الْمُضَارَعَةِ وَفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ الزِّيَادَةُ فِي النُّزُولِ (قَامَةً وَبَسْطَةً) مِنْ رَجُلٍ مُعْتَدِلٍ لَهُمَا وَهُمَا أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ وَنِصْفٌ كَمَا صَوَّبَهُ النَّوَوِيُّ خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ إنَّهُمَا ثَلَاثَةُ أَذْرُعٍ وَنِصْفٌ تَبَعًا لِلْمَحَامِلِيِّ، وَيُنْدَبُ أَنْ يُنْدَبُ وَجْهُهُ وَرِجْلَاهُ إلَى جِدَارِ الْقَبْرِ وَظَهْرُهُ بِنَحْوِ لَبِنَةٍ كَحَجَرٍ حَتَّى لَا يُنَكَّبَ وَلَا يَسْتَلْقِي، وَأَنْ يُسَدَّ فَتْحُهُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَسُكُونِ التَّاءِ بِنَحْوِ لَبِنٍ كَطِينٍ بِأَنْ يُبْنَى بِذَلِكَ ثُمَّ يُسَدُّ فَرْجُهُ بِكِسَرِ لَبِنٍ وَطِينٍ أَوْ نَحْوِهِمَا، وَكُرِهَ أَنْ يُجْعَلَ لَهُ فَرْشٌ وَمِخَدَّةٌ وَصُنْدُوقٌ لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ لِأَنَّ
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (قَامَةً وَبَسْطَةً) أَيْ قَدْرَ قَامَةِ الرَّجُلِ وَرَفْعِ يَدَيْهِ مَبْسُوطَةً فَوْقَ رَأْسِهِ ق ل وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: بِأَنْ يَقُومَ رَجُلٌ مُعْتَدِلٌ بَاسِطًا يَدَيْهِ مَرْفُوعَتَيْنِ؛ قَالَ الشَّوْبَرِيُّ: وَأَشَارَ حَجّ إلَى أَنَّهُمَا مَنْصُوبَانِ خَبَرًا ل " يَكُونُ " الْمَحْذُوفَةِ، أَيْ وَأَنْ يَكُونَ التَّعْمِيقُ قَامَةً وَبَسْطَةً، وَلَا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَا مَنْصُوبَيْنِ ب يُعَمِّقُ عَلَى حَذْفُ مُضَافٍ وَإِقَامَةِ هَذَا مَقَامَهُ، وَالتَّقْدِيرُ: قَدْرَ قَامَةٍ.
قَوْلُهُ: (لَهُمَا) أَيْ لِلْقَامَةِ وَالْبَسْطَةِ.
قَوْلُهُ: (خِلَافًا لِلرَّافِعِيِّ) كَلَامُ الرَّافِعِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى ذِرَاعِ الْعَمَلِ وَمَا قَبْلَهُ مَحْمُولٌ عَلَى ذِرَاعِ الْيَدِ فَلَا مُخَالَفَةَ، مَرْحُومِيٍّ وَفِيهِ نَظَرٌ، بَلْ يَنْقُصُ عَنْهُ ثُمُنُ ذِرَاعٍ لِأَنَّ ذِرَاعَ الْيَدِ أَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ إلَّا ثُمُنًا وَذِرَاعُ الْعَمَلِ يَزِيدُ عَلَى ذِرَاعِ الْيَدِ بِرُبْعِ ذِرَاعٍ.
قَوْلُهُ: (حَتَّى لَا يَنْكَبَّ) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ " أَنْ يُسْنَدَ وَجْهَهُ وَرِجْلَاهُ إلَى جِدَارِ الْقَبْرِ " وَقَوْلُهُ: " وَلَا يَسْتَلْقِي " رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ " وَظَهْرُهُ إلَخْ " وَلَا يَجِبُ نَبْشُهُ لَوْ انْكَبَّ أَوْ اسْتَلْقَى بَعْدَ الدَّفْنِ، وَكَذَا لَوْ انْهَارَ الْقَبْرُ أَوْ التُّرَابُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ، وَيَجُوزُ نَبْشُهُ وَإِصْلَاحُهُ أَوْ نَقْلُهُ إلَى مَحِلٍّ آخَرَ نَعَمْ لَوْ انْهَارَ عَلَيْهِ التُّرَابُ قَبْلَ تَسْوِيَةِ الْقَبْرِ وَقَبْلَ سَدِّهِ وَجَبَ إصْلَاحُهُ اهـ بِرْمَاوِيٌّ مَسْأَلَةٌ عَنْ الْحُكَمَاءِ، وَذَكَرَهَا أَبُو دَاوُد الْحَكِيمُ: أَنَّ الْوَلَدَ إذَا دُفِنَ وَانْكَبَّ عَلَى وَجْهِهِ فَإِنَّ أُمَّهُ لَا تَحْبَلُ مَا دَامَ مُنْكَبًّا عَلَى وَجْهِهِ. اهـ. كَنْزُ الْبَكْرِيِّ وَقَرَّرَهُ ح ف.
قَوْلُهُ: (وَأَنْ يَسُدَّ) وَقَضِيَّةُ نَدْبِهِ جَوَازُ إهَالَةِ التُّرَابِ عَلَيْهِ بِلَا سَدٍّ، وَبِهِ صَرَّحَ جَمْعٌ؛ لَكِنْ بَحَثَ آخَرُونَ وُجُوبَهُ كَمَا عَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ الْفِعْلِيُّ فَتَحْرُمُ تِلْكَ الْإِهَالَةُ لِمَا فِيهَا مِنْ الْإِزْرَاءِ وَإِذَا حَرَّمُوا مَا دُونَ ذَلِكَ كَكَبِّهِ عَلَى وَجْهِهِ فَهَذَا أَوْلَى، وَيَجْرِي مَا ذُكِرَ فِي تَسْقِيفِ الشِّقِّ شَرْحُ م ر وَالْقَاعِدَةُ أَنَّهُ إذَا اُسْتُدْرِكَ عَلَى حُكْمٍ كَانَ مُعْتَمَدُهُ مَا بَعْدَ الِاسْتِدْرَاكِ اهـ وَقَالَ ز ي: إنْ لَزِمَ عَلَى عَدَمِ السَّدِّ إهَالَةُ التُّرَابِ عَلَى الْمَيِّتِ وَجَبَ وَإِلَّا نُدِبَ وَعَلَى كُلٍّ يُحْمَلُ كَلَامُ جَمْعٍ، وَإِذَا انْهَدَمَ الْقَبْرُ تَخَيَّرَ الْوَلِيُّ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: تَرْكُهُ وَإِصْلَاحُهُ وَنَقْلُهُ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ، وَوَجْهُهُ أَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الدَّوَامِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ وَأُلْحِقَ بِانْهِدَامِهِ انْهِيَارُ تُرَابِهِ عَقِبَ دَفْنِهِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكَلَامَ حَيْثُ لَمْ يُخْشَ عَلَيْهِ نَحْوُ سَبُعٍ أَوْ يَظْهَرُ مِنْهُ رِيحٌ وَإِلَّا وَجَبَ إصْلَاحُهُ قَطْعًا اهـ شَرْحُ م ر.
قَوْلُهُ: (وَكُرِهَ أَنْ يُجْعَلَ لَهُ فَرُشٌ) أَيْ كَمَا يُكْرَهُ تَقْبِيلُ التَّابُوتِ الَّذِي يُجْعَلُ فَوْقَ الْقَبْرِ، وَكَذَا تَقْبِيلُ الْقَبْرِ وَاسْتِلَامُهُ وَأَعْتَابِ الْأَوْلِيَاءِ عِنْدَ الدُّخُولِ لِزِيَارَتِهِمْ نَعَمْ إنْ قَصَدَ بِتَقْبِيلِ أَضْرِحَتِهِمْ التَّبَرُّكَ لَا يُكْرَهُ كَمَا أَفْتَى بِهِ الْوَالِدُ شَرْحُ م ر أج وَقَالَ ق ل: نَعَمْ يَحْرُمُ ذَلِكَ، أَيْ الْفَرْشُ، مِنْ مَالٍ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ كَصَبِيٍّ وَلَوْ مِنْ التَّرِكَةِ اهـ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " وَكُرِهَ أَنْ يُجْعَلَ لَهُ فَرْشٌ " أَيْ فِي حَقِّ غَيْرِ النَّبِيِّ، أَمَّا هُوَ فَلَا كَرَاهَةَ؛ قَالَ فِي الْخَصَائِصِ وَشَرْحِهَا: وَفُرِشَ لَهُ فِي قَبْرِهِ قَطِيفَةٌ كِسَاءٌ لَهُ خَمْلٌ أَيْ وَبَرٌ وَكَانَتْ حَمْرَاءَ فَرَشَهَا لَهُ شَقْرَانُ مَوْلَاهُ بِأَمْرِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - رَوَى ابْنُ سَعْدٍ عَنْ «الْحَسَنِ: افْرِشُوا لِي قَطِيفَتِي فِي لَحْدِي فَإِنَّ الْأَرْضَ لَمْ تُسَلَّطْ عَلَى أَجْسَادِ الْأَنْبِيَاءِ» قَالَ وَكِيعٌ: هَذَا لِلنَّبِيِّ خَاصَّةٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ يُشَارِكُهُ فِيهَا الْأَنْبِيَاءُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ " فَإِنَّ الْأَرْضَ إلَخْ " فَهُوَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ عَلَى أُمَّتِهِ، وَيُكْرَهُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْأُمَّةِ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنَّمَا أَمَرَ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُفْرَشَ لَهُ ذَلِكَ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ كَمَا فَارَقَ الْأُمَّةَ فِي بَعْضِ أَحْكَامِ حَيَاتِهِ فَارَقَهُمْ فِي بَعْضِ أَحْكَامِ مَمَاتِهِ الَّتِي مِنْهَا مَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: " فَإِنَّ الْأَرْضَ " أَيْ بَطْنَهَا " لَمْ تُسَلَّطْ عَلَى أَكْلِ أَجْسَادِ الْأَنْبِيَاءِ " وَحَقٌّ لِجَسَدٍ عَصَمَهُ اللَّهُ عَنْ الْبِلَى وَالتَّغَيُّرِ وَالِاسْتِحَالَةِ أَنْ يُفْرَشَ لَهُ فِي قَبْرِهِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي يُفْرَشُ لِلْحَيِّ لِأَجَلِهِ لَمْ يَزُلْ عَنْ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَوْتِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ فِي غَيْرِهِ عَلَى هَذَا النَّمَطِ وَمِنْهُ يُعْلَمُ أَنَّ هَذَا لَا يُعَارِضُ مَذْهَبَ الشَّافِعِيَّةِ فِي كَرَاهَةِ وَضْعِ فُرُشٍ تَحْتَ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُمْ فِي غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ مِمَّنْ يَتَغَيَّرُ وَيَبْلَى، وَمَا فِي الِاسْتِيعَابِ مِنْ أَنَّهَا أُخْرِجَتْ قَبْلَ إهَالَةِ التُّرَابِ لَمْ يَثْبُتْ اهـ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute