للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَانَ لِحَاجَةٍ أَوْ لَهَا وَلِلْفِرَارِ أَوْ مُطْلَقًا عَلَى مَا أَفْهَمَهُ كَلَامُهُمْ.

فَإِنْ قِيلَ: يُشْكِلُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ فِيمَا إذَا كَانَ لِحَاجَةٍ وَقَصَدَ الْفِرَارَ بِمَا إذَا اتَّخَذَ ضَبَّةً لِزِينَةٍ وَحَاجَةٍ، أُجِيبُ بِأَنَّ الضَّبَّةَ فِيهَا اُتُّخِذَ فَقَوِيَ الْمَنْعُ بِخِلَافِ الْفِرَارِ.

وَلَوْ بَاعَ النَّقْدَ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ لِلتِّجَارَةِ كَالصَّيَارِفَةِ اسْتَأْنَفَ الْحَوْلَ كُلَّمَا بَادَلَ وَلِذَلِكَ قَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: بَشِّرْ الصَّيَارِفَةَ بِأَنْ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ.

(وَأَمَّا الزُّرُوعُ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا بِثَلَاثَةِ شَرَائِطَ) الْأَوَّلُ (أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَزْرَعُهُ) أَيْ يَتَوَلَّى أَسْبَابَهُ (الْآدَمِيُّونَ) كَالْحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ وَالْأُرْزِ وَالْعَدَسِ (وَ) الثَّانِي (أَنْ يَكُونَ) الزَّرْعُ (قُوتًا مُدَّخَرًا) كَالْحِمَّصِ وَالْبَاقِلَّا وَهِيَ بِالتَّشْدِيدِ مَعَ الْقَصْرِ: الْفُولُ وَالذُّرَةُ وَهِيَ بِمُعْجَمَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ رَاءٍ مُخَفَّفَةٍ وَالْهُرْطُمَانِ وَهُوَ بِضَمِّ الْهَاءِ وَالطَّاءِ الْجُلْبَانُ بِضَمِّ الْجِيمِ، وَالْمَاشِ وَهُوَ بِالْمُعْجَمَةِ نَوْعٌ مِنْ الْجُلْبَانِ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِوُرُودِهَا فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ، وَأُلْحِقَ بِهِ الْبَاقِي وَأَمَّا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُمَا إلَى الْيَمَنِ فِيمَا رَوَاهُ الْحَاكِمُ «لَا تَأْخُذَا الصَّدَقَةَ إلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ: الشَّعِيرِ وَالْحِنْطَةِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ» فَالْحَصْرُ فِيهِ إضَافِيٌّ أَيْ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا كَانَ مَوْجُودًا عِنْدَهُمْ، وَخَرَجَ بِالْقُوتِ غَيْرُهُ كَخَوْخٍ وَرُمَّانٍ وَتِينٍ وَلَوْزٍ وَتُفَّاحٍ وَمِشْمِشٍ، وَبِالِاخْتِيَارِ مَا يُقْتَاتُ فِي الْجَدْبِ اضْطِرَارًا كَحُبُوبِ الْبَوَادِي حَبِّ الْحَنْظَلِ وَحَبِّ الْغَاسُولِ وَهُوَ الْأُشْنَانُ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا كَمَا لَا زَكَاةَ فِي الْوَحْشِيَّاتِ مِنْ الظِّبَاءِ وَنَحْوِهَا، وَأَبْدَلَ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِغَيْرِهِ قَيْدَ الِاخْتِيَارِ بِمَا يَزْرَعُهُ الْآدَمِيُّونَ، وَعِبَارَةُ التَّنْبِيهِ مِمَّا يَسْتَنْبِتُهُ الْآدَمِيُّونَ لِأَنَّ مَا لَا يَزْرَعُونَهُ أَوْ يَسْتَنْبِتُونَهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ يُقْتَاتُ اخْتِيَارًا.

تَنْبِيهٌ: يُسْتَثْنَى مِنْ إطْلَاقِ الْمُصَنِّفِ مَا لَوْ حَمَلَ السَّيْلُ حَبًّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ فَنَبَتَ بِأَرْضِنَا فَإِنَّهُ زَكَاةٌ فِيهِ كَالنَّخْلِ الْمُبَاحِ فِي الصَّحْرَاءِ، وَكَذَا ثِمَارُ الْبُسْتَانِ وَغَلَّةِ الْقَرْيَةِ الْمَوْقُوفَيْنِ عَلَى الْمَسَاجِدِ وَالرُّبُطِ وَالْقَنَاطِرِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الزُّرُوعُ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا) وَإِنَّمَا وَجَبَتْ لِأَنَّ الْقُوتَ ضَرُورِيٌّ فَأَوْجَبَ الشَّارِعُ فِيهِ شَيْئًا لِذَوِي الضَّرُورَاتِ سم وَالدَّلِيلُ عَلَيْهَا مِنْ الْكِتَابِ قَوْله تَعَالَى: {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ} [البقرة: ٢٦٧] وَقَوْلُهُ " بِثَلَاثَةِ شَرَائِطَ " أَيْ زَائِدَةٍ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْمِلْكِ التَّامِّ، وَسَكَتَ عَنْهَا لِظُهُورِهَا؛ وَالْأَوْلَى حَذْفُ التَّاءِ لِأَنَّ شَرَائِطَ جَمْعُ شَرِيطَةٍ بِمَعْنَى مَشْرُوطَةٍ.

وَأُجِيبُ بِأَنَّ شَرَائِطَ بِمَعْنَى شُرُوطٍ فَأَتَى بِالتَّاءِ نَظَرًا لِلْمَعْنَى.

قَوْلُهُ: (مِمَّا يَزْرَعُهُ) أَيْ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَزْرَعَهُ الْآدَمِيُّونَ وَإِنْ نَبَتَ اتِّفَاقًا، فَشَمِلَ مَا لَوْ سَقَطَ الْحَبُّ بِنَفْسِهِ مِنْ السَّنَابِلِ وَنَبَتَ فَتَدَبَّرْ. قَوْلُهُ: (وَالْبَاقِلَّا) قَالَ يَحْيَى بْنُ شَرَفٍ: قَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ لُغَتَانِ التَّشْدِيدُ مَعَ الْقَصْرِ وَيُكْتَبُ بِالْيَاءِ، وَالتَّخْفِيفُ مَعَ الْمَدِّ وَيُكْتَبُ بِالْأَلِفِ أج.

قَوْلُهُ: (كَخَوْخٍ إلَخْ) الْمُنَاسِبُ كَبَزْرِ الْكَتَّانِ وَنَحْوِهِ مِنْ الزُّرُوعِ، أَمَّا الْخَوْخُ وَنَحْوُهُ فَمِنْ الثِّمَارِ لَا مِنْ الزُّرُوعِ؛ وَلَوْ أَخْرَجَ هَذَا بِقَوْلِ الْمَتْنِ: وَأَمَّا الثِّمَارُ إلَخْ وَقَالَ هُنَا: وَخَرَجَ بِالْقُوتِ غَيْرُهُ كَالْكَمُّونِ وَالشَّمَرِ، لَكَانَ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الزَّرْعِ م د.

قَوْلُهُ: (وَبِالِاخْتِيَارِ مَا يُقْتَاتُ فِي الْجَدْبِ) لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُ الِاخْتِيَارِ حَتَّى يَخْرُجَ بِهِ مَا ذَكَرَ، وَقَدْ يُقَالُ: إنَّهُ ذُكِرَ بِاللَّازِمِ لِأَنَّ قَوْلَهُ " يَزْرَعُهُ الْآدَمِيُّونَ " قَائِمٌ مَقَامَهُ كَمَا قَالَ الشَّارِحُ بَعْدُ، وَأَبْدَلَ الْمُصَنِّفُ إلَخْ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.

وَقَدْ يُقَالُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ زَرْعِ الْآدَمِيِّينَ لَهُ كَوْنُهُ مُقْتَاتًا اخْتِيَارًا إلَّا أَنْ يُقَالَ اللُّزُومُ أَغْلَبِيٌّ. قَوْلُهُ: (وَحَبِّ الْغَاسُولِ) أَيْ وَالتُّرْمُسِ.

قَوْلُهُ: (يُسْتَثْنَى إلَخْ) فَإِنَّ هَذَا شَأْنَهُ أَنْ يَسْتَنْبِتَهُ الْآدَمِيُّونَ مَعَ أَنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ قَالَ ق ل وَلَوْ جَعَلَ هَذَا وَمَا بَعْدَهُ خَارِجًا بِقَيْدِ الْمِلْكِ لَكَانَ مُسْتَقِيمًا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ صُورِيٌّ لِأَنَّ عَدَمَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ هُنَا لِعَدَمِ الْمَالِكِ الْمُعَيَّنِ لَا لِكَوْنِهِ لَمْ يَزْرَعْهُ الْآدَمِيُّونَ.

قَوْلُهُ: (تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ) الْمُرَادُ مِنْ جِنْسِ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ ق ل.

قَوْلُهُ: (مِنْ دَارِ الْحَرْبِ) بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَالِكُ غَيْرَ حَرْبِيٍّ.

قَوْلُهُ: (بِأَرْضِنَا) أَيْ الْمُبَاحَةِ كَالْمَوَاتِ، أَمَّا الْمَمْلُوكَةُ فَيَمْلِكُهُ مَالِكُهَا وَتَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاتُهُ أج وع ش. قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ لَا زَكَاةَ فِيهِ) ظَاهِرُهُ أَنَّ مَنْ قَصَدَ تَمَلُّكَهُ مَلَكَ جَمِيعَهُ، فَلْيُنْظَرْ وَجْهُ ذَلِكَ. وَهَلَّا جُعِلَ غَنِيمَةً أَوْ فَيْئًا؟

<<  <  ج: ص:  >  >>