للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّابِسِ مِنْ الثَّوْبِ قَالَهُ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ. وَيَحْرُمُ أَيْضًا الْجَزَعُ بِضَرْبِ صَدْرِهِ وَنَحْوِهِ كَضَرْبِ خَدٍّ، وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا تَغْيِيرُ الزِّيِّ وَلُبْسُ غَيْرِ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ وَالضَّابِطُ كُلُّ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُ إظْهَارَ جَزَعٍ يُنَافِي الِانْقِيَادَ وَالِاسْتِسْلَامَ لِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ بِشَيْءِ مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يُوصِ بِهِ. قَالَ تَعَالَى {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: ١٦٤] بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِهِ وَعَلَيْهِ حَمَلَ الْجُمْهُورُ الْأَخْبَارَ الْوَارِدَةَ بِتَعْذِيبِ الْمَيِّتِ عَلَى ذَلِكَ، وَالْأَصَحُّ كَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ أَنَّ مَا ذُكِرَ مَحْمُولٌ عَلَى الْكَافِرِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَصْحَابِ الذُّنُوبِ. وَتُنْدَبُ الْمُبَادَرَةُ بِقَضَاءِ دَيْنِ الْمَيِّتِ إنْ تَيَسَّرَ حَالًا. قَبْلَ الِاشْتِغَالِ بِتَجْهِيزِهِ لِخَبَرِ «نَفْسُ الْمُؤْمِنِ أَيْ رُوحُهُ مُعَلَّقَةٌ أَيْ مَحْبُوسَةٌ عَنْ مَقَامِهَا الْكَرِيمِ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَتَجِبُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

إذَا شِئْتَ أَنْ تَبْكِي فَقَيْدًا مِنْ الْوَرَى ... وَتَنْدُبُهُ نَدْبَ النَّبِيِّ الْمُكَرَّمِ

فَلَا تَبْكِيَنَّ إلَّا عَلَى فَقْدِ عَالَمٍ ... يُبَالِغُ فِي التَّعْلِيمِ لِلْمُتَعَلِّمِ

وَفَقْدِ إمَامٍ عَادِلٍ صَانَ مُلْكَهُ ... بِأَنْوَارِ حُكْمِ اللَّهِ لَا بِالتَّحَكُّمِ

وَفَقْدِ وَلِيٍّ صَالِحٍ حَافِظِ الْوَفَا ... مُطِيعٍ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ مُعَظِّمِ

وَفَقْدِ شُجَاعٍ صَادِقٍ فِي جِهَادِهِ ... قَدْ انْتَشَرَتْ أَعْلَامُهُ لِلتَّقَدُّمِ

وَفَقَدَ سَخِيٍّ لَا يَمَلُّ مِنْ الْعَطَا ... يُفَرِّجُ هَمَّ الْعُسْرِ عَنْ كُلِّ مُعْدَمِ

فَهُمْ خَمْسَةٌ يُبْكَى عَلَيْهِمْ وَغَيْرُهُمْ ... إلَى حَيْثُ أَلْقَتْ رَحْلَهَا أُمُّ قَشْعَمِ

اهـ وَقَدْ قِيلَ: إنَّ أُمَّ قَشْعَمٍ كَانَتْ نَاقَةً مَجْنُونَةً أَلْقَتْ رَحْلَهَا فِي النَّارِ.

قَوْلُهُ: (الزِّيِّ) بِكَسْرِ الزَّايِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ الْهَيْئَةِ، وَأَصْلُهُ زُوِيَ بِوَاوٍ ثُمَّ يَاءٍ فَاجْتَمَعَتْ الْوَاوُ وَالْيَاءُ وَسُبِقَتْ إحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ قُلِبَتْ يَاءً وَأُدْغِمَتْ فِي الْيَاءِ الَّتِي بَعْدَهَا فَصَارَ كَمَا تَرَاهُ ز ي.

قَوْلُهُ: (وَلُبْسُ) عَطْفُ تَفْسِيرٍ أَوْ خَاصٍّ عَلَى عَامِّ الشُّمُولِ تَغْيِيرُ الزِّيِّ لِنَشْرِ الشَّعْرِ مَثَلًا، فَفِي الْمُخْتَارِ: الزِّيُّ اللِّبَاسُ وَالْهَيْئَةُ وَمِثْلُهُ وَضْعُ نَحْوِ الطِّينِ وَالنَّجَاسَةِ عَلَى الرَّأْسِ وَدَقُّ الطَّارِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (لِقَضَاءِ اللَّهِ) وَقَدْ نَظَمَ الْعَلَّامَةُ الَأُجْهُورِيُّ الْمَالِكِيُّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ فَقَالَ:

إرَادَةُ اللَّهِ مَعَ التَّعَلُّقِ ... فِي أَزَلٍ قَضَاؤُهُ فَحَقِّقْ

وَالْقَدَرُ الْإِيجَادُ لِلْأَشْيَاءِ عَلَى ... وَجْهٍ مُعَيَّنٍ أَرَادَهُ عَلَا

وَبَعْضُهُمْ قَدْ قَالَ مَعْنَى الْأَوَّلِ ... الْعِلْمُ مَعَ تَعَلُّقٍ فِي الْأَزَلِ

وَالْقَدَرُ الْإِيجَادُ لِلْأُمُورِ ... عَلَى وِفَاقِ عِلْمِهِ الْمَذْكُورِ

قَوْلُهُ: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ) أَيْ لَا تَحْمِلُ ذَاتٌ وَازِرَةٌ وِزْرَ غَيْرِهَا أج، أَيْ لَا يُعَذَّبُ أَحَدٌ بِذَنْبِ غَيْرِهِ.

قَوْلُهُ: (وَالْأَصَحُّ) فِيهِ نَظَرٌ فَرَاجِعْهُ وَتَأَمَّلْهُ ق ل وَوَجْهُ النَّظَرِ وَالتَّأَمُّلِ أَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ إذَا أَوْصَى الْمَيِّتُ بِالْبُكَاءِ وَالنَّوْحِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُعَذَّبُ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ، بَلْ ذَكَرَ حَجّ أَنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِالْبُكَاءِ وَإِنْ لَمْ يُوصِ حَيْثُ سَكَتَ عِنْدَ الْمَوْتِ عَنْ الْوَصِيَّةِ بِعَدَمِ الْبُكَاءِ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهُ حِينَئِذٍ رِضًا بِهِ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْمُعْتَمَدِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا وَجْهَ لِقَوْلِ الشَّارِحِ: وَالْأَصَحُّ إلَخْ.

قَوْلُهُ: (مَحْمُولٌ عَلَى الْكَافِرِ) أَيْ فَيُعَذَّبُ الْكَافِرُ بِالنَّوْحِ عَلَيْهِ إذَا أَوْصَى بِهِ، بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ فَإِنَّهُ لَا يُعَذَّبُ بِهِ وَلَوْ أَوْصَى بِهِ عَلَى كَلَامِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ.

قَوْلُهُ: (نَفْسُ الْمُؤْمِنِ) أَيْ الَّذِي قَصَّرَ فِي الْوَفَاءِ فِي حَيَاتِهِ وَلَمْ يُخَلِّفْ تَرِكَةً، وَإِلَّا بِأَنْ لَمْ يُقَصِّرْ أَوْ خَلَّفَ

<<  <  ج: ص:  >  >>