خَوْفًا عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْخَوْفُ مَعَ غَيْرِهِمَا أَمْ لَا (وَإِنْ خَافَتَا) مِنْهُ (عَلَى أَوْلَادِهِمَا) فَقَطْ بِأَنْ تَخَافَ الْحَامِلُ مِنْ إسْقَاطِهِ أَوْ الْمُرْضِعُ بِأَنْ يَقِلَّ اللَّبَنُ فَيَهْلَكُ الْوَلَدُ (أَفْطَرَتَا) أَيْضًا (وَ) وَجَبَ (عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ) لِلْإِفْطَارِ (وَالْكَفَّارَةُ) ، وَإِنْ كَانَتَا مُسَافِرَتَيْنِ أَوْ مَرِيضَتَيْنِ لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فِي قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ} [البقرة: ١٨٤] أَنَّهُ نُسِخَ حُكْمُهُ إلَّا فِي حَقِّهِمَا حِينَئِذٍ وَالْقَوْلُ بِنَسْخِهِ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّهُ مُحْكَمٌ غَيْرُ مَنْسُوخٍ بِتَأْوِيلِهِ بِمَا مَرَّ فِي الِاحْتِجَاجِ بِهِ. تَنْبِيهٌ: يُلْحَقُ بِالْمُرْضِعِ فِي إيجَابِ الْفِدْيَةِ مَعَ الْقَضَاءِ مَنْ أَفْطَرَ لِإِنْقَاذِ آدَمِيٍّ مَعْصُومٍ أَوْ حَيَوَانٍ مُحْتَرَمٍ مُشْرِفٍ عَلَى الْهَلَاكِ بِغَرَقٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْفِطْرُ إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ تَخْلِيصُهُ إلَّا بِفِطْرِهِ فَهُوَ فِطْرٌ ارْتَفَقَ بِهِ شَخْصَانِ، وَهُوَ حُصُولُ الْفِطْرِ لِلْمُفْطِرِ وَالْخَلَاصُ لِغَيْرِهِ، فَلَوْ أَفْطَرَ لِتَخْلِيصِ مَالٍ فَلَا فِدْيَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْتَفِقْ بِهِ إلَّا شَخْصٌ وَاحِدٌ وَلَا يَجِبُ الْفِطْرُ لِأَجْلِهِ بَلْ هُوَ جَائِزٌ بِخِلَافِ الْحَيَوَانِ الْمُحْتَرَمِ فَإِنَّهُ يَرْتَفِقُ بِالْفِطْرِ شَخْصَانِ، وَإِنْ نَظَرَ بَعْضُهُمْ فِي الْبَهِيمَةِ لِأَنَّهُمْ نَزَّلُوا الْحَيَوَانَ
ــ
[حاشية البجيرمي]
الْآيَةَ سَاكِتَةٌ عَنْ الْفِدْيَةِ إثْبَاتًا وَنَفْيًا وَمُصَرِّحَةٌ بِالْقَضَاءِ فَقَطْ، وَقَوْلُهُ: فِيمَا إذَا خَافَتَا إلَخْ، فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ إنَّمَا هِيَ فِي الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ لَا فِي الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْمُرَادَ بِالْمَرِيضِ فِي الْآيَةِ حَقِيقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ حُكْمًا وَمَعْنَى وَهُوَ الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ إذَا خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَهُمَا حِينَئِذٍ فِي مَعْنَى الْمَرِيضِ، وَالْمَرِيضُ لَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، فَصَارَتْ الْآيَةُ شَامِلَةً لَهُمَا فَصَحَّ الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ. قَوْلُهُ: (خَوْفًا عَلَى أَنْفُسِهِمَا) أَيْ لِأَنَّ الْخَوْفَ عَلَى النَّفْسِ فِي مَعْنَى الْمَرَضِ.
قَوْلُهُ: (عَلَى أَوْلَادِهِمَا) أَيْ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا، إذْ الْحَامِلُ لَا تُسَمَّى ذَاتَ وَلَدٍ لِأَنَّ الَّذِي فِي بَطْنِهَا يُسَمَّى جَنِينًا لَا وَلَدًا، فَتَسْمِيَتُهُ وَلَدًا بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ أَمْرُهُ بَعْدَ الِانْفِصَالِ.
قَوْلُهُ: (فَيَهْلَكُ الْوَلَدُ) وَلَوْ كَانَ الْوَلَدُ حَرْبِيًّا تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ عَلَى الْأَوْجَهِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَرَمٌ لِحُرْمَةِ قَتْلِهِ حِينَئِذٍ، خِلَافًا لِمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الزَّرْكَشِيّ، وَالْهَلَاكُ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى حُصُولِ ضَرَرٍ بِهِ ع ش. قَوْلُهُ: (وَالْكَفَّارَةُ) لِأَنَّهُ فِطْرٌ ارْتَفَقَ بِهِ شَخْصَانِ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ " وَالْكَفَّارَةُ " أَيْ الصُّغْرَى وَهِيَ الْفِدْيَةُ، أَيْ لِتَفْوِيتِ فَضِيلَةِ الْوَقْتِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ.
قَوْلُهُ: (أَوْ مَرِيضَتَيْنِ) أَيْ وَقَصَدَتَا الْفِطْرَ لِأَجْلِ الْوَلَدِ وَنَحْوِهِ، قَالَ م ر فِي شَرْحِهِ: نَعَمْ إنْ أَفْطَرَتَا لِأَجْلِ السَّفَرِ أَوْ الْمَرَضِ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِمَا، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَتَا فِي الْأَصَحِّ أج.
قَوْلُهُ: (نُسِخَ حُكْمُهُ) أَيْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا} [البقرة: ١٨٤] فَإِنَّ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ أَيْ عَدَمِ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ وَيَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَى مَنْ سِوَاهُمَا. فَإِنْ قُلْت: لِمَ لَا كَانَ ذَلِكَ تَخْصِيصًا لِأَنَّهُ إخْرَاجُ بَعْضِ أَفْرَادِ الْعَامِّ؟ قُلْت: إنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي التَّخْصِيصِ بَقَاءُ جَمْعٍ يَقْرُبُ مِنْ مَدْخُولِ الْعَامِّ وَهُوَ هُنَا لَيْسَ كَذَلِكَ شَوْبَرِيٌّ؛ أَيْ لِأَنَّهُ بَقِيَ هُنَا اثْنَانِ فَقَطْ وَهُمَا الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ.
قَوْلُهُ: (إلَّا فِي حَقِّهِمَا) فِيهِ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بِعَدَمِ نَسْخِهَا فِي حَقِّهِمَا وَنَسْخِهَا فِي حَقِّ غَيْرِهِمَا يُنَافِيهِ قِرَاءَتُهُ: " يُطَوَّقُونَهُ " بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لَهُ قَوْلَانِ. فَإِنْ قُلْت: الْآيَةُ لَيْسَ فِيهَا تَعَرُّضٌ لِقَضَائِهِمَا؟ أُجِيبُ بِأَنَّ الْقَضَاءَ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ. قَوْلُهُ: (غَيْرُ مَنْسُوخٍ) تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ " مُحْكَمٌ ".
قَوْلُهُ: (بِمَا مَرَّ) أَيْ بِتَقْدِيرِ " لَا " أَوْ الْمَعْنَى: يُطِيقُونَهُ فِي الصِّغَرِ وَعَجَزُوا عَنْهُ فِي الْكِبَرِ. قَوْلُهُ: (مَنْ أَفْطَرَ لِإِنْقَاذِ إلَخْ) أَيْ فَيُقَالُ: إنْ أَفْطَرَ خَوْفًا عَلَى الْمُشْرِفِ وَحْدَهُ وَجَبَ الْقَضَاءُ وَالْفِدْيَةُ، وَإِنْ أَفْطَرَ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ وَلَوْ مَعَ الْمُشْرِفِ وَجَبَ الْقَضَاءُ فَقَطْ ق ل. فَكَانَ الْأَوْلَى لِلشَّارِحِ أَنْ لَا يُقَيِّدَ بِقَوْلِهِ: فِي إيجَابِ الْفِدْيَةِ. قَوْلُهُ: (مُشْرِفٍ عَلَى الْهَلَاكِ) أَيْ أَوْ إتْلَافِ مَنْفَعَتِهِ. قَوْلُهُ: (ارْتَفَقَ بِهِ شَخْصَانِ) أَيْ فَوَجَبَ بِهِ أَمْرَانِ كَالْجِمَاعِ، لَمَّا حَصَلَ بِهِ مَقْصُودُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَجَبَ بِهِ أَمْرَانِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ.
قَوْلُهُ: (وَهُوَ) أَيْ الِارْتِفَاقُ، أَيْ الِانْتِفَاعُ.
قَوْلُهُ: (بَلْ هُوَ جَائِزٌ) وَتَارَةً يَجِبُ الْفِطْرُ بِأَنْ كَانَ الْمَالُ لِمَحْجُورٍ عَلَيْهِ، وَلَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ. قَوْلُهُ: (وَإِنْ نَظَرَ بَعْضُهُمْ فِي الْبَهِيمَةِ) أَيْ وَقَالَ: إنَّهَا