للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُبَادَرَةُ عِنْدَ طَلَبِ الْمُسْتَحِقِّ حَقَّهُ وَتَنْفِيذِ وَصِيَّتِهِ، وَتَجِبُ عِنْدَ طَلَبِ الْمُوصَى لَهُ الْمُعَيَّنُ وَكَذَا عِنْدَ الْمُكْنَةِ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ ذَوِي الْحَاجَاتِ أَوْ كَانَ قَدْ أَوْصَى بِتَعْجِيلِهَا. وَيُكْرَهُ تَمَنِّي الْمَوْتِ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ فِي بَدَنِهِ أَوْ ضِيقٍ فِي دُنْيَاهُ إلَّا لِفِتْنَةِ دَيْنٍ فَلَا يُكْرَهُ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ، أَمَّا تَمَنِّيهِ لِغَرَضٍ أُخْرَوِيٍّ فَمَحْبُوبٌ كَتَمَنِي الشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَيُسَنُّ التَّدَاوِي لِخَبَرِ «إنَّ اللَّهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إلَّا جَعَلَ لَهُ دَوَاءً غَيْرَ الْهَرَمِ» قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: فَإِنْ تَرَكَ التَّدَاوِي تَوَكُّلًا عَلَى اللَّهِ فَهُوَ أَفْضَلُ، وَيُكْرَهُ إكْرَاهُ الْمَرِيضِ عَلَيْهِ وَكَذَا إكْرَاهُهُ عَلَى الطَّعَامِ، وَيَجِبُ أَنْ يَسْتَعِدَّ لِلْمَوْتِ كُلُّ مُكَلَّفٍ بِتَوْبَةٍ بِأَنْ يُبَادِرَ بِهَا لِئَلَّا يَفْجَأَهُ الْمَوْتُ الْمُفَوِّتُ لَهَا، وَيُسَنُّ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ لِخَبَرِ «أَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ فَإِنَّهُ مَا يُذْكَرُ فِي كَثِيرٍ

ــ

[حاشية البجيرمي]

تَرِكَةً فَلَا حَبْسَ، وَمَحِلُّهُ فِي غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ أَمَّا هُمْ فَلَا حَبْسَ مُطْلَقًا م د عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ نَبِيٌّ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَمَا وَرَدَ مِنْ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَاتَ وَدِرْعُهُ مَرْهُونٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ يُقَالُ لَهُ أَبُو الشَّحْمِ عَلَى صِيعَانٍ مِنْ شَعِيرٍ» ، أُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّهُ افْتَكَّهُ قَبْلَ مَوْتِهِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ أَنَّ أَحَدًا دَفَعَ لَهُ شَيْئًا بَعْدَ مَوْتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لَكِنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ الدِّرْعَ مِنْ الْيَهُودِيِّ قَبْلَ مَوْتِهِ، فَتَوَهَّمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى الرَّهْنِ وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ وَمَا قِيلَ إنَّهُ إنَّمَا اسْتَدَانَ لِأَهْلِهِ لَا لِنَفْسِهِ لَا يُجْدِي نَفْعًا، وَإِنَّمَا قَدِمَ الْيَهُودِيَّ فِي الِاسْتِدَانَةِ عَلَى أَصْحَابِهِ لِإِفَادَةِ أَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ، مِنْهَا: جَوَازُ الْأَكْلِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَمُعَامَلَتِهِمْ، وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَخَذَ مِنْ أَصْحَابِهِ لَأَعْطَوْهُ مَجَّانًا أَوْ أَبْرَءُوهُ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الصَّدَقَةِ الْمُحَرَّمَةِ عَلَيْهِ تَأَمَّلْ ق ل.

قَوْلُهُ: (وَتَجِبُ الْمُبَادَرَةُ) أَيْ إنْ كَانَ قَدْ عَصَى بِتَأْخِيرِهِ لِمَطْلٍ أَوْ غَيْرِهِ، كَضَمَانِ الْغَصْبِ وَالسَّرِقَةِ شَرْحُ م ر.

قَوْلُهُ: (وَتَنْفِيذِ وَصِيَّتِهِ) بِالْجَرِّ فَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى " بِقَضَاءِ إلَخْ " أَيْ وَتُسَنُّ الْمُبَادَرَةُ أَيْضًا بِتَنْفِيذِ قَوْلِهِ: (عِنْدَ الْمُكْنَةِ) أَيْ التَّمَكُّنِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ خَلَّفَ نَقْدًا فَيَحْصُلُ التَّمَكُّنُ بِالْبَيْعِ لِتَحْصِيلِ النَّقْدِ لِيُدْفَعَ لِلْمُوصَى لَهُ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ، وَفَسَّرَ الْمُحَشِّي الْمُكْنَةَ بِالْيَسَارِ.

قَوْلُهُ: (أَوْ كَانَ قَدْ أَوْصَى) أَيْ فَيَجِبُ تَنْفِيذُهَا عِنْدَ التَّمَكُّنِ أَيْضًا كَمَا فِي شَرْحِ م ر خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُهُ، وَعِبَارَةُ الرَّشِيدِيِّ: وَقَوْلُهُ " أَوْ كَانَ قَدْ أَوْصَى " مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ " عِنْدَ طَلَبِ الْمُوصَى لَهُ " أَيْ وَكَذَا إنْ لَمْ يَطْلُبْ وَكَانَ قَدْ أَوْصَى بِتَعْجِيلِهَا.

قَوْلُهُ: (لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ) خَرَجَ الصَّحِيحُ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ تَمَنِّي الْمَوْتِ مُطْلَقًا ق ل.

قَوْلُهُ: (وَيُسَنُّ التَّدَاوِي) أَيْ وَيَجُوزُ الِاعْتِمَادُ عَلَى طِبِّ الْكَافِرِ وَوَصْفِهِ مَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَى ذَلِكَ تَرْكُ عِبَادَةٍ أَوْ نَحْوِهَا مِمَّا لَا يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ فِيهِ، كَأَنْ قَالَ: لَا يَحْسُنُ التَّدَاوِي إلَّا بِتَرْكِ الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ أَوْ شُرْبِ الْخَمْرِ اهـ م ر فَإِنْ قُلْت: الرِّضَا وَاجِبٌ فَلَعَلَّ التَّدَاوِي خُرُوجٌ عَنْ الرِّضَا؟ قُلْت: اعْلَمْ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ الرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى التَّوَصُّلَ إلَى مَحْبُوبَاتِهِ بِمُبَاشَرَةِ مَا جَعَلَهُ سَبَبًا، فَلَيْسَ مِنْ الرِّضَا لِلْعَطْشَانِ أَنْ لَا يَمُدَّ يَدَهُ إلَى الْمَاءِ زَاعِمًا رِضَاهُ بِالْعَطَشِ الَّذِي قَضَاهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَ بِإِزَالَةِ الْعَطَشِ بِالْمَاءِ، وَقَالَ: {وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ} فَمَعْنَى الرِّضَا تَرْكُ الِاعْتِرَاضِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَيْ لَا يَتْرُكُ الْأَسْبَابَ الْعَادِيَةَ وَقَدْ «سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْعَزَائِمِ وَالرُّقْيَا: هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئًا؟ فَقَالَ: لَا تَرُدُّ مِنْ قَدْرِ اللَّهِ تَعَالَى» .

قَوْلُهُ: (لِخَبَرِ إلَخْ) هَذَا لَا يَقْتَضِي السِّنَّ، وَإِنَّمَا فِيهِ الْأَخْبَارُ بِأَنَّ كُلَّ دَاءٍ لَهُ دَوَاءٌ.

قَوْلُهُ: (إلَّا الْهَرَمُ) هُوَ بِفَتْحَتَيْنِ: الْكِبَرُ وَالشَّيْخُوخَةُ.

قَوْلُهُ: (فَهُوَ أَفْضَلُ) أَيْ إنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الصَّبْرِ، وَفَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ أَنَّهُ رَأْسُ الْمُتَوَكِّلِينَ بَيَانًا لِلْجَوَازِ، فَقَدْ رَوَى عُرْوَةُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - «كَثُرَتْ أَسْقَامُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَانَ يَقُومُ أَطِبَّاءُ الْعَرَبِ وَالْعَجَمِ فَيَصْنَعُونَ دَوَاءً فَيُعَالِجُهَا بِهِ» اهـ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَضَعَ فِي أَشْيَاءَ خَوَاصَّ فَمَنْ أَنْكَرَهَا فَهُوَ كَافِرٌ وَمَنْ قَالَ لَا فَائِدَةَ بِالطِّبِّ فَقَدْ رَدَّ عَلَى الْوَاضِعِ وَالشَّارِعِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِهِ، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِالطِّبِّ التَّسَبُّبُ إلَى دَفْعِ ضَرَرٍ وَاجْتِلَابِ نَفْعٍ كَمَا يَتَسَبَّبُ فِي دَفْعِ الْحَرِّ وَاجْتِلَابِ الْبَرْدِ وَاكْتِسَابِ الرِّزْقِ.

قَوْلُهُ: (وَكَذَا إكْرَاهُهُ عَلَى الطَّعَامِ) لِخَبَرِ: «لَا تُكْرِهُوا مَرْضَاكُمْ عَلَى الطَّعَامِ فَإِنَّ اللَّهَ يُطْعِمُهُمْ وَيَسْقِيهِمْ» .

قَوْلُهُ: (أَنْ يَسْتَعِدَّ) الِاسْتِعْدَادُ لِلشَّيْءِ التَّهَيُّؤُ لَهُ وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِالْمُبَادَرَةِ.

قَوْلُهُ: (مِنْ ذِكْرِ الْمَوْتِ) بِأَنْ يَجْعَلَهُ نُصْبَ عَيْنَيْهِ لَا بِلِسَانِهِ فَقَطْ، فَإِنْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا كَانَ أَوْلَى.

قَوْلُهُ: (وَهَاذِمِ) بِالْمُعْجَمَةِ، وَأَمَّا " هَادِمِ " بِالْمُهْمَلَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>