَانَ بِسَبَبِ الْمَطَرِ قَوْلُهُ: (عَلَى عَاتِقِهِ الْأَيْسَرِ) أَيْ وَبِالْعَكْسِ.
قَوْلُهُ: (فَلَيْسَ فِيهِ إلَّا التَّحْوِيلُ) الْمُنَاسِبُ فَلَيْسَ فِيهِمَا ق ل؛ وَيُمْكِنُ أَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ لِمَا ذُكِرَ.
قَوْلُهُ: (وَيَفْعَلُ النَّاسُ) أَيْ الذُّكُورُ فَقَطْ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَوْلُهُ " مِثْلَهُ " أَيْ مِنْ التَّحْوِيلِ وَالتَّنْكِيسِ قَوْلُهُ: (وَيَرْفَعُ الْحَاضِرُونَ أَيْدِيَهُمْ) أَيْ مِنْ إمَامٍ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ: (مُشِيرِينَ بِظُهُورِ أَكُفِّهِمْ إلَى السَّمَاءِ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ حَتَّى فِي قَوْلِهِمْ " اسْقِنَا الْغَيْثَ " لِكَوْنِ الْمَقْصُودِ بِهِ رَفْعَ الْبَلَاءِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ " وَالْحِكْمَةُ إلَخْ " إطْفِيحِيٌّ؛ أَيْ وَإِنْ كَانَ فِي الظَّاهِرِ طَالِبًا لِتَحْصِيلِ الْغَيْثِ ح ف؛ لِأَنَّ الِاعْتِبَارَ عِنْدَ الشَّارِحِ بِقَصْدِ الدَّاعِي. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ النَّوَوِيِّ. وَعِنْدَ شَيْخِنَا وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالصِّيغَةِ فَعِنْدَ نَحْوِ " اسْقِنَا الْغَيْثَ " يَجْعَلُ بَطْنَ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ، وَعِنْدَ نَحْوِ " ارْفَعْ عَنَّا مِنْ الْبَلَاءِ " يَجْعَلُ ظُهُورَهُمَا إلَيْهَا ق ل.
قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ الْقَاصِدِ حُصُولَ شَيْءٍ) فَيَجْعَلُ بَطْنَ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ، فَلَوْ اجْتَمَعَ طَلَبُ حُصُولِ شَيْءٍ آخَرَ فِي دُعَائِهِ كَأَنْ كَتَبَ الْأَمْرَيْنِ فِي رُقْعَةٍ وَقَالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك حُصُولَ مَا فِي هَذِهِ، فَأَيُّهُمَا يُرَاعِي قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ: يُرَاعِي الرَّفْعَ فَيَجْعَلُ ظَهْرَ كَفَّيْهِ إلَى السَّمَاءِ اهـ أج.
لِأَنَّ دَرْءَ الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ قَوْلُهُ: (وَمِنْ الِاسْتِغْفَارِ) عَطْفُهُ عَلَى قَوْلِهِ " وَيُكْثِرُ مِنْ الدُّعَاءِ " يُوهِمُ عَدَمَ حَصْرِهِ مَعَ أَنَّهُ مَحْصُورٌ بِتِسْعِ مَرَّاتٍ فِي الْأُولَى وَبِسَبْعٍ فِي الثَّانِيَةِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ بَدَلُ التَّكْبِيرِ فِي الْعِيدَيْنِ؛ وَيُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الدُّعَاءِ حَتَّى يَكُونَ أَكْثَرُ دُعَائِهِ اسْتِغْفَارًا. وَإِنَّمَا طُلِبَ ذَلِكَ كَثِيرًا لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَالْحَاكِمِ: «مَنْ لَازَمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ» سِيَّمَا وَالْقُرْآنُ الْعَزِيزُ مُصَرِّحٌ بِذَلِكَ، قَالَ تَعَالَى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: ١٠] الْآيَةُ قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ) مَبْنِيٌّ عَلَى ضَمِّ الْهَاءِ وَلَيْسَ مَبْنِيًّا عَلَى ضَمٍّ مُقَدَّرٍ عَلَى الْمِيمِ؛ لِأَنَّهَا عِوَضٌ مِنْ حَرْفِ النِّدَاءِ وَلَيْسَ عِوَضًا عَنْ حَرْفٍ مِنْ الْكَلِمَةِ حَتَّى يَكُونَ الْبِنَاءُ مُقَدَّرًا قَوْلُهُ: (فَمَحَلُّهُ نَصْبٌ) صَوَابُهُ مَنْصُوبٌ لِأَنَّهُ مُعْرَبٌ، لَكِنَّهُمْ قَدْ يَحْكُمُونَ عَلَى مَا كَانَ إعْرَابُهُ مُقَدَّرًا بِأَنَّهُ فِي مَحَلٍّ لِعَدَمِ ظُهُورِ إعْرَابِهِ فَهُنَا كَذَلِكَ. اهـ. ق ل. فَقَدْ صَرَّحَ الْأُشْمُونِيُّ وَابْنُ قَاسِمٍ فِي بَابِ الْفَاعِلِ مِنْ شَرْحِ الْخُلَاصَةِ بِأَنَّ الْإِعْرَابَ الْمَحَلِّيَّ يَكُونُ فِي الْمُعْرَبَاتِ، أَيْ وَذَلِكَ كَمَا فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute