تَنْبِيهٌ: سَكَتَ الْمُصَنِّفُ عَنْ صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَهُوَ مُسْتَحَبٌّ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ: «مَنْ صَامَ يَوْمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بَاعَدَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَنْ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا» . وَيَتَأَكَّدُ صَوْمُ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ يَتَحَرَّى صَوْمَهُمَا وَقَالَ إنَّهُمَا يَوْمَانِ تُعْرَضُ فِيهِمَا الْأَعْمَالُ فَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ» . وَصَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَهُوَ تَاسِعُ ذِي الْحِجَّةِ لِغَيْرِ الْحَاجِّ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ يُكَفِّرُ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَاَلَّتِي بَعْدَهُ» وَصَوْمُ عَاشُورَاءَ وَهُوَ عَاشِرُ الْمُحَرَّمِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَحْتَسِبُ عَلَى
ــ
[حاشية البجيرمي]
قَوْلُهُ: (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيْ فِي الْجِهَادِ ز ي. وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ وَلَا يَفُوتُ بِهِ حَقٌّ وَلَا يَخْتَلُّ قِتَالُهُ بِهِ، وَقَالَ السُّيُوطِيّ: أَيْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ.
قَوْلُهُ: (سَبْعِينَ خَرِيفًا) أَيْ عَامًا، فَهُوَ مَجَازٌ. وَخَصَّ الْخَرِيفَ لِأَنَّهُ أَعْدَلُ فُصُولِ السَّنَةِ. قَوْلُهُ: (صَوْمُ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ) وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْخَمِيسِ فَصَوْمُهُ أَفْضَلُ مِنْ صَوْمِ الْخَمِيسِ، سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ ثَانِي الْأُسْبُوعِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَوَّلَهُ الْأَحَدُ؛ وَنُقِلَ عَنْ الْأَكْثَرِينَ، لَكِنَّ الَّذِي نَقَلَهُ السُّهَيْلِيُّ عَنْ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ السَّبْتُ، شَرْحُ م ر. وَعِبَارَةُ م د عَلَى التَّحْرِيرِ: وَيَتَّجِهُ تَفْضِيلُ الِاثْنَيْنِ عَلَى الْخَمِيسِ بِوِلَادَتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ وَوَفَاتِهِ وَبِتَقْدِيمِهِ فِي كَلَامِ الْفُقَهَاءِ هُنَا وَفِي دُخُولِ الْقَاضِي الْبَلَدَ.
تَنْبِيهٌ: قَدْ يُوجَدُ لِلصَّوْمِ سَبَبَانِ، كَوُقُوعِ عَرَفَةَ وَعَاشُورَاءَ يَوْمَ اثْنَيْنِ أَوْ خَمِيسٍ، وَكَوُقُوعِهِمَا فِي سِتَّةِ شَوَّالٍ فَيَتَأَكَّدُ صَوْمُ مَا لَهُ سَبَبَانِ رِعَايَةً لِكُلٍّ مِنْهُمَا، فَإِنْ نَوَاهُمَا حَصَلَا كَالصَّدَقَةِ عَلَى الْقَرِيبِ صَدَقَةً وَصِلَةً، وَكَذَا لَوْ نَوَى أَحَدَهُمَا فِيمَا يَظْهَرُ. وَاسْتَشْكَلَ اسْتِعْمَالُ الِاثْنَيْنِ بِالْيَاءِ وَالنُّونِ مَعَ تَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الْمَثْنَى وَالْمُلْحَقَ بِهِ يَلْزَمُ الْأَلِفَ إذَا جُعِلَ عَلَمًا وَأُعْرِبَ بِالْحَرَكَةِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - مِنْ أَهْلِ اللِّسَانِ فَيُسْتَدَلُّ بِنُطْقِهَا بِهِ عَلَى أَنَّهُ لُغَةٌ.
قَوْلُهُ: (تُعْرَضُ) أَيْ عَلَى اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةُ تَرْفَعُ تِلْكَ الْأَعْمَالَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَتُرْفَعُ جُمْلَةُ أَعْمَالِ الْعَامِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ كَمَا فِي شَرْحِ م ر، وَكَذَا تُعْرَضُ جُمْلَةُ أَعْمَالِ الْعَامِ لَيْلَةَ الْقَدْرِ. وَفَائِدَةُ تَكْرِيرِ ذَلِكَ إظْهَارُ شَرَفِ الْعَامِلِينَ بَيْنَ الْمَلَائِكَةِ، شَرْحُ حَجّ. قَوْلُهُ: (الْأَعْمَالُ) أَيْ أَعْمَالُ الْأُسْبُوعِ.
قَوْلُهُ: (وَأَنَا صَائِمٌ) أَيْ قَرِيبٌ مِنْ زَمَنِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ الْعَرْضَ بَعْدَ الْغُرُوبِ كَمَا قَرَّرَهُ شَيْخُنَا ح ف. وَفَائِدَةُ الْعَرْضِ إظْهَارُ الْعَدْلِ وَإِقَامَةُ الْحُجَّةِ إذْ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ شَيْءٌ.
قَوْلُهُ: (يَوْمِ عَرَفَةَ) وَهُوَ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ لِأَنَّ صَوْمَهُ يُكَفِّرُ سَنَتَيْنِ، وَأَمَّا خَبَرُ: «خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ» فَمَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِقَرِينَةِ مَا ذَكَرَ، وَأَفْتَى الْوَالِدُ بِأَنَّ عَشْرَ رَمَضَانَ أَفْضَلُ مِنْ عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ لِأَنَّ رَمَضَانَ سَيِّدُ الشُّهُورِ شَرْحُ م ر.
وَأَفْضَلُ الشُّهُورِ بِالْإِطْلَاقِ ... شَهْرُ الصِّيَامِ فَهُوَ ذُو السِّبَاقِ
فَشَهْرُ رَبِّنَا هُوَ الْمُحَرَّمُ ... فَرَجَبٌ فَالْحِجَّةُ الْمُعَظَّمُ
فَقِعْدَةٌ فَبَعْدَهُ شَعْبَانُ ... وَكُلُّ ذَا جَاءَ بِهِ الْبَيَانُ
وَيُسَنُّ صَوْمُ الثَّمَانِيَةِ قَبْلَهُ أَيْ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْحَاجُّ وَغَيْرُهُ، قَالَ م ر: وَقَدْ عَمَّتْ الْبَلْوَى كَثِيرًا بِثُبُوتِ هِلَالِ الْحِجَّةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَثَلًا ثُمَّ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ بِرُؤْيَتِهِ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ وَظَنَّ صِدْقَهُمْ وَلَمْ يَثْبُتْ، فَهَلْ يَنْدُبُ صَوْمُ السَّبْتِ لِكَوْنِهِ يَوْمَ عَرَفَةَ عَلَى تَقْدِيرِ كَمَالِ ذِي الْقَعْدَةِ أَوْ يَحْرُمُ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ يَوْمَ الْعِيدِ؟ وَقَدْ أَفْتَى الْوَالِدُ بِالثَّانِي؛ لِأَنَّ دَفْعَ مَفْسَدَةِ الْحَرَامِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى تَحْصِيلِ الْمَنْدُوبِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ عَادَةٌ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ يَوْمَ الْعِيدِ عَلَى احْتِمَالِهِ غَيْرُ قَابِلٍ لِلصَّوْمِ؛ شَيْخُنَا ح ف. فَيَكُونُ كَيَوْمِ الشَّكِّ أَوْ يَحْرُمُ صَوْمُهُ مُطْلَقًا حَتَّى لِسَبَبٍ. وَالظَّاهِرُ الثَّانِي أَخْذًا مِنْ الْعِلَّةِ. تَذْنِيبٌ: قَوْلُهُمْ دَرْءُ الْمَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ هَلْ هَذَا عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ أَوْ الْأَوْلَى؟ .
قُلْت. رَأَيْنَا فِي بَعْضِ التَّأْلِيفِ لِأَكَابِرِ الشَّافِعِيَّةِ مَا نَصُّهُ: وَتَحْرِيرُهُ أَنْ يُقَالَ: الْمَفَاسِدُ عَلَى قِسْمَيْنِ مَظْنُونَةِ الْوُقُوعِ وَمُتَوَهَّمَتِهِ، فَالْأُولَى يَجِبُ رِعَايَتُهَا عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَالثَّانِيَةُ الْأَوْلَى رِعَايَتُهَا لَا وُجُوبُهَا اهـ أج مَعَ زِيَادَةٍ.