وَسَلَفًا وَذُخْرًا بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَعِظَةً وَاعْتِبَارًا وَشَفِيعًا، وَثَقِّلْ بِهِ مَوَازِينَهُمَا وَأَفْرِغْ الصَّبْرَ عَلَى قُلُوبِهِمَا. لِأَنَّ ذَلِكَ مُنَاسِبٌ لِلْحَالِ، وَزَادَ فِي الْمَجْمُوعِ عَلَى هَذَا: وَلَا تَفْتِنْهُمَا بَعْدَهُ وَلَا تُحْرِمْهُمَا أَجْرَهُ. وَيُؤَنَّثُ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ أُنْثَى، وَيَأْتِي فِي الْخُنْثَى مَا مَرَّ. وَيَكْفِي هَذَا الدُّعَاءُ لِلطِّفْلِ. وَلَا يُنَافِي قَوْلَهُمْ إنَّهُ لَا بُدَّ فِي الدُّعَاءِ لِلْمَيِّتِ أَنْ يُخَصَّ بِهِ كَمَا مَرَّ لِثُبُوتِ النَّصِّ فِي هَذَا بِخُصُوصِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَالسِّقْطُ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْعَى لِوَالِدَيْهِ بِالْعَافِيَةِ وَالرَّحْمَةِ» وَلَكِنْ لَوْ دَعَا لَهُ بِخُصُوصِهِ كَفَى، وَلَوْ تُرُدِّدَ فِي بُلُوغِ الْمُرَاهِقِ فَالْأَحْوَطُ أَنْ يَدْعُوَ بِهَذَا وَيُخَصِّصُهُ بِالدُّعَاءِ بَعْدَ الثَّالِثَةِ. قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: وَسَوَاءٌ فِيمَا قَالُوهُ مَاتَ فِي حَيَاةِ أَبَوَيْهِ أَمْ لَا. وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ: مَحَلُّهُ فِي الْأَبَوَيْنِ الْحَيَّيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَكُونَا كَذَلِكَ أَتَى بِمَا يَقْتَضِيهِ الْحَالُ وَهَذَا أَوْلَى، وَلَوْ جَهِلَ إسْلَامَهُمَا فَالْأَوْلَى أَنْ يُعَلِّقَ عَلَى إيمَانِهِمَا خُصُوصًا فِي نَاحِيَةٍ يَكْثُرُ فِيهَا الْكُفَّارُ، وَلَوْ عَلِمَ كُفْرَهُمَا كَتَبَعِيَّةِ الصَّغِيرِ لِلسَّابِي حُرِّمَ الدُّعَاءُ لَهُمَا بِالْمَغْفِرَةِ وَالشَّفَاعَةِ وَنَحْوِهِمَا، (وَيَقُولُ فِي) التَّكْبِيرَةِ (الرَّابِعَةِ) نَدْبًا (اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا) بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّةِ وَضَمِّهَا (أَجْرَهُ) أَيْ أَجْرَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ أَوْ أَجْرَ الْمُصِيبَةِ بِهِ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُصِيبَةِ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ (وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ) أَيْ بِالِابْتِلَاءِ بِالْمَعَاصِي، وَزَادَ الْمُصَنِّفُ كَالتَّنْبِيهِ (وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ) وَاسْتَحْسَنَهُ الْأَصْحَابُ، وَيُسَنُّ أَنْ يُطَوِّلَ الدُّعَاءَ بَعْدَ الرَّابِعَةِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ. نَعَمْ لَوْ خَشِيَ تَغَيُّرَ الْمَيِّتِ أَوْ انْفِجَارَهُ لَوْ أَتَى
ــ
[حاشية البجيرمي]
عَطْفُ عَامٍّ عَلَى خَاصٍّ؛ لِأَنَّ السَّلَفَ مُطْلَقُ السَّابِقِ سَوَاءٌ كَانَ مُهَيَّئًا لِلْمَصَالِحِ أَمْ لَا، وَالْفَرْطُ السَّابِقُ الْمُهَيَّأُ لِلْمَصَالِحِ كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.
قَوْلُهُ: (وَذُخْرًا) شَبَّهَ تَقَدُّمَهُ لَهُمَا بِشَيْءٍ نَفِيسٍ يَكُونُ أَمَامَهُمَا مُدَّخَرًا إلَى وَقْتِ حَاجَتِهِمَا لَهُ بِشَفَاعَتِهِ لَهُمَا، وَقَوْلُهُ " وَاعْتِبَارًا " أَيْ يَعْتَبِرَانِ بِمَوْتِهِ وَفَقْدِهِ حَتَّى يَحْمِلَهُمَا ذَلِكَ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ، شَرْحُ حَجّ.
قَوْلُهُ: (وَعِظَةً) اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى الْوَعْظِ، أَوْ اسْمُ فَاعِلٍ، أَيْ وَاعِظًا؛ وَالْمُرَادُ بِهِ وَبِمَا بَعْدَهُ أَعْنِي اعْتِبَارًا غَايَتُهُمَا وَهُوَ الظَّفْرُ بِالْمَطْلُوبِ مِنْ الْخَيْرِ وَثَوَابِهِ، فَسَقَطَ التَّنْظِيرُ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الْوَعْظَ التَّذْكِيرُ بِالْعَوَاقِبِ، وَهَذَا قَدْ انْقَطَعَ بِالْمَوْتِ شَرْحُ م ر، أَيْ فَلَا يَتَأَتَّى فِيمَا إذَا كَانَ أَبَوَاهُ مَيِّتَيْنِ؛ لَكِنْ سَيَأْتِي عَنْ الزَّرْكَشِيّ أَنَّ هَذَا خَاصٌّ بِمِنْ كَانَ أَبَوَاهُ حَيَّيْنِ تَأَمَّلْ.
قَوْلُهُ: (وَثَقُلَ بِهِ) أَيْ بِثَوَابِ الصَّبْرِ عَلَى فَقْدِهِ أَوْ الرِّضَا بِهِ؛ ابْنُ حَجَرٍ: وَهَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي الْكَافِرِينَ اهـ.
قَوْلُهُ: (وَأَفْرِغْ الصَّبْرَ) لَا يَتَأَتَّى إلَّا فِي الْحَيِّ وَقَوْلُهُ: (وَلَا تَفْتِنْهُمَا بَعْدَهُ) وَإِتْيَانُ هَذَا فِي الْمَيِّتِينَ صَحِيحٌ إذْ الْفِتْنَةُ يُكَنَّى بِهَا عَنْ الْعَذَابِ. اهـ. ابْنُ حَجَرٍ وَقَدْ وَرَدَ فِي الصَّبْرِ بِمَوْتِ الْوَلَدِ فَضْلٌ كَثِيرٌ، مِنْهُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ: «إذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لِمَلَائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: مَاذَا قَالَ؟ فَيَقُولُونَ: حَمَدَك وَاسْتَرْجَعَ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ وَالِاسْتِرْجَاعِ» وَوَرَدَ: «لَا يَمُوتُ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْوَلَدِ فَتَمَسُّهُ النَّارُ إلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ» أَيْ {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلا وَارِدُهَا} [مريم: ٧١] الْآيَةُ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ الْمُرُورُ عَلَى الصِّرَاطِ، وَقَدْ وَرَدَ: «أَنَّ الْوَلَدَ يَشْفَعُ لِأَبَوَيْهِ» وَيُوَجَّهُ بِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ذَنْبٌ أَشْبَهَ الْعُلَمَاءَ وَالشُّهَدَاءَ فَإِنَّ لَهُمْ حَظًّا فِي الشَّفَاعَةِ، فَلْيَكُنْ هَذَا أَوْلَى؛ لَكِنْ صَحَّ: «كُلُّ غُلَامٍ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ» الْحَدِيثُ، وَفَسَّرَهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ مَنْ لَمْ يَعُقَّ عَنْهُ لَمْ يَشْفَعْ لِوَالِدَيْهِ، وَاسْتَحْسَنَهُ الْخَطَّابِيُّ؛ فَيَنْبَغِي لِمَنْ يَرْجُو شَفَاعَةَ وَلَدِهِ أَنْ يُعِقَّ عَنْهُ وَلَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَعَبَّرَ عَنْ عَدَمِ الشَّفَاعَةِ بِالِارْتِهَانِ لِأَنَّ الْمُرْتَهَنَ مَحْبُوسٌ غَالِبًا عِنْدَ رَاهِنِهِ فَلَا يَشْفَعُ، فَشُبِّهَ مَنْ لَمْ يُعَقَّ عَنْهُ بِمَرْهُونٍ تَعَطَّلَ الِانْتِفَاعُ بِهِ اهـ مُلَخَّصًا مِنْ شَرْحِ الْعُبَابِ لِابْنِ حَجَرٍ.
قَوْلُهُ: (فَالْأَحْوَطُ إلَخْ) فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى الْوَارِدِ لَمْ يَكْفِ لِاحْتِمَالِ بُلُوغِهِ، وَإِنْ دَعَا لَهُ بِالرَّحْمَةِ كَفَى، وَالْأَحْوَطُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا.
قَوْلُهُ: (كَتَبَعِيَّةِ الصَّغِيرِ لِلسَّابِي إلَخْ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الصَّغِيرُ الَّذِي أَبَوَاهُ كَافِرَانِ كَافِرٌ تَحْرُمُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، فَأَجَابَ بِأَنَّهُ مُسْلِمٌ حُكْمًا تَبَعًا لِسَابِيهِ.
قَوْلُهُ: (وَيَقُولُ فِي التَّكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ) أَيْ بَعْدَهَا، وَقَوْلُهُ " نَدْبًا " أَيْ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ شَيْءٌ، فَلَوْ سَلَّمَ عَقِبَهَا جَازَ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف.
قَوْلُهُ: (أَنْ يُطَوِّلَ الدُّعَاءَ) أَيْ بِقَدْرِ مَا قَبْلَهَا مِنْ التَّكْبِيرَاتِ الثَّلَاثِ وَمَا فِيهَا مِنْ الْقِرَاءَةِ وَالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ وَنَقَلَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَقْرَأُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ} [غافر: ٧] إلَى قَوْلِهِ الْعَظِيمُ