للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لَا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ عَلَى الصَّحِيحِ إذْ لَيْسَ لَهَا مَالِكٌ مُعَيَّنٌ، وَلَوْ أَخَذَ الْإِمَامُ الْخَرَاجَ عَلَى أَنْ يَكُونَ بَدَلًا عَنْ الْعُشْرِ كَانَ أَخْذُ الْقِيمَةِ فِي الزَّكَاةِ بِالِاجْتِهَادِ فَيَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ وَإِنْ نَقَصَ عَنْ الْوَاجِبِ تَمَّمَهُ.

(وَ) الثَّالِثُ (أَنْ يَكُونَ نِصَابًا) كَامِلًا (وَهُوَ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ. وَالْوَسْقُ بِالْفَتْحِ عَلَى الْأَفْصَحِ وَهُوَ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْجَمْعِ سُمِّيَ بِهِ هَذَا الْمِقْدَارُ لِأَجْلِ مَا جَمَعَهُ مِنْ الصِّيعَانِ.

قَالَ تَعَالَى {وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ} [الانشقاق: ١٧] أَيْ جَمَعَ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ الْأَوْسُقِ بِالْوَزْنِ فِي كِلَاءٍ وَقَدَّرَهَا بِالْكَيْلِ فِي الشَّرْحِ، وَيُعْتَبَرُ فِي الْخَمْسَةِ الْأَوْسُقِ أَنْ تَكُونَ مُصَفَّاةً مِنْ تِبْنِهَا (لَا قِشْرَ عَلَيْهَا) لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُؤْكَلُ مَعَهَا.

وَأَمَّا مَا اُدُّخِرَ فِي قِشْرِهِ وَلَمْ يُؤْكَلْ مَعَهُ مِنْ أُرْزٍ وَعَلَسِ بِفَتْحِ اللَّامِ وَالْعَيْنِ نَوْعٌ مِنْ الْبُرِّ فَنِصَابُهُ عَشَرَةُ أَوْسُقٍ غَالِبًا اعْتِبَارًا بِقِشْرِهِ الَّذِي ادِّخَارُهُ فِيهِ أَصْلَحُ لَهُ وَأَبْقَى وَلَا يُكَمَّلُ فِي النِّصَابِ جِنْسٌ بِجِنْسٍ كَالْحِنْطَةِ مَعَ الشَّعِيرِ، وَيُكَمَّلُ فِي نِصَابِ نَوْعٍ بِآخَرَ كَبُرٍّ بِعَلَسٍ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْهُ كَمَا مَرَّ، وَيَخْرُجُ مِنْ كُلٍّ مِنْ النَّوْعَيْنِ بِقِسْطِهِ، فَإِنْ عَسِرَ إخْرَاجُهُ لِكَثْرَةِ الْأَنْوَاعِ وَقِلَّةِ مِقْدَارِ كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا أَخْرَجَ الْوَسَطَ

ــ

[حاشية البجيرمي]

سم.

أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ: إنْ كَانَ هَذَا مِمَّا يُعْرَضُ عَنْهُ مَلَكَهُ مَنْ نَبَتَ فِي أَرْضِهِ بِلَا قَصْدٍ، فَإِنْ نَبَتَ فِي مَوَاتٍ مَلَكَهُ مَنْ اسْتَوْلَى عَلَيْهِ كَالْحَطَبِ وَنَحْوِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُعْرَضُ عَنْهُ لَكِنْ تَرَكُوهُ خَوْفًا مِنْ دُخُولِهِمْ بِلَادِنَا فَهُوَ فَيْءٌ، وَإِنْ قَصَدُوهُ فَمُنِعُوا بِقِتَالٍ فَهُوَ غَنِيمَةٌ لِمَنْ مَنَعَهُمْ ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (وَغَلَّةِ الْقَرْيَةِ) صُورَةُ ذَلِكَ أَنَّ الْغَلَّةَ نَبَتَتْ مِنْ حَبٍّ مُبَاحٍ أَوْ بَذَرَهَا النَّاظِرُ مِنْ مَالِ الْوَقْفِ، أَمَّا لَوْ اسْتَأْجَرَ شَخْصٌ الْأَرْضَ الْمَوْقُوفَةَ وَزَرَعَهَا بِبَزْرٍ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ فَيَمْلِكُ زَرْعَهَا وَتَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاتُهُ.

قَوْلُهُ: (إذْ لَيْسَ لَهَا مَالِكٌ مُعَيَّنٌ) أَيْ بِالشَّخْصِ كَوَقَفْتُ هَذَا عَلَى زَيْدٍ أَوْ عَلَى زَيْدٍ إمَامِ الْمَسْجِدِ الْفُلَانِيِّ أَوْ مُدَرِّسِهِ أَوْ خَطِيبِهِ، وَقَوْلُ الْقَلْيُوبِيِّ: إذْ لَيْسَ لَهَا مَالِكٌ مُعَيَّنٌ بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهَا مَالِكٌ أَصْلًا كَالْوَقْفِ عَلَى نَحْوِ الْمَسَاجِدِ، أَوْ كَانَ لَهَا مَالِكٌ مُعَيَّنٌ بِالنَّوْعِ كَقَوْلِهِ: وَقَفْت هَذَا عَلَى إمَامِ الْجَامِعِ الْفُلَانِيِّ، إذْ لَمْ يَقْصِدْ إمَامًا بِعَيْنِهِ، فَخَرَجَ الْمَوْقُوفُ عَلَى مُعَيَّنٍ فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ كَالْمَمْلُوكِ م ر وأ ج.

قَوْلُهُ: (وَلَوْ أَخَذَ الْإِمَامُ الْخَرَاجَ) بِأَنْ كَانَ الْإِمَامُ لَا يَرَى وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِيمَا زَرَعَ فِي الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ كَالْحَنَفِيِّ، وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ يَرَى وُجُوبَهَا كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ. وَالْمُرَادُ بِالْإِمَامِ الْمُجْتَهِدُ الَّذِي أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى ذَلِكَ، وَلَيْسَ لِلْمُصَنِّفِ حَاجَةٌ لِذِكْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا قَالَهُ ق ل أَيْ؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ انْقَطَعَ مِنْ زَمَنِ الشَّافِعِيِّ إلَى الْآنَ. اهـ. م د. وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى جَوَازِ خُلُوِّ الزَّمَانِ عَنْ الْمُجْتَهِدِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ مُجْتَهِدًا فَالْوَاجِبُ عَلَيْنَا مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ الْخَرَاجُ وَإِخْرَاجُ الزَّكَاةِ وَإِنْ اكْتَفَى الْإِمَامُ بِأَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ مُجْتَهِدًا وَلَا أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَى شَيْءٍ.

قَوْلُهُ: (بَدَلًا عَنْ الْعُشْرِ) أَيْ الْعُشْرِ فِي الزَّكَاةِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ عِنْدَنَا مَعَاشِرَ الشَّافِعِيَّةِ يَجِبُ الْخَرَاجُ وَيَجِبُ الْعُشْرُ وَالْعُشْرُ هُوَ الزَّكَاةُ فِي الْمُعَشَّرِ فَالْأَمْرَانِ عِنْدَنَا وَاجِبَانِ فِي الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لَا تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي الْأَرْضِ الْخَرَاجِيَّةِ وَإِنَّمَا يَجِبُ الْخَرَاجُ فَقَطْ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَوْ أَخَذَ الْإِمَامُ الْخَرَاجَ عَلَى أَنْ يَكُونَ بَدَلًا عَنْ عُشْرِ الزَّكَاةِ كَانَ إلَى آخِرِ كَلَامِ الشَّارِحِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا الْعَشْمَاوِيُّ.

قَوْلُهُ: (وَإِنْ نَقَصَ) أَيْ مَا أَخَذَهُ مِنْ الْخَرَاجِ بَدَلًا عَنْ الْعُشْرِ.

قَوْلُهُ: (وَقَدْرِهَا) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى " الْأَوْسُقِ " وَقَوْلُهُ " مِنْ تِبْنِهَا " الْمُرَادُ بِهِ غِلَافُ الْحَبِّ.

قَوْلُهُ: (لَا قِشْرَ عَلَيْهَا) كَأَنَّ مُرَادَهُ بِالْقِشْرِ مَا كَانَ غِلَافًا لَهَا فَهُوَ غَيْرُ التِّبْنِ، وَقَوْلُهُ " لِأَنَّ ذَلِكَ " أَيْ التِّبْنَ وَالْقِشْرَ بِخِلَافِ مَا يُؤْكَلُ قِشْرُهُ مَعَهُ كَالْبَاقِلَاءِ.

قَوْلُهُ: (لِأَنَّ ذَلِكَ) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ التِّبْنِ وَالْقِشْرِ.

قَوْلُهُ (فَنِصَابُهُ عَشَرَةُ أَوْسُقٍ) لَيْسَ بِقَيْدٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ " غَالِبًا " بَلْ الْمَدَارُ عَلَى مَا يَحْصُلُ مِنْهُ النِّصَابُ خَالِصًا سَوَاءٌ كَانَ أَقَلَّ مِنْهَا أَوْ أَكْثَرَ. وَعِبَارَةُ شَرْحِ الْمَنْهَجِ: وَقَدْ يَكُونُ خَالِصُهَا أَيْ الْعَشَرَةِ أَوْسُقٍ مِنْ ذَلِكَ دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا، أَوْ خَالِصُ مَا دُونَهَا خَمْسَةَ أَوْسُقٍ فَهُوَ نِصَابٌ. وَهُوَ مَا احْتَرَزْت عَنْهُ بِزِيَادَتِي " غَالِبًا ".

قَوْلُهُ: (فِي النِّصَابِ) مُتَعَلِّقٌ بِاعْتِبَارِهِ. قَوْلُهُ: (وَيُكْمِلُ فِي نِصَابِ نَوْعٍ إلَخْ) أَيْ حَيْثُ كَانَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ أَخْذًا مِنْ كَلَامِهِ بَعْدُ ح ل.

قَوْلُهُ: (بِقِسْطِهِ) أَيْ لِانْتِفَاءِ الْمَشَقَّةِ بِخِلَافِ الْمَوَاشِي فَإِنَّهُ يَدْفَعُ نَوْعًا مِنْهَا مَعَ مُرَاعَاةِ قِيمَةِ الْأَنْوَاعِ، وَلَا يُكَلَّفُ

<<  <  ج: ص:  >  >>