وَالرُّكْنُ الرَّابِعُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ كَغَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ وَلِعُمُومِ خَبَرِ: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَقَوْلُهُ (يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ بَعْدَ) التَّكْبِيرَةِ (الْأُولَى) هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْغَزَالِيِّ، وَتَبِعَهُ الرَّافِعِيُّ وَصَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي تِبْيَانِهِ وَلَكِنَّ الرَّاجِحَ كَمَا رَجَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي مِنْهَاجِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ أَنَّهَا تُجْزِئُ فِي غَيْرِ الْأُولَى مِنْ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ وَالرَّابِعَةِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمُوعِ، وَفِي الْمَجْمُوعِ يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ فِي التَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِي الثَّالِثَةِ بَيْنَ الْقِرَاءَةِ وَالدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ، وَيَجُوزُ إخْلَاءُ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى مِنْ الْقِرَاءَةِ اهـ.
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (وَالرُّكْنُ الرَّابِعُ) صَنِيعُهُ هُنَا فِي حَلِّ الْمَتْنِ غَيْرُ حَسَنٍ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَتْنَ يُفِيدُ شَيْئَيْنِ: رُكْنِيَّةَ الْفَاتِحَةِ وَكَوْنَ مَحِلِّهَا بَعْدَ الْأُولَى، وَالشَّارِحُ جَعَلَهُ مُفِيدًا لِلثَّانِيَّ فَقَطْ حَيْثُ قَالَ: وَالرَّابِعُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ، وَجَعَلَ كَلَامَ الْمَتْنِ مُفِيدًا لِكَوْنِهَا بَعْدَ الْأُولَى فَقَطْ، فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ: وَالرُّكْنُ الرَّابِعُ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ، ثُمَّ يَقُولُ: وَقَوْلُهُ بَعْدَ الْأُولَى إلَخْ، وَسَيَأْتِي لَهُ هَذَا الصَّنِيعُ فِي الدُّعَاءِ فَتَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (أَنَّهَا تُجْزِئُ فِي غَيْرِ الْأُولَى) مُعْتَمَدٌ.
وَقَوْلُهُ فِي غَيْرِ الْأُولَى وَلَوْ غَيْرَ الرَّابِعَةِ كَأَنْ زَادَ خَامِسَةً وَقَرَأَهَا فِيهَا سم وَشَوْبَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (مِنْ الثَّانِيَةِ) أَيْ مَعَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَقَوْلُهُ: وَالثَّالِثَةُ، أَيْ مَعَ الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ كَمَا يَأْتِي قَوْلُهُ: (وَالرَّابِعَةُ) أَيْ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِيهَا وَإِلَّا تَعَيَّنَتْ، فَلَيْسَ لَهُ قَطْعُهَا وَتَأْخِيرُهَا إلَى غَيْرِهَا م ر شَوْبَرِيُّ فَرْعٌ: أَدْرَكَ الْمَأْمُومُ الْأُولَى مَعَ الْإِمَامِ وَاسْتَمَرَّ عَمْدًا تَارِكًا لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ حَتَّى كَبَّرَ الْإِمَامُ أُخْرَى وَهِيَ الثَّانِيَةُ، فَالْوَجْهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُكَبِّرَ وَإِنْ قُلْنَا بِعَدَمِ تَعَيُّنِهَا بَعْدَ الْأُولَى لِأَنَّهُ مَحَلُّهَا الْأَصْلِيُّ فَتَعَيَّنَتْ فِيهِ بِإِدْرَاكِ قَدْرِهَا مَا لَمْ يَصْرِفْ عَنْهَا، فَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَيْهِ إمَّا الْمُفَارَقَةُ وَإِمَّا قِرَاءَتُهَا مَا لَمْ يَخَفْ شُرُوعَ الْإِمَامِ فِي الثَّالِثَةِ، فَإِنْ أَتَمَّهَا قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الثَّالِثَةِ مَشَى عَلَى نَظْمِ صَلَاتِهِ، وَإِنْ خَافَ أَنْ يَشْرَعَ الْإِمَامُ فِيهَا قَبْلَ إتْمَامِهَا فَارَقَهُ وُجُوبًا وَأَتَمَّهَا؛ نَعَمْ إنْ قَصَدَ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى تَأْخِيرَ الْفَاتِحَةِ إلَى مَا بَعْدَ الْأُولَى فَالْوَجْهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ تَعَيُّنِهَا بَعْدَ الْأُولَى سم.
قَوْلُهُ: (وَفِي الْمَجْمُوعِ يَجُوزُ أَنْ يَجْمَعَ إلَخْ) فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَمْ تَتَعَيَّنْ الْفَاتِحَةُ فِي مَحَلِّهَا الَّذِي هُوَ الْأُولَى مَعَ أَنَّ غَيْرَهَا مُتَعَيِّنٌ فِي مَحَلِّهِ بَلْ رُبَّمَا يُقَالُ تَعْيِينُهَا فِي الْأُولَى إمَّا أَوْلَوِيٌّ أَوْ مُسَاوٍ لِتَعَيُّنِ الصَّلَاةِ فِي الثَّانِيَةِ وَالدُّعَاءِ فِي الثَّالِثَةِ، فَمَا الْفَرْقُ؟ قُلْتُ: يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ الشَّفَاعَةُ وَالدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ، وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسِيلَةٌ لِقَبُولِهَا، فَتَعَيَّنَ مَحَلُّهُمَا الْوَارِدَانِ فِيهِ عَنْ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إشْعَارًا بِذَلِكَ؛ بِخِلَافِ الْفَاتِحَةِ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ لَهَا مَحَلٌّ إشْعَارًا بِأَنَّهَا دَخِيلَةٌ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ تُسَنَّ فِيهَا السُّورَةُ. اهـ. حَجّ وَشَوْبَرِيٌّ مُلَخِّصًا وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ:
قَوْلُهُ " بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى "، وَقَالَ النَّوَوِيُّ: تُجْزِئُ بَعْدَ غَيْرِهَا أَيْضًا، وَلَهُ عَلَى هَذَا جَمْعُهَا مَعَ رُكْنٍ آخَرَ وَتَأْخِيرُهَا عَنْ الرَّابِعَةِ؛ نَعَمْ تَتَعَيَّنُ عَقِبَ الْأُولَى لِلْمَسْبُوقِ وَلَوْ عَبَّرَ الْمُصَنِّفُ " بِعَقِبِ " بَدَلَ " بَعْدَ " فِي الْكُلِّ لَكَانَ أَوْلَى. اهـ. ق ل وَ.
قَوْلُهُ " نَعَمْ تَتَعَيَّنُ عَقِبَ الْأُولَى لِلْمَسْبُوقِ " ضَعِيفٌ، فَفِي حَاشِيَةِ سم عَلَى حَجّ عِنْدَ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ وَيُكَبِّرُ الْمَسْبُوقُ وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي غَيْرِهَا مَا نَصُّهُ قَوْلُهُ " وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ " أَيْ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ أَخَّرَهَا لِتَكْبِيرَةٍ أُخْرَى، وَقَوْلُهُ " وَإِنْ كَانَ إمَامُهُ فِي غَيْرِهَا " أَيْ بِأَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ بَعْدَ الثَّانِيَةِ مَثَلًا اهـ بِحُرُوفِهِ وَفِي فَتَاوَى م ر مَا نَصُّهُ: سُئِلَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِيمَنْ تَبَاطَأَ بِإِحْرَامِهِ عَنْ إحْرَامِ إمَامِهِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَلَمَّا أَنْ كَبَّرَ تَكْبِيرَةَ التَّحَرُّمِ كَبَّرَ إمَامُهُ الثَّانِيَةَ، هَلْ يُكَبِّرُ مَعَهُ وُجُوبًا وَتَسْقُطُ عَنْهُ الْفَاتِحَةُ رَأْسًا أَوْ يَأْتِي بِهَا فِي الثَّانِيَةِ مَعَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ الْأُولَى لَيْسَتْ الْفَاتِحَةُ مُتَعَيِّنَةً فِيهَا؟ وَإِذَا تَرَكَهَا فِي الْأُولَى عَمْدًا وَأَتَى بِهَا فِي الثَّانِيَةِ فَهَلْ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدِّمَهَا عَلَى الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ يُقَدِّمَ الصَّلَاةَ عَلَيْهَا؟ فَأَجَابَ: يُكَبِّرُ مَعَهُ وَتَسْقُطُ عَنْهُ الْقِرَاءَةُ وَيَتَحَمَّلُهَا الْإِمَامُ وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ لَهُ تَأْخِيرُ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ لِمَا بَعْدَ الْأُولَى لِسُقُوطِ مَحِلِّهَا الْأَصْلِيِّ، وَمَتَى أَخَّرَهَا لِمَا بَعْدَ الْأُولَى إلَى الثَّانِيَةِ فَتَقْدِيمُ الْفَاتِحَةِ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute