للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ» وَصَوْمُ تَاسُوعَاءَ وَهُوَ تَاسِعُ الْمُحَرَّمِ لِقَوْلِهِ: «لَئِنْ بَقِيت إلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ» فَمَاتَ قَبْلَهُ، وَصَوْمُ سِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ» وَتَتَابُعُهَا عَقِبَ الْعِيدِ

ــ

[حاشية البجيرمي]

قَوْلُهُ: (لِغَيْرِ الْحَاجِّ) أَمَّا الْحَاجُّ فَخِلَافُ الْأَوْلَى إنْ كَانَ يَصِلُ عَرَفَةَ نَهَارًا، فَإِنْ كَانَ يَصِلُهَا لَيْلًا أَيْ لَيْلَةَ التَّاسِعِ فَلَا كَرَاهَةَ وَلَا خِلَافَ الْأَوْلَى؛ وَوَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ أَنَّ الْوُحُوشَ فِي الْبَادِيَةِ كَانَتْ تَصُومُ يَوْمَ عَرَفَةَ حَتَّى إنَّ بَعْضَهُمْ أَخَذَ لَحْمًا وَذَهَبَ بِهِ إلَى الْبَادِيَةِ وَرَمَاهُ لِنَحْوِ الْوُحُوشِ فَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِ وَلَمْ تَأْكُلْ وَصَارَتْ تَنْظُرُ إلَى الشَّمْسِ وَتَنْظُرُ إلَى اللَّحْمِ حَتَّى إذَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ أَقْبَلَتْ إلَيْهِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ ع ش عَلَى م ر.

قَوْلُهُ: (أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ) أَيْ أَرْجُو مِنْ اللَّهِ وَرَجَاؤُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحَقَّقٌ فَ " عَلَى " بِمَعْنَى " مِنْ " وَعِبَارَةُ الْمِصْبَاحِ: احْتَسَبَ الْأَجْرَ عَلَى اللَّهِ ادَّخَرَهُ عِنْدَهُ لَا يَرْجُو ثَوَابَ الدُّنْيَا. اهـ. ع ش. قَوْلُهُ (السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ) الْمُرَادُ بِالسَّنَةِ الَّتِي قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ السَّنَةُ الَّتِي تَتِمُّ بِفَرَاغِ شَهْرِهِ، وَبِالسَّنَةِ الَّتِي بَعْدَهُ السَّنَةُ الَّتِي أَوَّلُهَا الْمُحَرَّمُ الَّذِي يَلِي الشَّهْرَ الْمَذْكُورَ؛ إذْ الْخِطَابُ الشَّرْعِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى عُرْفِ الشَّرْعِ شَرْحُ م ر.

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذُنُوبٌ فَزِيَادَةٌ فِي الْحَسَنَاتِ. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: التَّكْفِيرُ يُطْلَقُ بِمَعْنَى الْغُفْرَانِ وَبِمَعْنَى الْعِصْمَةِ، فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى السَّنَةِ الْمَاضِيَةِ وَالثَّانِي عَلَى الْمُسْتَقْبَلَةِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلَةِ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ كَانَ مَغْفُورًا، قَالَ بَعْضُهُمْ: يُؤْخَذُ مِنْ تَكْفِيرِ السَّنَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ فِيهَا لِأَنَّ التَّكْفِيرَ لَا يَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَرَاجِعْهُ ق ل عَلَى الْجَلَالِ. وَقَدْ رَاجَعْته فَوَجَدْته كَمَا ذَكَرَ، فَقَدْ قَالَ الْمَدَابِغِيُّ عَلَى التَّحْرِيرِ مَا نَصُّهُ: فَائِدَةٌ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: وَهَذِهِ بُشْرَى بِحَيَاةِ سَنَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ لِمَنْ صَامَهُ، إذْ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَشَّرَ بِكَفَّارَتِهَا فَدَلَّ لِصَائِمِهِ عَلَى الْحَيَاةِ فِيهَا، إذْ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إنْ هُوَ إلَّا وَحْيٌ يُوحَى.

قَوْلُهُ: «يُكَفِّرُ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ» وَفَارَقَ عَرَفَةَ بِأَنَّهُ مِنْ خَوَاصِّ هَذِهِ الْأُمَّةِ بِخِلَافِ عَاشُورَاءَ لِمُشَارَكَةِ مُوسَى لَنَا فِيهِ ق ل. وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ: إنَّ صَوْمَ عَرَفَةَ مُحَمَّدِيٌّ وَصَوْمَ عَاشُورَاءَ مُوسَوِيٌّ " لِأَنَّهُ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ صَوْمَ عَاشُورَاءَ مُحَمَّدِيٌّ أَيْضًا لِأَنَّهُ صَامَهُ بِوَحْيٍ لَا تَبَعًا لِمُوسَى إذْ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا لَيْسَ شَرْعًا لَنَا وَإِنْ وَرَدَ فِي شَرْعِنَا مَا يُقَرِّرُهُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا نُسِبَ لِمُوسَى لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ صَامَهُ، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ مَحْمُولَةٌ عَلَى الصَّغَائِرِ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: هَذَا الْمَذْكُورُ فِي الْأَحَادِيثِ مِنْ تَكْفِيرِ الصَّغَائِرِ فَقَطْ هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ فَإِنَّ الْكَبَائِرَ لَا يُكَفِّرُهَا إلَّا التَّوْبَةُ أَوْ رَحْمَةُ اللَّهِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَفَّرَ الْوُضُوءُ كَمَا وَرَدَ فَمَاذَا تُكَفِّرُ الصَّلَاةُ؟ وَإِذَا كَفَرَتْ فَمَاذَا تُكَفِّرُ الْجُمُعَتَانِ وَرَمَضَانُ وَكَذَلِكَ صَوْمُ عَرَفَةَ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ وَعَاشُورَاءُ كَفَّارَةُ سَنَةٍ؟ وَإِذَا وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ؟ فَالْجَوَابُ مَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَنَّ كُلًّا مِنْ هَذِهِ صَالِحٌ لِلتَّكْفِيرِ، فَإِنْ وُجِدَ مَا يُكَفِّرُهُ مِنْ الصَّغَائِرِ كَفَّرَهُ وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً كُتِبَ لَهُ بِهَا حَسَنَاتٌ وَرُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَاتٌ، وَإِنْ صَادَفَ كَبِيرَةً أَوْ كَبَائِرَ فَقَطْ رَجَوْنَا أَنْ يُخَفِّفَ مِنْ الْكَبَائِرِ اهـ كَلَامُ الْمَجْمُوعِ

قَوْلُهُ: «إلَى قَابِلٍ» بِالتَّنْوِينِ، تَقْدِيرُهُ: إلَى عَامٍ قَابِلٍ.

قَوْلُهُ: «لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ» أَيْ مَعَ عَاشُورَاءَ. وَأَفْتَى الْبَارِزِيُّ بِأَنَّ مَنْ صَامَ عَاشُورَاءَ مَثَلًا عَنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ حَصَلَ لَهُ ثَوَابُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ كَمَا فِي شَرْحِ م ر.

قَوْلُهُ: (وَصَوْمُ سِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ) أَيْ وُجُودُ صَوْمِ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَوْ نَفَاهَا، أَوْ صَامَهَا عَنْ نَذْرٍ أَوْ نَفْلٍ آخَرَ أَوْ قَضَاءٍ عَنْ رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ؛ نَعَمْ لَوْ صَامَ شَوَّالًا قَضَاءً عَنْ رَمَضَانَ وَقَصَدَ تَأْخِيرَهَا عَنْهُ لَمْ تَحْصُلْ مَعَهُ فَيَصُومُهَا مِنْ الْقَعْدَةِ، وَيُنْدَبُ مُوَالَاتُهَا لِيَوْمِ الْعِيدِ وَتَتَابُعُهَا وَتَفُوتُ بِفَوَاتِ شَوَّالٍ ق ل. وَالْأَوْلَى حَذْفُ التَّاءِ إذْ إثْبَاتُ التَّاءِ مَعَ حَذْفِ الْمَعْدُودِ لُغَةٌ، وَالْأَفْصَحُ حَذْفُهَا كَمَا فِي الْحَدِيثِ اهـ أج. وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ التَّاءِ هُوَ الْأَفْصَحُ وَإِنْ كَانَ الْمَعْدُودُ مَحْذُوفًا لِأَنَّ الْأَفْصَحَ أَنْ يَكُونَ كَالْمَذْكُورِ.

قَوْلُهُ: «مَنْ صَامَ رَمَضَانَ» أَيْ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَأَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَذَلِكَ، أَمَّا لَوْ صَامَ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ فِي بَعْضِ السِّنِينَ دُونَ بَعْضٍ فَالسَّنَةُ الَّتِي صَامَ السِّتَّ فِيهَا يَكُونُ صَوْمُهَا كَسَنَةٍ وَاَلَّتِي لَمْ يَصُمْ فِيهَا تَكُونُ كَعَشْرَةِ أَشْهُرٍ،. اهـ. ع ش عَلَى شَرْحِ م ر.

قَوْلُهُ: «ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ» قَضِيَّتُهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يَصُمْ رَمَضَانَ لِعُذْرٍ لَا يُسَنُّ لَهُ صِيَامُ سِتَّةِ شَوَّالٍ؛ وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ

<<  <  ج: ص:  >  >>