للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَمَنْ كَنَزَهُمَا فَقَدْ أَبْطَلَ الْحِكْمَةَ الَّتِي خُلِقَا لَهَا كَمَنْ حَبَسَ قَاضِيَ الْبَلَدِ وَمَنَعَهُ أَنْ يَقْضِيَ حَوَائِجَ النَّاسِ، وَلَا يَكْمُلُ نِصَابُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالْآخَرِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ كَمَا لَا يَكْمُلُ نِصَابُ التَّمْرِ بِالزَّبِيبِ، وَيَكْمُلُ الْجَيِّدُ بِالرَّدِيءِ مِنْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ وَعَكْسُهُ كَمَا فِي الْمَاشِيَةِ، وَالْمُرَادُ بِالْجَوْدَةِ النُّعُومَةُ وَنَحْوُهَا، وَبِالرَّدَاءَةِ الْخُشُونَةُ وَنَحْوُهَا، وَيُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ بِقِسْطِهِ إنْ سَهُلَ الْأَخْذُ بِأَنْ قَلَّتْ أَنْوَاعُهُ، فَإِنْ كَثُرَتْ وَشَقَّ اعْتِبَارُ الْجَمِيعِ أُخِذَ مِنْ الْوَسَطِ كَمَا فِي الْمُعَشَّرَاتِ وَلَا يُجْزِئُ رَدِيءٌ عَنْ جَيِّدٍ وَلَا مَكْسُورٌ عَنْ صَحِيحٍ كَمَا لَوْ أَخْرَجَ مَرِيضَةً عَنْ صِحَاحٍ قَالُوا: وَيُجْزِئُ عَكْسُهُ بَلْ هُوَ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا فَيُسَلِّمُ الْمُخْرِجُ الدِّينَارَ الصَّحِيحَ أَوْ الْجَيِّدَ إلَى مَنْ يُوَكِّلُهُ الْفُقَرَاءُ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ.

قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَإِنْ لَزِمَهُ نِصْفُ دِينَارٍ سَلَّمَ إلَيْهِمْ دِينَارًا نِصْفُهُ عَنْ الزَّكَاةِ وَنِصْفُهُ يَبْقَى لَهُ مَعَهُمْ أَمَانَةً.

ثُمَّ يَتَفَاصَلُ هُوَ وَهُمْ فِيهِ بِأَنْ يَبِيعُوهُ لِأَجْنَبِيٍّ وَيَتَقَاسَمُوا ثَمَنَهُ أَوْ يَشْتَرُوا مِنْهُ نِصْفَهُ، أَوْ يَشْتَرِي هُوَ نِصْفَهُمْ لَكِنْ يُكْرَهُ لَهُ شِرَاءُ صَدَقَتِهِ مِمَّنْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ سَوَاءٌ فِيهِ الزَّكَاةُ وَصَدَقَةُ التَّطَوُّعِ، وَلَا شَيْءَ فِي الْمَغْشُوشِ وَهُوَ الْمُخْتَلَطُ بِمَا هُوَ أَدْوَنُ مِنْهُ كَذَهَبٍ بِفِضَّةٍ وَفِضَّةٍ بِنُحَاسٍ حَتَّى يَبْلُغَ خَالِصُهُ نِصَابًا فَإِذَا بَلَغَهُ أَخْرَجَ الْوَاجِبَ خَالِصًا أَوْ مَغْشُوشًا، خَالِصُهُ قَدْرُ الْوَاجِبِ وَكَانَ مُتَطَوِّعًا بِالنُّحَاسِ.

وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ ضَرْبُ الْمَغْشُوشِ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» وَلِئَلَّا يَغُشَّ بِهِ بَعْضُ النَّاسِ بَعْضًا، فَإِنْ عُلِمَ مِعْيَارُهَا صَحَّتْ الْمُعَامَلَةُ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْأَمْوَالِ) كَاللُّؤْلُؤِ وَالْيَاقُوتِ قَوْلُهُ: (فَمَنْ كَنَزَهُمَا) أَيْ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُمَا. وَقَوْلُهُ " فَقَدْ أَبْطَلَ الْحِكْمَةَ " أَيْ الَّتِي مِنْهَا قَضَاءُ حَوَائِجِ الْفُقَرَاءِ مَثَلًا بِلَا مُقَابِلٍ، فَانْدَفَعَ مَا يُقَالُ إنَّ إبْطَالَ الْحِكْمَةِ يَحْصُلُ بِعَدَمِ الْمُعَامَلَةِ بِهِمَا وَإِنْ أُدِّيَتْ زَكَاتُهُمَا.

قَوْلُهُ: (وَنَحْوُهَا) نَحْوُ النُّعُومَةِ كَاللِّينِ وَنَحْوُ الْخُشُونَةِ الْيُبْسُ قَوْلُهُ: (أُخِذَ مِنْ الْوَسَطِ) الْمُرَادُ بِالْوَسَطِ الْمُتَوَسِّطُ، أَيْ لَيْسَ جَيِّدًا وَلَا رَدِيئًا قَوْلُهُ: (كَمَا فِي الْمُعَشَّرَاتِ) كَالْحِنْطَةِ وَالْفُولِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ فِيهَا الْعُشْرَ نَظَرًا لِلْغَالِبِ مِنْ سَقْيِهَا بِلَا مُؤْنَةٍ قَوْلُهُ: (وَلَا يُجْزِئُ رَدِيءٌ) فَإِنْ أَخْرَجَهُ لَزِمَهُ اسْتِرْدَادُهُ إنْ كَانَ بَاقِيًا، فَإِنْ تَلِفَ عِنْدَ السَّاعِي أَوْ الْفُقَرَاءِ ضَمِنَ الزَّائِدَ، فَلَوْ أَخْرَجَ رَدِيئًا كَأَنْ أَخْرَجَ خَمْسَةً مَعِيبَةً عَنْ مِائَتَيْنِ جَيِّدَةٍ فَلَهُ اسْتِرْدَادُهَا كَمَا لَوْ عَجَّلَ الزَّكَاةَ فَتَلِفَ مَالُهُ قَبْلَ الْحَوْلِ، هَذَا إنْ بَيَّنَ ذَلِكَ عِنْدَ الدَّفْعِ وَإِلَّا فَلَا يَسْتَرِدُّهَا أَيْ فَيُكْمِلُ لَهُمْ.

قَوْلُهُ: (قَالُوا) اُنْظُرْ وَجْهَ التَّبْرِيءِ مَعَ أَنَّهُ زَادَ خَيْرًا بِإِخْرَاجِ الْأَفْضَلِ قَوْلُهُ: (فَيُسَلِّمُ الْمُخْرِجُ إلَخْ) هَذَا جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ تَقْدِيرُهُ: كَيْفَ يُفَرِّقُ الْمُخْرِجُ الدِّينَارَ الصَّحِيحَ عَلَى الْأَصْنَافِ مَعَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ بِدَرَاهِمَ لِأَنَّ وَاجِبَهُ الذَّهَبُ فَلَا يُجْزِئُ عَنْهُ الدَّرَاهِمُ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ يُسَلِّمُهُ لِوَكِيلِهِمْ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا يَجْرِي فِي الدِّينَارِ الْمَعِيبِ أَيْضًا إذَا كَانَتْ دَنَانِيرُهُ كُلُّهَا مَعِيبَةً، بَلْ يَجْرِي فِي كُلِّ مَا لَا يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ عَلَى الْأَصْنَافِ كَالشَّاةِ وَالتَّبِيعِ وَالْمُسِنَّةِ، فَإِنَّهَا تُسَلَّمُ لِوَكِيلِهِمْ؛ وَانْظُرْ لِمَ خَصَّهُ بِالدِّينَارِ الْمَذْكُورِ قَوْلُهُ: (أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْوَكِيلُ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْفُقَرَاءِ جَمِيعُ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ مُسْتَحِقُّونَ.

قَوْلُهُ: (سَلَّمَ إلَيْهِمْ) أَيْ إلَى وَكِيلِهِمْ نَظِيرُ مَا سَبَقَ. قَوْلُهُ: (بِأَنْ يَبِيعُوهُ) اُنْظُرْ مَا وَجْهُ تَوَقُّفِ هَذَا التَّفْصِيلِ وَتَرَتُّبِهِ عَلَى قَوْلِهِ " سَلَّمَ إلَيْهِمْ دِينَارًا " وَهَلَّا جَازَ التَّفْصِيلُ الْمَذْكُورُ خُصُوصًا فِي الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ إلَيْهِمْ الدِّينَارَ، لِأَنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ أَنَّهُمْ يَتَصَرَّفُونَ فِيمَا لَهُمْ بِيَدِ الْغَيْرِ وَلَا ضَرَرَ فِي ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (حَتَّى يَبْلُغَ خَالِصُهُ) وَهُوَ سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ فُنْدُقْلِيًا إلَّا ثُلُثًا.

قَوْلُهُ: (وَكَانَ مُتَطَوِّعًا بِالنُّحَاسِ) مَحَلُّهُ فِيمَنْ يَتَصَرَّفُ لِنَفْسِهِ، وَإِلَّا فَيَتَعَيَّنُ عَلَى الْوَلِيِّ إخْرَاجُ الْخَالِصِ حِفْظًا لِلنُّحَاسِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْهَجِ، أَيْ إنْ أَمْكَنَ بِلَا سَبْكٍ، أَوْ كَانَتْ مُؤْنَتُهُ تَنْقُصُ عَنْ قِيمَةِ النُّحَاسِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إخْرَاجُ الْخَالِصِ إلَّا بِسَبْكٍ وَكَانَتْ مُؤْنَتُهُ قَدْرَ قِيمَةِ النُّحَاسِ أَوْ أَكْثَرَ أَخْرَجَ الْمَغْشُوشَ م ر. قَالَ سم: وَمَحِلُّهُ أَيْضًا أَنْ لَا يُوجَدَ خَالِصٌ مِنْ غَيْرِ الْمَغْشُوشِ وَإِلَّا تَعَيَّنَ اهـ.

وَلَمْ يَتَكَلَّمْ الشَّارِحُ عَلَى حُكْمِ الْخُلْطَةِ بِالْفِضَّةِ، وَانْظُرْهُ.

قَوْلُهُ: (وَيُكْرَهُ لِلْإِمَامِ ضَرْبُ الْمَغْشُوشِ) الْكَلَامُ فِيمَا غَشُّهُ مُسْتَهْلَكٌ.

قَوْلُهُ: (لِخَبَرِ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ.

قَوْلُهُ: (وَلِئَلَّا يَغُشَّ إلَخْ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْغَيْنِ، بَابُهُ: رَدَّ يَرُدُّ.

قَوْلُهُ: (فَإِنْ عُلِمَ مِعْيَارُهَا) أَيْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ الْمَخْلُوطَةِ. قَوْلُهُ: (صَحَّتْ الْمُعَامَلَةُ بِهَا) أَيْ حَيْثُ كَانَ غَشُّهَا مُسْتَهْلَكًا، وَسَوَاءٌ الْمُعَيَّنَةُ وَمَا فِي الذِّمَّةِ كَمَا قَالَهُ الْمَرْحُومِيُّ.

قَوْلُهُ: (كَبَيْعِ الْغَالِيَةِ) أَيْ قِيَاسًا

<<  <  ج: ص:  >  >>